الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيكاجو الأسواني... -أنا فقط-...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2014 / 10 / 26
الادب والفن


ابتكر العرب قديمًا سوق عكاظ السنوي الذي كانوا يتبارون فيه في إلقاء الشعر فخرًا من كل شاعر بقبيلته معددًا مزاياها ومقللًا من شأن القبائل الأخرى أمامها. هناك بعض العقليات "الفكرية" التي لا تزال تتبنى الأسلوب نفسه في العمل الأدبي؛ بحيث يكون ما يكتبونه يعبر فقط عن التوجه الفكري الذي يتبنونه دون أي اعتبار لمستلزمات العمل الأدبي التي تبعد كل البعد عن المباشرة والوضوح الكاملين الجديرين بخطب دور العبادة أو المقالات الصحفية.
ولم يخالف د. علاء الأسواني عقلية "سوق عكاظ" الأدبية في روايته "شيكاجو" الصادرة عن دار الشروق عام 2007 — والتي قرأتها بناء على طلب من أحد الأصدقاء لتقديم رأي فيها — وليس في العبارة الواردة في الفقرة السابقة أي تجن أو ادعاء، وإنما هو مجرد رأي شخصي قام على قراءة الرواية نفسها، وفي الأسطر التالية سوف نلقي الضوء على بعض جوانب في الرواية من بينها ما يمكن أن يدعم بشكل ما أو بشكل كامل ما ورد في هذه العبارة التي ربما تثير حفيظة المتحمسين للأسواني.

الأسلوب بين السلاسة "واللخبطة"
لا بد في البداية الإشارة إلى أسلوب الرواية باعتباره المفتاح الذي إما أن يفتح للقارئ الطريق أمام استكمال باقي الرواية أو يغلقه؛ فلا تصلح معه أية وسيلة بعد ذلك لفتحه...! وفي الواقع كان أسلوب الأسواني متميزًا في سلاسته وتدفق عباراته وسرعتها.
ولكن الحلو لم يكتمل في أسلوب الأسواني؛ إذ إنه وقع في أحد المنزلقات التي يسهل السقوط فيها، وهي الجمع بين العامية والفصحى في حوارات شخوص الرواية. من الممكن أن يكتب المرء بالعامية من أول الرواية لآخرها، وكذلك من الممكن أن يكتب بالفصحى مع جعل الحوارات بين الشخوص بالعامية، وكذلك من الممكن أن يجعل الحوارات تتراوح بين العامية والفصحى وفق طبيعة دور كل شخصية في الرواية؛ فمثلًا عامل المصعد لا يمكن أن يتكلم بالأسلوب نفسه الذي يستخدمه الواعظ الديني أو أستاذ الجامعة.
كل ما سبق من الممكن قبوله في الرواية، لكن الأسواني مزج بين العامية والفصحى في العبارة الواحدة، وبالتالي باتت بعض العبارات مهلهلة "تكسر" من تدفق الأسلوب الذي ميز الأسواني، وتجعل القارئ يخرج ولو قليلًا عن انطلاقه في أحداث الرواية.
كذلك كانت المباشرة واحدة من المشكلات التي وقع فيها الأسواني؛ حيث كانت الرواية في جزء كبير منها مقال صحفي للأسواني تتخلله بعض الأحداث والشخصيات!!
للأسف لم يستطع الأسواني التخلي عن طبعه ككاتب صحفي.

أنا فقط...!
يمكن للقارئ أن يلاحظ بكل سهولة من الصفحات الأولى في الرواية أن المؤلف يسعى إلى رسم لوحة لمصر بكل ما يعتمل فيها من خلال أشخاص الرواية المتواجدين معًا في مكان واحد وهو مدينة شيكاجو الأمريكية، التي جعل من اسمها عنوانًا للرواية في لازمة تتكرر في كل رواياته الرئيسية بجعل عنوان الرواية هو المكان الذي يحتوي الأشخاص والأحداث الرئيسية فيها.
لكن الأسواني — جريا على عادة سوق عكاظ — خصص الرواية في غالبية أجزائها للفخر والمديح لكل القيم التي يتبناها مع التسفيه والتحقير لكل القيم الأخرى التي لا يتبناها؛ فالخطوط العريضة في الرواية هي "القيم الليبرالية هي الصواب وما دونها لا قيمة له"، و"أمريكا دولة بلا أخلاق ولا قيم". كان من الممكن أن يتفهم القارئ أن يمتدح الأسواني في القيم الليبرالية وينشرها في كل أنحاء كتابه؛ فهذا من الطبيعي باعتباره كاتبًا صاحب مبدأ وفكرة، ولكن الازدراء والتقليل من الأفكار الأخرى هو أمر غير مقبول بخاصة إذا جاء بشكل متعسف كما ورد في الرواية التي بين يدينا الآن. كيف ذلك؟!
وجه الأسواني عدة انتقادات حادة إلى التطبيق المجتمعي للدين الإسلامي؛ بحيث صَوَّرَ هذا التطبيق على أنه مجرد وسيلة لتسكين آلام المريض دون علاجه، باستغلاله سياسيًّا لتهدئة أية محاولات للثورة على الأوضاع الفاسدة في مصر، وكذلك لخنق أية محاولة من المرأة لتصحيح أوضاعها، والمواقف التي تدلل على ذلك كثيرة للغاية ومنتشرة في مختلف أنحاء الرواية. فلماذا لم يورد الأسواني في روايته — عملًا بمبدأ نقل الصورة كاملة — شخصية إسلامية تحث على الثورة ورفض الفساد؟! لم يحدث ذلك؛ لأن المؤلف لا يريده أن يحدث علما بأنه موجود، والنماذج عليه كثيرة في المجتمع المصري ومن بين هذه النماذج من يعارض التيار المتشدد، ولكنه أيضًا لا يهادن تيار الفساد.
للأسف الشديد، لم يكن الأسواني أمينًا في هذه الزاوية، بالقدر نفسه من عدم الأمانة في عدة زوايا من الرواية.

الولايات المتحدة... الشيطان الأكبر
من المستبعد أن يتفق علاء الأسواني مع الإيرانيين في الرؤية العامة للحياة والإنسانية، ولكن النقطة التي كانت محور الالتقاء هي الصورة الذهنية للولايات المتحدة باعتبارها "الشيطان الأكبر"؛ فالصورة التي نقلتها الرواية عن الولايات المتحدة والمعيشة فيها لم تكن كذلك أمينة، وإن كانت بدرجة أقل من النقطة السابقة المتعلقة بالقيم الأخلاقية الإسلامية، ولكن عدم النزاهة كان كذلك موجودًا. ومن جديد يثور التساؤل: كيف ذلك؟!
عندما نقل الأسواني صورة المجتمع الأمريكي، لم يقدم إلا أقل القليل عن التقدم في المجتمع الأمريكي، وركز على السلبيات من عنصرية وسحق للفقراء، علما بأن المجتمع الأمريكي أيضًا حمال للأوجه مثله مثل أي مجتمع إنساني. نماذج قليلة فقط من الإبداع الأمريكي وردت في الرواية، بينما كان التركيز على السلبيات فقط.
لماذا؟! ربما لأن الأسواني يود تشويه الصورة الأمريكية ليظهر معاديًا للسياسات الأمريكية، وبالتالي ينفي عن نفسه أية شبهة تتعلق بالتبعية الأمريكية أو تلقي التمويل من الولايات المتحدة، وهي النقطة التي لم يركز عليها كذلك الأسواني في روايته، بل مر عليها مرور الكلام؛ التمويل الأمريكي لبعض أطياف المعارضة المصرية؛ فالمؤلف لم يشر إلى هذه النقطة إلا في القول إن هناك بعض تنظيمات أقباط المهجر التي تتلقى تمويلًا من الولايات المتحدة، وهي الكلمة التي جاءت على لسان مسئول رسمي، وبالتالي فهي محل شك، بالنظر إلى الموقف المبدئي للمؤلف من المسئولين الرسميين وهي أنهم مصدر الشرور في المجتمع.
فهل الأقباط هم الأخيار في المجتمع؟!
كان حريًّا بالأسواني أن يناقش كذلك قضية الأقباط بقدر أكبر قليلًا طالما هدفت الرواية إلى طرح صورة كاملة للمصريين من خلال المهجر في شيكاجو. القبطي الوحيد في الرواية كان نموذجا للانتماء إلى البلاد، واستطاع أن يصل إلى أقصى درجات التسامح عندما عامل المسلم المتزمت، الذي كان سببا في هجرته، بكل إنسانية لما اضطرت الظروف المتزمت إلى إجراء عملية جراحية في القلب على يد الطبيب القبطي المهاجر. ولكن في هذا السياق، يُحسب للأسواني إصراره على أن مشاكل الأقباط في أساسها هي مشاكل سياسية وليست دينية في المقام الأول، وهو التأكيد الذي جاء في أكثر من موضع في الرواية بخاصة على لسان ناجي عبد الصمد طالب البعثة والوحيد الذي كان يرغب في إصلاح الأوضاع في البلاد بشكل حقيقي وحامل هم الشعب المصري في المهجر، والذي كان يتبنى الفكر الليبرالي مع مسحة يسارية بدرجة ما؛ تمامًا مثل الأسواني...!

لم تكن هذه رؤية نقدية منهجية للرواية؛ فالمقام يضيق، ولكنها مجرد ملاحظات سريعة على الرواية التي لاقت الكثير من الترحيب والحفاوة، بالقدر نفسه الذي لاقت به الكثير من الانتقاد. أعلم أن ما هو مكتوب أعلاه سوف يؤدي إلى الكثير من الانتقادات باعتباري مؤيدًا للإرهاب، وكذلك رافضًا للقيم الليبرالية، ولكن على كل من يلقي اتهامًا أن يأتي بما يؤيده من المقال. ولكن تبقى هذه رؤيتي المبدئية للرواية، وتبقى الرواية نفسها مجرد مقال طويل تخللته بعض الأحداث التي لم تهدف إلا لشيء واحد وهو الترويج لفكرة واحدة مفادها أن الأسواني يزدري كل ما دونه ويقول: "أنا فقط"...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا