الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة النوع, وقبول الآخر: -عن التحديق إلى الذات الأوروبية- (1- 4)

علاء عبد الهادي

2014 / 11 / 2
الادب والفن


سلطة النوع, وقبول الآخر
"عن التحديق إلى الذات الأوروبية"
(1- 4)
د. علاء عبد الهادي*
يمكننا النظر إلى الأنواع الأدبية بوصفها مجموعة من التقاليد والتوقعات التي تساعد علي معرفة إن كان مانقرأه قصة‏,‏ أو رواية‏,‏ أو قصيدة‏,‏ أو ملحمة‏,‏ أو مسرحية‏..‏ الخ. فنحن في أثناء القراءة نضع افتراضات , ونبحث عن مفاتيح من أجل التفسير والتأويل, فكتابة قصيدة أو رواية يعني اشتباكات مع تقليد أدبي, أو علي أقل تقدير, مع فكرة ما حول القصيدة أو الرواية, وهو نشاط يغدو ممكنًا, بفضل مفهوم النوع, أما الخصوصية التي يبحث عنها كلّ مبدع, خلقًا لذاته الإبداعية, وإعلانًا لحسه الجمالي الخاص, فهي التي تتحري الحضور علي غير مثال يمتثلها, أو مقدار تُحتَذَي عليه, وبرغم هذه الخصوصية, يظل النوع إطارًا له درجة من درجات الثبات التي يمارس المبدع من خلالها نشاطه, مثل القاريء أيضًا, حيث تفترض فكرة التفاعل بين النص وقارئه, صيغًا للقراءة سالفة التصور, وذلك بسبب ما رسخته النصوص الإبداعية لكلّ نوع من قيم جمالية, وذلك عبر الاطراد في اطار قوانين النوع, وشكوله المفترضة.
هكذا تثير نظرية النوع الأدبي مسألتين أساسيتين, الأولي أنها تقبل خصوصية كلّ عمل أدبي, والثانية, أنها تؤسس, في الوقت ذاته, علاقة العمل الأدبي أو الفني الفردي, بنوعه الأدبي أو الفني الجامع, من هنا تعد نظرية النوع الأدبي مجالاً تتضح فيه خصوصية الأدب, ومفاهيمه, وهذا ماجعل للأدب سمات تجعلنا مطمئنين إلى أن نتائج محاولاتنا القرائية ستكون ذات قيمة في النهاية وتستحق جهد المحاولة.
ربما كان صحيحا مانذهب إليه من أن هناك علاقة ما تحتاج إلى الدرس, بين الشعريات المختلفة للنوع الأدبي أو الفني الواحد, ونقصد بالشعرية هنا؛ مجموع الطرائق التي تميز الاجناس الأدبية, ولاسيما الاجناس التي تسمح ببناء مؤلف سردي خيالي كالتراجيديا والملحمة, فإذا ما أردنا ان نضرب مثالاً لذلك بالشعر, وجدنا له آلاف التجليات الجمالية التي تتعدد بتعدد الثقافات, والأذواق, والبيئات, والأوطان, حيث يجد الناقد نفسه أمام هذا التعدد الهائل في المسافة الممتدة بين قطبين, الأول يؤمن بالنسبية الثقافية علي نحوٍ يحول السمات الجمالية لنوع أدبي ما, له خصوصيته المحلية إلى سمات بنيوية, الأمر الذي يوقعنا في الخلط بين الجمالي والبنائي, حينها يصبح العَروض مثلاً مكونًا بنائيًّا للنوع الشعري, برغم كونه مكونًا جماليًّا للشعر العربي فحسب, ولا يصح تأبيده, بعد أن نشأ من معاينة تقاليد جمالية, أبدعها محيط ثقافي وحضاري في بيئة ثقافية لها شروطها التاريخية, أما القطب الثاني, فيسعي عبر الدرس المقارن إلى الوصول إلى مشترك له ثبات نسبي بين الشعريات المختلفة للنوع الواحد, كي نصل إلى درجة من التجريد, نستطيع من خلاله, تفسير تجليات نوع ما, عبر البحث عن المشترك بين آلاف التجليات المتنوعة والمختلفة التي تقع تحت مظلة نوع ما, وهي تجليات تختلف باختلاف الجغرافيات الثقافية, والإثنولوجية, والعقدية, واللغوية, وتعددها. أي أننا يجب أن نبحث في الحقيقة عن نوع نووي, وليس على نواة نوع.
من هنا أذهب إلى أن آلاف التجليات المعبرة عن واقع واحد, يمكنها أن تتقاطع في سمات مشتركة تتسم بشكل من شكول الثبات النسبي, موازنة بغيرها, وإن ظلت كل شعرية منها قادرة علي الاحتفاظ باستقلالية ثقافية نسبية, لها خصائصها الجمالية, وفق بيئتها القومية المختلفة عن غيرها من البيئات, وهو مشترك يشكل مفهومًا نوويًّا ثابتًا -نسبيًّا- عن نوع ما, بصرف النظر عن النسبية الثقافية التي صدر تحت سننها تجلياتُه.
من هنا يكون سؤالنا مشروعًا عن نموذج لنوع نووي يؤسس الطريقة المنهجية لما هو مشترك ومتقاطع بين التجليات الإبداعية المتعددة في مختلف الجغرافيات السوسيو- ثقافية لأي نوع, وهو مشترك لا نلاحظه غالبا-;- إما بسبب وضوحه الشديد, واهتمامنا بأسئلة نراها أكثر عمقًا ورصانة! أو بسبب غياب منهج ملائم في دراسات النوع, وهذا تناول يرتبط مباشرة بما يسمي حقل الشعريات المقارنة, حيث يسمح تحديد المشتركات البنائية لتجليات نوع أدبي أو فني ما علي المستوي الكلي بالفصل بين مايبدو جماليًّا عن ما يبدو بنائيًّا.
على المستوي التاريخي, استمر من نسميه الآخر الأوروبي أو الغربي بعامة في التحديق إلى ذاته الإبداعية, فقصر تنظيره في مسألة النوع علي تجلياته الأدبية دون غيرها من تجليات عرفتها شعوب أخري بعد أن فرضها بصفته مركزًا قويًّا للإنتاج والاستهلاك الثقافيين, هكذا نشأت مسألة النوع الأدبي الحديث, وتطورت بناء علي مركزية غربية في أساسها, كانت لها نظرياتها الخاصة -ولا أريد أن أقول الاستعلائيةـ علي الفنون والآداب الثقافية الأخري, ومنها آدابنا وفنوننا, بل إننا لانعدو الحق إذا قلنا إن معظم اهتمام الثقافات الغربية الحديثة بفنوننا وآدابنا القديمة بخاصة, التي لاتنتمي إلى السمات الجمالية للأنواع الغربية المعروفة, انصب علي الجانب الوصفي, الذي كان يعالجها علي نحو غَرَبِيّ أو عَجَبِي.
ونذهب هنا إلى أن وجود سمات مشتركة بين آداب الأمم جميعًا رأي صحيح تثبته الدراسة والتجربة, برغم اختلافاتها الثقافية, وهي مشتركات تسمح بالحوار, وترحب بالتواصل بين الثقافات, هذه المشتركات هي ماتسمح بالتداول الإبداعي بين الشعوب, برغم الاختلافات, وليس من شك في أن ماتعرضت له آدابنا العربية طويلا, وشكول الأدب العربي الشعبية بخاصة, من نفي وجهته إليها نظرية النوع الأدبي الكلاسيّة, كانت ترجع إلى هذه الإطلاقية الثقافية الغربية في نظرتها إلى الأنواع من خلال نتاجها الثقافي المحلي المحدود بالضرورة, ذلك بعد أن تعاملت مع مكونات أعمالهم الإبداعية بصفتها مكوناتٍ بنائية, لايصح أن ينتمي اليها ما يخالفها, حتى إن صدرت من بيئة ثقافية مختلفة, هكذا ظل الغربُ الثقافيّ منشغلاً بالتحديق إلى ذواته الإبداعية, ثم شجعوا الآخرين علي التحديق معه إليها من مواقع أقدامه أنفسها, وهذا ما أنتج علي مستوي الأدب العربي بخاصة, خطابات تنفي وجود المسرح, والملحمة, والرواية, وغيرها عن فنوننا وآدابنا, وكان هذا النفي أقرب إلى الصراحة منه إلى التلميح, ذلك برغم توافر نظائر أدبية وفنية عربية تنتمي إلى هذه الأنواع لكنها تتسم بخصوصيتنا الثقافية التاريخية.
أما الفريق الآخر الذي اجتهد في الدفاع عن وجودها في تراثنا الأدبي والفني العربي فقد أطلق عليها صفات نوعية تفتقد الحسم فسماها بذورًا, و مظاهر, وبدايات, تسعي بالطبع إلى الوصول إلى كمال النوع الأوروبي, وذلك برغم كونها نظائر أدبية وفنية دون منازع, لها خصوصيتها الثقافية المختلفة عن الأنواع الأوروبية, لايحط من قدرها شيءٌ سوى فهمنا الخاطيء عن النوع, هذا بسبب نظرتنا إلى آدابنا من منظور الأنواع الغربية, دون الانتباه إلى المشترك البنائي بيننا, الذي قد يجمع خصوصيتنا الثقافية بمن يسمينا أو نسميه آخر, وليس من شك في أن لكل نوع أدبي أو فني قوانينه, وهي قوانين وأعراف نشأت بناء علي معاينة واقع موضوعي, تاريخي ونسبي, من أجل هذا تأتي أهمية وعينا بهذه القوانين, ذلك لأن معرفة القانون تمنحنا فرصة تحديد تاريخيته, ومقاومة آثاره, وهي إمكانية كامنة لاتتحقق إذا ظل القانون مجهولاً, يعمل ضمن آلية لا واعية, فكشف القانون يسمح بتعيين تاريخيته, ومن ثم بالسيطرة عليه.

* شاعر ومفكر مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟