الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعاجيب الحالة العراقية

علي الصفار

2014 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا يملك المتابع لوضع العراق بعد 2003 إلا أن يقف مندهشا ومصدوما،أولا مما يحصل ، ومن القبول الشعبي والصمت المطبق من الشعب العراقي ثانيا،فالوضع في العراق يتسم بالفرادة الخيالية التي لا يوجد لها مثيل في أية بقعة على الأرض يزيدها غرابة القبول الظاهر من العراقيين، مما يتطلب تحليلا دقيقا لسلوكهم هذا، لأنهم يقبلون بأوضاع مهينة سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا بل وحتى إنسانيا،بالرغم من إن الشعب العراقي معروف ( بنظرته الثاقبة التي تجعله يمعن في تصرفات الحكام ولايقتنع بهم لذلك جبلوا على الإعتراض والثورة ...)كما كان يؤكد الجاحظ، إلا إن مايحدث منذ 2003 يجعلنا بل ويدعونا لأن نفكر في الأسباب الجذرية لتصرفات القادة العراقيين من جهة وردود أفعال العراقيين من جهة ثانية ،وصولا إلى نقد حقيقي للسلوك العراقي يبتعد عن المبالغة في مدح العراقيين ( الذي تكرره جميع الدول العربية على نفسها) ويشخص الأمراض الحقيقية في المجتمع العراقي خاصة تلك التي ظهرت إبان الحكم الديكتاتوري وحكومات الفوضى بعد 2003،الإعتراف بوجود المشكلة هي الخطوة الأولى نحو الحل،وعلينا أن نعترف إننا كعراقيين لم نبرهن على نباهتنا وحيويتنا مقارنة بشعوب أخرى عربية منها وأجنبية.
سأحاول أن اسجل بعض الأعاجيب في الحالة العراقية(وما أكثرها) لندرك كم تغافل العراقيون عن إساءات لهم وللوطن دون رد فعل حقيقي.
1) هل سمعتم وقرأتم في التاريخ إن حكومة البلد تحتمي في منطقة خضراء محمية بكل ماتملكه الدولة ولايسمح لأي مواطن حتى التقرب منها ويسكنها المسؤولون وعوائلهم ،والمصيبة إن بقية مناطق البلد مناطق حمراء يقتل فيها يوميا مئات العراقيين، ومع كل هذا لايهجم العراقيون على المنطقة ويحطموا أسوارها بالرغم من إن الظرف الدولي يسمح بذلك،ولو راجعنا تاريخ العراق منذ تنصيب الملك فيصل الأول في 23 آب 1921، لن نجد مثل هذه الحالة حتى زمن أعتى نظام ديكتاتوري حكم العراق لخمسة وثلاثين سنة ، حيث كنا نمر داخل المنطقة الخضراء وكنا ننتقد النظام للحماية المشددة فيها.
أليست هذه حالة غريبة يقبل بها العراقيون دون نقاش وكإنها ممارسة طبيعية.

2) في أي بلد نجد القيادات الحكومية والسياسية من وزراء وروؤساء حكومة وبرلمان وأعضاء برلمان يحملون جنسيتين، أي مزدوجي الولاء (لأن الجنسية تعني الولاء للبلد والدفاع عنه)،لا أعتقد وجود مثل هذه الحالة في أي بلد آخر ، نعم يمكن للمواطن أن يحمل جنسيتين ولكن ليس المسؤول عن الشؤون الخارجية كالوزير والسفير مثلا، وبسبب سكوت العراقيون أمعن السياسيون في تمييز أنفسهم وإهانة البلد حتى إن بعض سفراء العراق يحملون جنسية البلد الذي يعملون فيه،المضحك إن الدستور العراقي يمنع إزدواجية الجنسية ومع ذلك لاينبري اي مواطن أو محامي لرفع دعوى قضائية ضد هؤلاء كما يحصل في دول أخرى مثل مصر حيث رفعت مئات القضايا من قبل مواطنين ومحامين ضد قيادات الإخوان لمخالفتهم للدستور بقضايا أبسط بل إنهم اسقطوا (خيرت الشاطر) لأن أمه ،نعم أمه وليس هو ، سبق وأن كانت ، نعم كانت، تحمل الجنسية الأميركية.
أما في العراق فالقضية لاتهم المواطن بل إن منظمات المجتمع المدني لا تملك هذا الوعي ولم تبادر إلى إنشاء جمعية / منظمة تهتم بمتابعة المخالفات القانونية ومقاضاة المخالفين.

3) في كل الدول يخجل المنهزم من هزيمته فيبادر إلى الإستقالة ( عبد الناصر بعد هزيمة 67) أو الإنتحار ( عبد الحكيم عامر وهتلر وقادته) ومن لايبادر إلى ذلك تسقطه الشعوب أو تحاول أن تسقطه كما حدث في العراق نفسه بعد حرب الخليج الثانية في 1991، إلا إن عراق مابعد 2003 ، يختلف تماما إذ يبادر لتكريم المهزوم الذي تسبب في ضياع أجزاء من الوطن وإستشهاد الآلاف من أبنائه فيصبح المهزوم الذي يجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى نائبا لرئيس الجمهورية ( المالكي )، ومع ذلك لايهتم العراقيون بذلك ولايبادرون لطلب محاكمته بل إن المهزوم أصبح أكثر عدوانية وجشعا لأنه يرى بعينه سكوت الملايين ممن فقدوا أبنائهم والشيء نفسه تعمله النخب السياسية والقانونية والمثقفين.

4) لايوجد في العالم كله مسؤول قيادي يسافر إلى خارج البلد دون علم رئيسه،في العراق الجديد يسافر الوزير إسبوعيا لزيارة عائلته على حساب الوزارة(وزير التربية السابق محمد تميم مثلا) ولايحاسبه رئيس الوزراء ولاينتفض الشعب ضد هؤلاء المفسدين ،بل إن المسؤول يحول وزارته إلى إقطاعية خاصة به وأقربائه دون خوف لأنه يعرف إن النخب الثقافية والقانونية لن تحرك سكنا مع العلم إنه بالإمكان رفع دعوى قضائية ضده بإسم الحق العام لأنه يستغل منصبه .
بل إن العراقيين يقبلون بنواب ووزراء يضعون عوائلهم خارج العراق في إهانة واضحة للشعب وكإن عوائلهم من جنس أرقي من الشعب ولايستطيعون تحمل العيشة المقرفة التي يعيشها الشعب العراقي الذي يدفع لهؤلاء رواتبهم وإمتيازاتهم ،اية قضية من هذه القضايا لو رفعت في المحاكم لأقتص القانون من هؤلاء الرعاع.

5)في كل دول العالم يكون الإقتصاد هو المحرك للسياسة،بل إن تشكيل الأحزاب يعتمد على الرؤى الإقتصادية والأجندات الإجتماعية المتنوعة لذك الفرق واضح في السياسة الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين وبين حزب العمال والمحافظين ، أما في العراق ،تشكل الأحزاب على أساس الإنتماء الطائفي ثم العشائري ثم المناطقي نزولا إلى الشخصي وبالتالي ظهر لدينا أكثر من 300 حزب وحركة لايمكن التفريق بينها سوى بمن يراس القائمة في تشويه واضح لمفاهيم الديمقراطية والعمل المجتمعي.
بل إن الأمر وصل بقبول العراقيين بنواب لم يحصلوا إلا على بضع مئات من الأصوات فيما يحرم منها من حصل على عشرات الآلاف منها في تعزيز واضح للولاءات الشخصية وإعادة العراق إلى ايام الحكم العثماني، اي مئة سنة للوراء .
مع كل هذا لا يفكر رجال القانون مثلا للتصدي قانونيا لذلك ولاتفكر منظمات المجتمع المدني يتحشيد الناس ضد هذه المفاهيم.

6) بالرغم من قصص الفساد الكثيرة ،السياسية منها والإقتصادية مثل توزيع رئيس الوزراء قطع أراض للمسؤولين ومشاركة اللصوص في البرلمان بالرغم من وجود قضايا قانونية ضدهم،لم تبادر جهة أو أشخاص قانونيين برفع دعاوى قضائية ضد المسيئين كما فعلت نخب ثقافية في دول أخرى ، مع العلم إن الوضع في العراق يهيئ هذه الفرصة بسبب التدخل الدولي فيه والذي يشعر القوى الحاكمة بإنهم تحت المجهر وبالتالي لن يستطيعوا ممارسة القمع كما كان يفعل الديكتاتور، ومع هذا كانت المعارضة لذلك النظام أكثر من المعارضة الحالية وهنا نقصد المعارضة الديمقراطية.

القائمة طويلة ويمكن لأي مراقب أن يضيف الكثير وكلها تؤشر على حالة غريبة وشاذة لم تحصل في أي بلد ومع هذا يختزل العراقيون المسالة إلى صراع مذهبي يستفيد منه الرعاع ويخسر فيه المواطن ويضيع الوطن في ظل صمت غريب من الشعب العراقي وخاصة النخب الثقافية والقانونية ومنظمات المجتمع المدني.

يتطلب هذا الصمت دراسة علمية بجوانبها النفسية والإجتماعية والإقتصادية، بمعنى آخر علينا أن نحلل مجتمعنا العراقي ونحدد نقاط ضعفه قبل قوته،وماحدث بعد 2003 يدفعنا لأن نعترف بإن الغرب فهم مجتمعنا أكثر بكثير منا لأنه إستخدم أدوات علمية حيادية تحلل أحداث التاريخ وتستنتج وتضع خطط ورؤى والدليل إنهم فهموا المحركات والدوافع الطائفية حتى أكثر من النخب السياسية التي تصدت للعمل السياسي في العراق.

نمثل نحن العراقيون حالة غريبة لا مثيل لها وعلى مثقفينا أن يعملوا على إيقاظنا منها لأننا خارج التاريخ بكل ماتعنيه الكلمة من معنى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24