الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة الموسيقى الشرقية

حسين الرواني

2014 / 11 / 1
الادب والفن







كثيرا ما يردد المشتغلون بالموسيقى، نظريا أو عمليا، في العراق، وفي عموم البلدان العربية، مقولات تساق بنحو التفاخر بدعوى أنها ميزات وعلامات فارقة تتميز بها الموسيقى الشرقية، كتعدد السلالم والمقامات، لكن هل هذا التعدد ميزة حقا؟
وكثيرا ما يرددون أيضا، أن الموسيقى الشرقية ليست بمسيس حاجة إلى التوافق الصوتي "الهارموني"، بسبب غناها بالالحان، ولكن هل اللحن في الموسيقى الشرقية يستحق فعلا أن يرجح في كفة الميزان على الهارموني الغربي؟
والسؤال الأكثر مفاجأة، هل لدينا في الشرق، فن موسيقي بالمعنى الصحيح؟ سوى محاولات هنا وهناك، وجهود شخصية مهما عظمت، فإنها ستظل محفوظة بأسماء أصحابها، كمؤسسي مدرسة العود العراقية الثلاثة، الشريف محيي الدين حيدر، والأخوين بشير.
يستمر الدكتور فؤاد زكريا في نقده الصادم لكثير مما هو شائع في أدبيات الموسيقيين في الشرق، إذ يقول في كتابه "التعبير الموسيقي" في فصل "التعبير في الموسيقى الشرقية" مبحث "مشكلة الموسيقى الشرقية"، يقول "ليس لدينا في الشرق فن موسيقي بالمعني الصحيح.
هذا هو الحكم الذي يرمي هذا القسم من الكتاب إلى اثباته، وهو بلا شك حكم قاس، قد يرى فيه الكثيرون تجنيا على الفن الموسيقي في بلادنا الشرقية، غير أنني لن أذهب في إيضاح رأيي، مذهب أولئك الذين يكتفون بالعبارات الحماسية، ويهيبون بالعوامل الذوقية وحدها من أجل إثبات صواب آرائهم، فهؤلاء رغم أن حدسهم كثيرا ما يكون صادقا، وحماستهم أمينة مخلصة، يمكن الرد عليهم برأي مضاد يمثل وجهة النظر العكسية، وعندئذ يظل الخلاف سجالا بين الرأيين، دون الوصول الى حل حاسم له، طالما أن العوامل الذوقية وحدها هي التي تحكم في هذا الخلاف، لذا آثرت أن أقدم لرأيي هذا أسبابا وحججا عقلية خالصة، تقف بجانب العنصر الذوقي وتؤيده، ورأيت أن ألجأ إلى طريقة التحليل المنطقي الهادئ، حتى تظل مناقشة هذا الموضوع الهام منحصرة في المجال العلمي وحده.
وأود، قبل أن أنتقل الى المناقشة التفصيلية، أن أشير إلى مسألة مهمة، هي العلاقة بين الموسيقى الشرقية والغربية، ففي خلال التحليل التالي، يجد القارئ كثيرا من المقارنات بين الموسيقى في الشرق وفي الغرب، أو كما أفضل أن أسميها، بين موسيقانا المحلية والموسيقى الغربية، وقد يرى البعض أن هذه المقارنة غير مشروعة، ما دامت تقوم بين نظامين متباينين لكل منهما طبيعته ومقوماته وبيئته الخاصة، وأسارع منذ البداية فأنبه إلى أن مثل هذا الرأي في نظرنا، أبعد ما يكون عن الصواب، فالفارق بين الموسيقى الشرقية والغربية، ليس فارقا في النوع، وإنما فارق في الدرجة فحسب، أعني أن المقارنة بين نظامي الموسيقى ممكنة بوصفها مقارنة بين نظام قطع شوطا بعيدا في طريق التقدم، ونظام آخر لا يزال يسير في أولى مراحل الطريق، وكل ما يبدو من هوة شاسعة بينهما، إنما يرجع الى عمق تجربة الغربيين في هذا المضمار، واكتسابهم خبرات تحتاج الى جهود ووقت طويل لتحصيلها، أما إقحام موضوع القومية في هذا المجال، فهو دعوى باطلة، سوف نفندها خلال بحثنا في هذا القسم.
ولنبدأ بتناول الموضوع من أعم نواحيه، فمما لا شك فيه أن من علائم تقدم أي فن، أن يستطيع الوقوف على قدميه بمجهوده الخاص، وألا يكون في حاجة إلى فن آخر يكمل التعبير عن معانيه، وفي هذا رأينا الموسيقى الغربية قد استقلت عن الشعر والغناء منذ زمن بعيد، وتمكنت بعد تطور طويل، أن تؤدي رسالتها التعبيرية كاملة، دون حاجة إلى معونة أي فن آخر، وأصبح الشعر أو الرقص لا يضاف إلى الموسيقى من أجل ملء فراغ فيها، بل من أجل إيجاد جديد فيها من الفن الموسيقي الشعري، أو الفن الموسيقي الرقصي، فحسب.
فما هي الخطوات التي خطتها الموسيقى الشرقية في طريق الاستقلال؟ من الواضح أن هذه الموسيقى تقف عاجزة عن التعبير عن أي معنى أو أية عاطفة، فالموسيقى الشرقية لا تملك بذاتها أية قدرة تعبيرية، وإنما تكاد تجربتنا الموسيقية كلها تنحصر في الأغاني وحدها، فإذا بحثت عن موسيقى خالصة فلن تجد إلا محاولات بدائية قصيرة، لا تعبر عن شيء، وليس لها شأن يذكر بجانب الأغاني، ولا تؤثر على الجمهور أدنى تأثير، رغم سهولة فهمه لها، إذ أنها بدون كلمات الأغنية عاجزة تماما، بل لقد كنا، حتى الأمس القريب، نطلق على الموسيقى الخالصة، اسما ذا دلالة عميقة، هو اسم "الموسيقى الصامتة"، كأن الموسيقى بطبيعتها يجب أن تكون كلامية لتكون "ناطقة"، وكأن الموسيقى وحدها فن أخرس، وأصواتها المتعددة بأسرها "صامتة"، إن لم تصاحبها كلمات الأغنية !! ولا جدال في أن اعتماد الموسيقى على الأغنية وحدها هو أوضح مظاهر تأخر الموسيقى، إذ أن الأغنية بطبيعتها محدودة المجال، تكفي الكلمات فيها، في كثير من الأحيان، للتأثير على السامعين، مهما كانت سذاجة الموسيقى التي صيغت فيها، والحق أن لدينا من الأغنيات ما لا يشيع إلا بفضل إعجاب السامعين بألفاظها أو معانيها، في الوقت الذي تصل فيه أنغامها إلى أقصى درجات السذاجة والإملال.
فحين نتحدث إذن عن فن الموسيقى الشرقية، ينبغي أن نذكر دائما أن هذا الفن لم يصل بعد إلى درجة الاكتفاء الذاتي، وأنه ما زال فنا للأغاني، كما كان الحال في الموسيقى الغربية منذ ما يقرب من أربع مئة عام، فنحن نستعين بالألفاظ دائما في تذوق الموسيقى، وفي إضفاء معنى عليها، ما دامت موسيقانا الخالصة، إن وجدت خالصة، خالية من كل معنى، بل إن وحدة الموضوع بين الموسيقى والكلمات في الأغنية الواحدة تكاد تكون مفقودة، إذ أن تلحين الأغنية يصلح لأية أغنية أخرى إذا اتفقت معها في الوزن الشعري، ومن الممكن أن تحل موسيقى أغنية حزينة، محل موسيقى أغنية مرحة، دون الشعور بأي تنافر بين الكلمات والألحان.
وليس هنا مجال الحكم على العنصر الكلامي في الأغنية الشرقية، ما دام هدفنا هو بحث الموسيقى ذاتها، وحسبنا أن نشير هنا إلى ما يمكن أن يلاحظه أي ذهن مدقق على معاني هذه الأغنيات من رومانتيكية ساذجة، واهتمام مفرط بمشكلة الحب، يعبر عن التعقيدات الجنسية التي تعانيها أجيالنا الحالية في الشرق أوضح تعبير، بل يزيد هذه التعقيدات بالتنبيه إليها والإلحاح عليها، كل هذا في قالب يغلب عليه الحزن واليأس، ويعكس ما ظلت شعوبنا الشرقية تعانيه طويلا من حرمان، وما خدعت به من تزييف لأهداف الحياة، حتى أصبح محترفو الموسيقى عندنا، يتبارون في التأوه والتباكي، وتقاس مكانة كل منهم، تبعا لمقدار ما يستطيع استدراره من دموع.
فعالمنا الموسيقي إذن ينحصر في نطاق ضيق للغاية، هو نطاق الأغنية، وحتى في هذا النطاق الضيق، لا تؤدي الموسيقى وظيفتها الصحيحة على الإطلاق، ولنقف الان عند هذه الملاحظة العامة، لنبحث في عيوب التلحين في الموسيقى الشرقية، مفهومة بالمعنى الذي أوضحناه هنا، وسوف نسترشد في هذا التحليل، بالتقسيم الذي ذكرناه من قبل لعناصر اللغة الموسيقية، وهي اللحن، والإيقاع، والتوافق الصوتي، والقالب.
اللحن في الموسيقى الشرقية يتميز بطابع فريد ينبغي أن نحاول استخلاصه واضحا حتى يتيسر لنا إدراك نواحي النقص فيه إذا قورن باللحن في الموسيقى الغربية، ولنبدأ أولا بالكلام عن السلم في الموسيقى الشرقية، فكثير من المتحمسين لهذه الموسيقى، والمشتغلين بها عمليا أو نظريا، يرون أن للموسيقى الشرقية ميزة تفخر بها على الموسيقى الغربية، هي تعدد السلالم، بينما تقتصر الموسيقى الغربية على سلمين رئيسيين، هما الكبير والصغير، وفي رأينا، إن هذه المسألة ذاتها لا ينبغي أن تكون موضوع فخر على الإطلاق، ذلك لأن السلم الموسيقي لا يعدو أن يكون "الحروف" التي تصاغ بها كلمات اللغة الموسيقية وجملها، وتعدد هذه الحروف، لا يعني أن القطعة التي صيغت بها هي قطعة رائعة بالضرورة، فالعبرة دائما بالموسيقى التي تؤلف، لا بكثرة السلالم المستخدمة في تأليفها، وبعبارة أخرى، فالحكم على أي نظام موسيقي بأن له ميزة بفضل السلالم التي يصاغ بها، هو حكم باطل من أساسه، لأن السلالم ما هي إلا الحروف الأبجدية للحن، وأساس الحكم ينبغي دائما أن يكون هو اللحن ذاته، وما أشبه ذلك بالقول إن اللغة الصينية لا بد أن تنتج آدابا تفوق آداب كل اللغات الأخرى لأن فيها آلاف الحروف الأبجدية!
فالمبدأ العام الذي ينبغي أن نسترشد به في هذه المسألة هو أن الحروف الموسيقية، وكثرة السلالم، لا تعني بذاتها شيئا كبيرا ذا قيمة لوحده، وإنما العبرة دائما بالفكرة النهائية التي تستخدم هذه الحروف أدوات لنقلها، قلت هذه الحروف أو كثرت.
فتعدد السلالم الموسيقى الشرقية ليس إذن بالأمر الذي ينبغي التفاخر به، وإنما العبرة بالإفادة من السلالم الموجودة، مهما كانت قلتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع