الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة أم ثورتان؟

خليل كلفت

2014 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



الثورة الشعبية عملية كبيرة واحدة قد تمتدّ لسنوات، وتتميز فى سياقها موجات متنوعة الحجم والمهام فى الإطار العام للعملية الثورية ككل. وقد تعددت موجات ثورة يناير، وكانت موجة 30 يونيو هائلة الضخامة. غير أنه يوجد إصرار من بعض الجهات والقوى السياسية على النظر إلى موجة 30 يونيو بالذات على أنها ثورة جديدة قائمة بذاتها!
فما مغزى هذا الفصل بإصرار بين ثورة يناير و"ثورة" أو موجة يونيو؟
وقد حدثت كل موجات ثورة يناير الشعبية خلال فترة قصيرة، وحدثت كلها فى إطار أسباب وأهداف ثورة يناير: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية. فهى إذن عملية ثورية واحدة وحيدة، لحمتها وسداها أسباب وعوامل وشعارات ومطالب وأهداف وغايات الثورة الشعبية التى تراكمت فى الفترة السابقة لثورة يناير وقادت إليها، مع أخذ تأثير الدومينو فى الاعتبار.
وتنطبق تسمية الثورة على موجات ومراحل الثورة ككل، ولا تقتصر على أىّ موجة منها، ولا تتطابق حتى مع الموجة الأولى: موجة يناير، إلا باعتبارها بداية ثورة.
فهل كان ذلك لأن موجتىْ يناير ويونيو كانتا ناجحتين؛ الأولى فى إسقاط مبارك وعصابته الدولتية، والثانية فى إسقاط مرسى وعصابته الإخوانية؟ غير أن إسقاط مرسى تحقق ضمن السياق العام لثورة يناير، وكامتداد لإسقاط مبارك فى مجراها. والحقيقة أن العلاقة بين الموجة الأولى لثورة يناير وموجة يونيو هى علاقة السبب بالنتيجة، وبالتالى فإنه لا سبيل إلى الفصل بينهما.
ويرتبط الفصل بين حدث يناير وحدث يونيو بالمصالح السياسية المتعارضة التى تلعب فى هذا الفصل لعبتها المتحيزة وغير الموضوعية، فتضيع الحقيقة بين وجهتىْ نظر متعارضتين.
وباستثناء الجماهير الشعبية، التى صنعت الثورة وكابدت آلامها، نكون إزاء قوتين كبيرتين متصارعتين: دولة الطبقة الرأسمالية الحاكمة، وقوى الإسلام السياسى بقيادة الإخوان المسلمين.
لقد أفزعت ثورة يناير الشعبية هاتين القوتين، رغم تغنِّيهما المنافق بعظمتها ومعجزاتها وإنجازاتها. وكان على الدولة، رغم كراهيتها لتلك الثورة ضدها، أن تستنتج الدروس والعبر، بعد أن تخلصت من الطاغية بفضل عدم التبعية القصوى للدولة والجيش إزاء الحاكم، على العكس من الكارثة التى حلت بسوريا وليبيا واليمن بسبب التبعية المطلقة للجيش إزاء الحاكم. أما الإخوان المسلمون على رأس الإسلام السياسى فإنهم، رغم كراهيتهم ليقظة الشعب فى يناير، رأوا فيها فرصة سانحة للقفز على السلطة.
وكان لموجة يونيو شأنٌ آخر. فقد عظَّمتها الدولة لأنها صنعت الإطار الشعبى لنجاحها فى الإطاحة بالحكم الإخوانى. أما الإخوان فقد لعنوها ووقفوا ضدها، وعندما جرت الإطاحة بهم وبحكمهم أشعلوا حربا أهلية شعواء ضد الدولة والشعب.
ورغم أن الدولة تكيل المديح المتواصل لثورة يناير، باعتبارها معجزة، وأضخم ثورة منذ سبعة آلاف عام، وتتحدث عن الشعب الذى قام بثورتين خلال فترة قصيرة بوصفه الشعب القادر على صنع المعجزات، بدأ هجوم شامل عليها من جانب إعلام الدولة وكثير من المسئولين و"الفلول". ولا شك فى أن الثورة كانت ضخمة، غير أن ضخامتها كانت شهادة فقر ضد مصر التى أوصلت شعبها إلى كل هذا البؤس، ولا شك فى أن الانفجار السكانى ظاهرة جديدة فى التاريخ، فما معنى أنها كانت أضخم ثورة فى التاريخ؟
ولأن موجة يونيو حققت الإنجاز العظيم المتمثل فى التخلص من الإخوان المسلمين، وحكمهم ووجودهم، فقد حصدت حب الدولة والشعب. أما الإخوان فقد اتخذوا منها موقف العداء لأنها أطاحت بهم فاعتبروها جزءًا لا يتجزأ مما يعتبرونه انقلاب 3 يوليو.
وفى موجة 30 يونيو، انتصر الجيش بانقلاب مزعوم، وصار قائده رئيسا للجمهورية، فوقف ضده قسم كبير من شباب الثورة باسم الديمقراطية. والحقيقة أن الشباب، بحكم غياب الفهم النظرى لحدود الثورات الشعبية، أصابه إحباط شديد بسبب ما اعتبره عدم نجاح الثورة أو فشلها.
وقد فشلت الثورة بالطبع بمعيار ثورة التوقعات الوهمية لدى الشباب، الذين يرفضون الديكتاتورية العسكرية مع أن الولايات المتحدة الأمريكية التى تبدو لهم أيقونة الدولة الديمقراطية ليست دولة ديمقراطية بل تمثل كبرى الديكتاتوريات العسكرية فى التاريخ. وحفرت هذه الأوهام لدى الشباب، وعجْز خطاب الدولة عن التعامل معها، هوة عميقة بين الدولة وشباب الثورة. ولا سبيل إلى التحرُّر من قيود الديكتاتورية العسكرية فى ظل الرأسمالية، ولا سبيل إلى التخلص من وجودها ذاته، مع ضرورة مقاومة تجاوزاتها وانتزاع مستويات متصاعدة من الديمقراطية من أسفل.
وفى ظروف الحرب الأهلية الراهنة، صار هذا التناقض بين الدولة وشباب الثورة تحديا هائلا أمام السير إلى الأمام. ولا سبيل إلى حلّ هذا التناقض إلا بأن يدرك الشباب جيدا أن الثورة الاجتماعية-السياسية، فى حالة حدوثها، هى التى تصنع مستقبل الشعوب، وأن الثورة الشعبية ليس من شأنها أن تحقق الكثير، وما تحقق عندنا من التسييس، والخطوة التى حققتها قضية تحرُّر المرأة، والتحرُّر من الحكم الإسلامى الإخوانى، وغير ذلك، إنجازات مهمة تحسدنا عليها ثورات شعبية كثيرة على رأسها ثورة 1789 الشعبية الفرنسية العظمى!
3 أكتوبر 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قضا اخف من قضا
احمد حسن ( 2014 / 10 / 28 - 17:19 )
حصدت 30 يونيو حب الدوله(حد فاهم حاجه)عجبي عليك يا زمن
امريكا اكبر ديكتاتوريه عسكريه في العالم(اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته)و(اللي ما يرضي بالخوخ يرضي بشرابه)
ملحوظه(صاحب المقال ساهم في تاسيس منظمه يساريه في اواخر الستينات كانت تمثل المعارضه اليساريه الجذريه وقتها)
عجبي عليك يا زمن يا ابو البدع
------
انا كنت شئ
وصبحت شئ
ثم شئ -شوف ربنا قادر علي كل شئ
هز الشجر شواشيه وشوشني
لابد ما يموت شئ عشان يحيا شي
عجبي

اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟