الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية الدكتور أحمدي نجاد الخالية من الموز

أحمد صدري

2005 / 8 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بالتمعن في انتخابات جرت وكانت قريبة من المرء، كسبها أو خسرها أو سرقها مرشح غير محتمل يجب أن يحترس المرء من أن يعقلن الأمور زيادة عن اللزوم. في مناسبات كتلك لم يحدثنا عنها محللون سياسيون من قبل هناك ميل للحديث بأن هؤلاء النقاد السياسيين استطاعوا إخبارنا بالأمر أو أنهم أخبرونا به تقريبا. الناقد العصبي فينا يريد أن يفعل نفس الشيء. نتائج الانتخابات الأخيرة في إيران، وكل التفسيرات الاقتصادية ونظريات المؤامرة السياسية على الرغم من ذلك، قد تستطيع بسهولة التلون بلون مختلف. لو كانت شيكات الستين دولار المعوقة التي أمطرها كروبي من السماء أكثر نجاحا بقدر قليل أو أن رفسنجاني انسحب من الجولة الأخيرة (وهو اختيار فكر فيه بجدية) لكان النقاد يغنون اليوم لحنا مختلفا. بهذا الاستهلال دعني أولا اثقب بالونا يتضخم باستمرار عن رجعية جماهير صباح الاثنين.

"إنه غباء اقتصادي"، هي صيحة رائجة هذه الأيام. إنهم يقولون، لقد وعدهم أحمدي نجاد بالخبز، فانتصر. من يهتم بالحريات عندما يكون الناس جوعى؟ قد يسر ماركس بذلك ولكن الأعداد تكذب هذا المنطق. في أكثر الولايات حرمانا عرقية المرشحين، أو مواقفهم من حقوق الأقليات هي التي توقعت الأصوات بأفضل من العوامل الاقتصادية. على العكس، الكثير من ميسوري الحال أعطوا لأحمد نجادي. الروائي الإيراني الأشهر دولت عبادي ومخرجها الأكثر شهرة كياروستامي مدحوا تواضع وإخلاص أحمد نجاتي لقضيته، حتى برغم أنهم أعطوا أصواتهم لخصومه. هذه الانتخابات، سارت خلف شعار آية الله الخوميني عن الثورة الإسلامية: لم تكن شعارتها عن ثمن البطيخ. القضايا الاقتصادية قضايا هامة في الانتخابات ولكن في إيران ولد الكوتشينة الرمزي أكل كل أوراق الأرض الاقتصادية. انتصر احمد نجادي لأنه كان أستاذا في اللعب بالرمزي. عرض أحمدي نجاد في سابقة أعماله بيته الصغير في ضواحي طهران الفقيرة، وتفاخر بفجاجة أسلوبه وحتى بقبحه، كما لو كانت آُثار جروح معاناته الطويلة في خدمة الشعب. لم تكن خططه الاقتصادية التي حببته للفقراء ولكن مثل تلك الحيل مثل تحريم دخول الموز إلى مكتبه حين كان يشغل منصب عمدة طهران (الموز فاكهة غالية الثمن في إيران وهي طعام الأغنياء هناك). أحمد نجاد، ابن المؤسسة الأسمى اغترف من احتياطات خزائن النقد الهائلة لاقتصاد اليمين السري (بما فيها المراسي الغير شرعية للحرس الثوري في الخليج الفارسي التي تستخدم كمرافئ لاستيراد البضائع المحظورة، وكذلك العطاءات بالأمر المباشر دون مناقصات لعقود التشييد والبناء الضخمة مثل التي تنالها شركة هاليبرتون) اغترف نجاد من احتياطات تلك الأموال الهائلة ليشق طريقه نحو القمة السياسية في إيران. وأيضا شن احمدي نجاد حملته ببرنامج لتعرية وفضح شبكات المال والنفوذ في إيران ونجح. نجح لأنه استحوذ على أصوات المعارضة باللعب على صورة أنه أحد أفراد مؤسسة الحكم المتواضع والورع – بالضبط كما لعب خاتمي سابقا على نفس الوتر.

بدأت قصة انتصار أحمدي نجاد بانتخابات مجالس المدينة التي لم تلق نفس الحظ من الدعاية والأضواء عندما تجنب جمهور الناخبين الإصلاحيون صناديق الاقتراع ليمنحوا بذلك انتصارا سهلا للعمدة الجديد. قفز أحمد نجادي على مكتب عمدة طهران وهبط في حركة تشبه حركة قرود الشيتا الجائعة. حلب أحمدي نجادي عن طريق الاستدانة الهائلة من حلفائه اليمينيين في الحرس الثوري كميات ضخمة من الأموال تحت غطاء خدمات للناس، وأغرق بها طهران من أجل اكتساب شعبية. لقد أعطى مكافآت سخية ليس فقط لسائقي سيارات النقل العام ولكن أيضا منح نفس البقشيش للمدرسين. وقام نجاد ببناء مجمعات رياضية كبيرة ليس فقط لصالح المدينة ولكن أيضا لصالح الجامعات والمدارس. وقام أيضا بتوزيع آنية الطبخ النحاسية على التجمعات الدينية والنقود المعدنية الذهبية على العاملين بالأكشاك. فوق كل ذلك، بنى أحمد نجاد كتائبه الباعثة على الصدمة: ميليشيا ""التعبئة" أو ميليشيا الباسيج. الباسيج، الباقية بعد ثمان سنوات من الحرب مع العراق، ظلوا محافظين عليها لاخماد انتفاضة حضرية افتراضية ضد الجمهورية الإسلامية. الباسيج، في ظل رئاسة أحمدي نجاد، والتي يتحدثون عنها كأفضل قوات منظمة في العالم لراسبي المدارس الثانوية أصبحت لديها زي جديد وسيارات لامعة. في أيام الانتخابات تم استعراض الباسيج بشكل كفء وحاسم تحت أسماء كودية مثل "نصر 1 أو 2 أو 3" و "الياقوتة الزرقاء" وقد خرجوا إلى صناديق الاقتراع. السيد كروبي حاد الصوت اعترض صارخا على إساءة استغلال المال الحكومي هذا – بلا طائل طبعا.

قبل الانتخابات بأيام قلائل، مضت كل الأنظمة إلى الدكتور أحمدي نجاد ما عدا نظاما واحدا: نظام بركات القائد الأعلى التي كانت ليست على هذه الدرجة من السرية، والتي كانت تعني كل أنواع المزايا الإضافية. القائد الأعلى وقد أثارت انتباهه الأعداد الملتفة حول أحمدي نجاد، والذي كان فعالا في منع انتصار آخر طويل المدى للإصلاحيين، تحول أخيرا القائد الأعلى إلى الرهان على احمدي نجاد من وسط مرشحي اليمين الآخرين. اتبع احمدي نجاد قالب موظف الخدمة العامة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية النمطي: "المداح" التقي. طبعا يحتاج المرء أن يكون مداحا في الحياة الواقعية حتى يتنقل المرء في مناصب بيروقراطية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكنه المرء يجب أن يكون قادرا على لعب دور ما أثناء العمل. أثناء فترة توليه منصب عمدة طهران عين أحمدي نجاد فعلا ستة مداحين حقيقيين من اثنين وعشرين رئيسا لأحياء العاصمة طهران الكبرى. ربما لا يكون احمدي نجاد مداحا حقيقيا ولكنه ظهر كممثل رديء يؤدي دور المداح. بابتسامته المصطنعة وجسده الهزيل تشبه بشكل محرج بالرئيس ريجان على شاشة التلفزيون. مع وضع نظراته في الاعتبار، من الصعب أن نقول أن الكاميرا تحبه، ولكن من المؤكد أنه تعلم كيف يحب الكاميرا.

استمر الحظ مبتسما لأحمد نجاد. بينما تجري الانتخابات، أخذت الأحجار تلقى في طريق حملات المنافسين وبرهنوا على أنهم منقسمون، وغير مستعدون وغير قادرون على البناء فوق الخراب الذي أدت إليه ثماني سنوات من قيادة خاتمي العاجزة. الآن وقد حقق نصرا ربما تخفت تلك الابتسامة. مثل كل زعيم غوغائي في السلطة عليه أن يحقق الوعود الكريمة التي قطعها على نفسه أثناء الحملة الانتخابية. صورة المحسن، الذي يعمل بلا كلل، سوف تتضاءل عندما يثبت النموذج المعطاء الذي مارسه أثناء عمله كعمدة لمدينة طهران أنه عامل تضخمي إذا ما مارسه على مقياس واسع. حتى لو استمر تدفق البترودولار الجديد (وهي إشارة أخرى من ملكة الحظ التي رافقته)، سوف يثبت أن مثل تلك التحديات كإنهاء البطالة هي تحديات مستحيلة أمامه. على الجبهة الثقافية، عليه أن يختار بين اختيارات كلها صعبة. في هذه الأيام يتبختر الباسيج في مشيتهم في ميادين العاصمة. إنهم يطالبون الناس بإظهار قدر أكبر من احترام الأخلاقيات العامة، أي حرفيا إجبارهم على ارتداء زي معين وخسارة الطبقة المتوسطة، أو استرضائهم على حساب غضب قواته الموالية من الباسيج.

ولكن الأمر ليس موحشا كله أمام الدكتور أحمدي نجاد، الذي يمثل الرأس المسنون لوتد المحافظين الجدد الذي ينمو الآن في إيران. يستطيع أن يبني حساباته على أقرانه الأمريكان من أجل دعمهم الغير محسوب. إنه شجب الرئيس بوش للانتخابات الإيرانية الذي دعم تضخم الأصوات المحافظة، وهزيمة كروبي وإرسال احمدي نجاد إلى الجولة الحاسمة. يستطيع المحافظين الجدد في أمريكا إلزام أقرانهم المحافظين الجدد في إيران بجميل عظيم آخر. يستطيع المحافظون الجدد في أمريكا على سبيل صنع الجميل أيضا استخدام "إرهابيوهم" قوات مجاهدي خلق المتمركزة في العراق (وجيران آخرين إلى الشمال موالين أيضا) أو الاستقرار على مقاطعة محدودة، أو غزو أو قصف محدود. في أعقاب مثل هذه التصرفات، سوف يسحق الإصلاحيون سحقا بوصفهم طابورا خامسا للغزاة الأجانب، ولن يتذكر أحد من المصطفين في طوابير الطعام الطويلة أن أناس بعينهم ليس من المفترض أن يأكلوا الموز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ