الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التصدي للوجه الآخر للإرهاب

بدر الدين شنن

2014 / 11 / 1
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


بعد أن أطلق الوحش " داعش " من القواعد الإمبريالية والرجعية التكفيرية ، إلى المسرح الأوسع لحرب الإرهاب الدولي ، في محاولة لتجسيده دولة ، ولتمتد هذه الدولة شرقاً وغرباً ، ناشراً ذروة الفكر المتخلف المتعارض ، مع حرية وعقائد البلدان العربية ، ومع قيم الحضارة والتمدن ، ثبت بشكل راسخ ، أن حرب الإرهاب الدولي لها وجهان . فهي تستهدف الثروات والعمران والجغرافيا ، وتستهدف أيضاً ، العقل ، والفكر ، والقيم الموروثة ، والهوية ، لإحداث تدمير شامل ، يحقق إعادة رسم خريطة المنطقة ، والاستحواذ الدائم على النفوذ والثروات فيها .

ما يستدعي بالضرورة ، إضافة إلى القوة المسلحة في مواجهة الوحش ، التصدي لملء الفراغ السياسي والقيمي ، الذي أحدثه ، مع بداية تردي المشاريع التقدمية والقومية واليسارية ، المثقفون والسياسيون المأجورون ، في الفضاء العربي عامة ، والبلدان الموضوعة الآن على خرائط الحرب الإرهابية خاصة .
ومن أخطر عمليات التدمير الفكري والقيمي ، هي عمليات تدمير القيم الوطنية ، والثقافية ، والقومية ، التي شكلت عبر التاريخ ، سياج الأمان والدفاع والبقاء ، والتي بدونها تتساقط كل القيم الأخرى .. ويسقط الوطن .

لقد برهنت تجارب شعوبنا والشعوب الأخرى ، أن مفهوم القومية ، ليس بدعة طارئة ، أو نزعة أيديولوجية عابرة ، أو نهجاً سياسياً مرحلياً ، وإنما هو نتاج تطور سياسي اجتماعي تاريخي اقتصادي ، تجلى بمظاهر متعددة ، كان أبرزها ما قدمته البرجوازية الصاعدة ، الكامحة للسيطرة على السوق والسلطة في القرن الثامن عشر ، وما قدمه النظام الاشتراكي الأممي ، المنفتح على كل القوميات ، لتوحيد مسار عادل لكل المجتمع البشري . لكن كلا المظهرين لم ينفصلا عن الجذور التاريخية للأمة .. التي تعبر عن تنامي النضج الاجتماعي السياسي المتوارث ، الذي يرقى إلى مستوى إدراك ، أن الالتزام الثابت باستحقاقات ومسؤوليات الوجود الكياني ، هو من يحدد الكيان المجتمعي .. والوطني .. أو عدمه . وقد تزامن ، واندمج التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، مع تطور حق الوجود ، والتمسك به ، والدفاع عنه ، بشكل غريزي .. متطابق مع حق الحياة .. والدفاع عن الحياة .

ولهذا ، عندما نشاهد الآن ، في غمرة حرب الإرهاب الدولي ، على البلدان العربية ، وتداعياتها ، المتمثلة ، بالتشتت ، والضياع ، والهرب عبر الحدود ، للخلاص من أسوأ أشكال القتل والتدمير المتوحش ، والعمل ليكون هذا التشتت البيني محلياً وعربياً ، إلى خارج البلدان المسلطة عليها هذه الحرب ، حيث تكون النتيجة أسوأ ، يحضرنا أمران يرتبطان بما نحن عليه الآن :
= الأمر الأول ، هو الطفرة القومية التحررية ، التي ظهرت في أواسط الخمسينات والستينات في القرن الماضي . وكان من ثمارها الرائعة ، قيام الحدة السورية المصرية 1958 ، التي سميت بالجمهورية العربية المتحدة . ومن ثم وأد هذه الطفرة ، بتغييب الحراك الشعبي المنظم ومصادرة السياسة والديموقراطية ، من قبل القيمين عليها وخصومهم 1961 من طرف ، وبالهجوم العسكري الإسرائيلي الدولي الكاسح 1967 من طرف آخر .
= الأمر الثاني ، هو الهجمة السياسية الثقافية تحت غطاء " الليبرالية " التي بدأت بعيد عدوان حزيران 1967 ، على الطفرة القومية في الخمسينات والستينات ، حيث جرى تضخيم الأخطاء التي وقعت فيها ، وطمس إنجازاتها التحررية والاجتماعية ، لتسويغ إنكار الحاجة لأي نهوض قومي ، ولإنكار وجود الأمة ، والدعوة لاستدامة التجزئة والتذرر ، وربط المصير العربي بمختلف مستوياته ، بمفاهيم ومصالح الدول الاستعمارية ، التي اعتادت العدوان على بلداننا ، واستباحة دمائنا ، طوال المئة عام المضية وما قبلها .

وتوسعت هذه الهجمة لتشمل كل الثقافات والنظريات والمعتقدات ، التي تتعامل مع الاجتماع السياسي ، والتشكل الوطني المتماسك ، وفق معايير الرقي الحضاري ، وخاصة " النظرية الماركسية " التي تجيب على أسئلة الحاضر والمستقبل ، والمنطلقات الفكرية الداعية لبناء دولة الأمة ، والحفاظ على الوجود العربي الكريم . وذلك لتجريد المجتمعات العربية من أية خلفية تستند إليها لبناء مقومات وجودها ، ولصنع قدرات تمكنها من التصدي للمطامع والمخططات الأجنبية . وقد زادت هذه الهجمة ضراوة وضرراً ، مع انتشار العولمة ، والدعوة للاستجابة لمتطلباتها ، التي تلغي الهوية ، والحدود الوطنية والقومية .

وعيه ليس من الغرابة بشيء ، أن تكون .. أو تكاد .. كافة الأطراف المنغمسة في جحيم الحرب الإرهابية الدائرة منذ سنوات ، ليس لها خلفية أيديولوجية اجتماعية سياسية أو قومية إنسانية مطابقة ، أو عقيدية مستنيرة . فكانت النتيجة الفظيعة ، أن سيطرت على الجماعات المسلحة أفكار ونزعات ، شاذة ، متطرفة ، ومتوحشة . وسيطرت على أعداد غير قليلة من السكان حالات الرعب وخيارات الهرب والهجرة .
وهناك من يعمل الآن بقوة ولؤم ، وخاصة الإعلام السياسي المشارك بالحرب ، لاستمرار التشكيك بالانتماء الوطني والقومي ، للإبقاء على الخواء السياسي والأيديولوجي ، لتوفير مناخ النجاح لمشروع الإرهاب الدولي ن والاستسلام لمزاعم ، أننا شعوب ودول فاشلة . ما يعني بوضوح ، أن الحرب الفكرية والسياسية لا تقل شراسة وأذى عن الحرب العسكرية . وكانت كلتا الحربين دائماً متكاملتين بآليات مختلفة .

وقد برهنت سيرورة الأحداث المصيرية في الماضي والحاضر ، أنه حيث يكون هناك ، في اللحظة التاريخية الحرجة ، أيديولوجية مطابقة لحركة التاريخ ، تمثلها قوى سياسية واجتماعية واسعة ، أو هناك انتماء قومي صادق ، ووحدة وطنية تضم كل مكونات الشعب التاريخية والسياسية ، وبرنامج سياسي يحظى بإجماع أو غالبية تعبيرات المجتمع الحية ، في مواجهة حرب عدوانية ، لم تستطع قوى العدوان من قبل .. وقوى الإرهاب الآن .. أن تسيطر على البلد المستهدف بسرعة ، أو تتراجع أمام صمود وتضحيات الشعوب عن تنفيذ مخططاتها ، أو تلحق بها هزيمة محققة .

وأبرز الأمثلة في القرن الماضي ، هي الحروب التي خاضتها شعوب البلدان العربية ضد الغزاة المحتلين ، البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين والإسبان ، وانتزاع الحرية والاستقلال ، في المغرب العربي ، في تونس والجزائر والمغرب ، ومصر والسودان . وفي المشرق العربي في سوريا ولبنان والعراق واليمن . ولعل انتصار مصر على العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي 1956 ، هو الأكثر تعبيراً عن ترابط الوطني والقومي والفكري في حروب الحرية في تلك المرحلة .
وفي القرن الحالي تبرز أمثلة حية متعددة أيضاً . هي انتصار المقاومة في لبنان في طرد الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب عام 2000 ، وانتصارها على العدوان الإسرائيلي الكبير عام 2006 ، وانتصار المقاومة في غزة 2008 و2014 ، وصمود سوريا سنوات متوالية في حرب الإرهاب الدولي ، وبشكل مميز في الأيام الراهنة ، صمود عين العرب كوباني أسابيع متتالية ، وهي ما زالت تقاوم ببطولة ، الحصار والعدوان الداعشي عليها .

وعلى ما تقدم ، يمكن التعامل مع حرب الإرهاب الدولي ، وفق جدلية حيثياتها ، وتداعياتها ، واستحقاقاتها . وذلك بالانطلاق من قناعة رسختها المعطيات والوقائع . إن التدمير الإرهابي الدولي ، للتراث الروحي والثقافي والهوية الوطنية والقومية والتاريخ كفعل تقدم وحضارة ، هو تواصل ممنهج للتدمير الفكري والثقافي ، الذي بدأ قبل أربعين عاماً ، لنبلغ هذا المستوى من العجز والانحطاط ، ولنخسر حقنا في تقرير مصيرنا سياسياً وعسكرياً .. في زحمة الصراعات الدولية في الحاضر والمستقبل .

ولتجاوز ما نحن عليه من تذرر ، وعجز ، وانحطاط ، ولنقبض على مقومات النهوض ، ومواجهة تحديات حرب الإرهاب الدولي ، لا بد من العمل على إحياء ما هو إيجابي وثوري في التراث ، والتمسك بالهوية الوطنية والقومية ، وتصحيح ما ’شوه في مسار التاريخ ، وفق الحقائق الموضوعية ، التي هي وحدها تشكل العبرة فيما جرى .. والدليل الشفاف لما ينبغي أن يجري .

وحيث أن الوقائع المادية ، الوطنية والإقليمية والدولية ، ونتائجها الدموية والتدميرية المتوحشة ، قد برهنت على أن ما تتعرض له البلدان العربية الآن ، ليس حصرياً صراعاً داخلياً ، حول تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية نحو الأفضل ، إذ أن مثل هذه الصراعات ، من أجل الأرقى والأفضل ، لا تحتوي على مشاعر وآليات حقودة فتاكة ، تؤدي إلى تدمير الوطن وضياع كل شيء ، وإنما هو صراع دولي يعبر عن مخططات أجنبية ، لإعادة تقاسم الثروات والنفوذ والأسواق ، وتعديل موازين القوى الدولية ، وبخاصة ما يتعلق بالقطبية الدولية ، بآليات حرب إرهاب دولية ، تستهدف في مراحلها الأولى ، منابع الطاقة والجغرافيا السياسية .

وعلى ذلك :
= تعتبر هذه الحرب من قبل البلد المستهدف بالإرهاب الدولي .. هي حرب وطنية .
= ولأن هذه الحرب تطاول بلداناً عربية عدة في آن واحد ، هي موضوعياً .. حرب قومية .
= ولما كان الإرهاب الدولي المهاجم ، هو فعل استعماري عريق بأدوات جديدة ، معاد لحريات الشعوب وتقدمها ، ويستخدم آليات وأفكار مدمرة .و رجعية .. ومتوحشة .. هي حرب وطنية وقومية وتقدمية .

ما يعطي لمضمون التصدي المطلوب أبعاداً وطنية وقومية وتقدمية وديمقراطيو . ويستدعي كافة القوى السياسية الملتزمة بشفافية بقيم هذه العناوين ، القيام باستعادة اللحمة الوطنية والقومية والتقدمية ، لتشكيل جبهة فكرية سياسية مقاومة لأضاليل وأكاذيب الخطاب السي والإعلامي الإرهابي ، لتحرير البلاد من الإرهاب الدولي ، وإعادة بناء المؤسسات السياسية الوطنية ، وفق استحقاقات اللحظة الراهنة وآفاقها ، والولوج في عمليات النمو والتطور الاجتماعي الاقتصادي ، المبني على مصالح الوطن ومعايير العدالة الاجتماعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح