الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هلوساتٌ في حوض ماءٍ ساخن

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 11 / 4
الادب والفن


نعم قررت أن أكتب لكِ اليوم من داخل هذا الحوض..بل لأقل أن ما سأقوم به هو بثٌ مباشر لكل ما سأشعر به و لكل ما اقترفته في الأيام القليلة الماضية و ظننت أني تمكنت من إخفائه بذكاءٍ بين ثنايا النسيان..سأكتب ما سيخطر ببالي و لن أكترث كثيراً أو قليلاً لتماسك أفكاري..فهنا -في هذا الحوض- حيث تداعب جسدي قطرات الماء الساخن ستبدأ هلوساتي و لن تنتهي.

و لكن أتعلمين لعل سبب ازدياد هوسي بكِ كفكرة -أكثر منكِ كشخص- هو أنك تركتني مُعلقةً بين السماء و الأرض أمتطي تحتي كلمة "لماذا؟؟" و التي تجمح بي دوماً فتفقدني اتزاني فأسقط دون الوصول إلى القاع لأننا دائماً نستيقظ قبل الوصول إليه..و ثقِ بي في علاقتنا الإنسانية لا تُعتبر "لماذا؟؟" الرفيق المثالي لنا ليؤنس وحدتنا..هكذا ستجدين أن عملية الفصل بينكِ و بين "لماذا؟؟" باتت تشبه عملية الفصل بين التوائم السيامية قد تحتاج ساعاتٍ طويلة للقيام بها فقط لنكتشف في نهاية الأمر أننا لم نتمكن "حقيقةً" من فصلهما عن بعضهما البعض.

أكاد أجن و أنا أبحث عن إجابات..أية إجابات..فقط ليخرس ذلك الصوت الذي يهمس في أُذنيَّ بإصرارٍ غريب بأن الأمر برُمته كان حلماً تعاطيته كما أتعاطى أدوية اكتئابي المقيم بشكلٍ مزمن في ثنايا روحي و الغير راغب في منح مكان إقامته لأمراضٍ نفسية أخرى أقل وطأةٍ منه..لا لو سمحتِ لن أعتبر أن جنون الارتياب و الأكروفوبيا ينافسان الاكتئاب في قياس مدى التدهور النفسي رغم أننا كنا نختلف دوماً حول هذه النقطة..أتعلمين يبدو أني بحاجةٍ إلى أرض أو بمعنى آخر إلى شخصٍ يعيد إليَّ حالة شبه الاتزان التي كنت أتصف بها..حسناً لم أتصف بها يوماً و لكن لا بأس من الكذب قليلاً و الادعاء بأني يوماً ما كنت أتصف بها.

هل كان حلماً؟؟..هل لم تتواجدي قط إلا في مخيلتي؟؟..لا أملك أي أمرٍ يثبت لي تواجدكِ المادي حقيقةً لا وهماً إلا بضعة صور أحرص على مشاهدتها بين وقتٍ و آخر فقط لأقنع نفسي أنكِ كما غيرك لم تكوني جزءاً من هلوساتي المستمرة التدفق..أفكر أحياناً أن أعرض تلك الصور على أي شخصٍ آخر سواي ليخبرني ماذا يرى فيها؟؟..هل يراكِ أم أني أنا فقط من يراكِ و لكني لا أمتلك ذلك القدر من الشجاعة التي قد تودي بآخر ما أملكه من تماسكٍ نفسي.

قبل فترة قرأت في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تحويراً شديد السوقية كتبه أحدهم فخوراً لمقطعٍ من قصيدة أمل دُنقل "لا تصالح"..كان التحوير لمقطع "هل ترى..هي أشياءٌ لا تُشترى"..عندما قرأت التحوير السوقي غضبتُ كثيراً و حزنت أكثر و لكن ما كاد يقتلني غضباً كما حزناً هو أن حول صاحب ذلك التحوير كان هناك جمعٌ من المستمتعين بهذه السوقية..شعرت حينها أن كل ما حولي و أحبه يُسلب مني علانية و بأني لم أعد أملك حتى الطاقة النفسية الكافية لمواجهة عمليات السلب العلنية تلك..و المثير للجنون أنك عندما تبدين تبرماً تجاه هذا الأمر أو سواه يخبرك الآخرون بأنك قد فقدتِ روح الدعابة!!.

نعم حاولت مرتين أن أقاوم عملية السلب تلك و في كلتيهما فشلت بطريقةٍ مثيرةٍ للشفقة..لم أكن أبحث حينها -و من خلال محاولاتي تلك- عن الحب و لكن عن قليلٍ من الاتزان النفسي المفقود و لكن رغم انخفاض سقف مطالبي فشلت..و لعل فشلي في المرة الثانية كان أخف وطأة على الروح من الأولى لأني سارعت نحوه مهرولةً قبل أن يسارع هو إليَّ..لا أعلم لم شعرت بالخوف!!..لعل السبب هو وجود ذلك اليقين اللعين بأني لن أستطيع أن أكون على حقيقتي كما على طبيعتي دون أن أقوم بإفساد الأمر برُمته..نعم فعلاقاتنا تفسد كثيراً عندما نقرر أن نكون نحن و لكنها تستمر بمعجزةٍ ما عندما نقرر أن نكون ما يُراد لنا أن نكونه!!.

قبل عدة أشهر أخبرني شخصٌ ما على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أنه يتعاطى الحشيش أحياناً ليحصل على لذةٍ روحية ما..و لكني و دون أية أسبابٍ مفهومة هاجمته بقسوة و بمبرراتٍ لذلك الهجوم أشد قسوة فقط لأشعر أن جميع من هم حولي -و لو في العالمٍ الافتراضي- يتمرغون في وحل اللذة الذي أفتقد الانغماس فيه كما أفتقدكِ..و لهذا و لأنه نجح فيما فشلت فيه نصبت له مشنقتي الأخلاقية كما النفسية..و لكن -بعيداً عن إحالتي لحياة من هم حولي إلى جحيمٍ مقيم- ألا نسعى دوماً للحصول على لذتنا الخاصة كُلاً على طريقته؟؟..أليس غوصي الآن في حوضٍ من الماء الساخن هو الآخر نوعٌ من أنواع أقراص الحشيش المخدرة التي أرغب في الحصول من خلالها على قليلٍ من اللذة؟؟.

قرأت مرة أن سارتر وصف الجحيم بأنه الآخرون..قد يكون ذلك صحيحاً و لكنه جحيم أعتبره كمدخلٍ رئيسي تجاه صالة كبار الزوار و التي هي حقيقةً ستكون الجحيم الحقيقي..فلعلنا حقيقةً نحن هو الجحيم لا الآخرون..أليس الآخرون نحن؟؟..ألا نستمتع كثيراً بتمزيق الآخرين بينما نسكن نحن بيوتاً أوهن من بيوت العنكبوت؟؟..تباً لقد عدت لهلوستي و منطقي الثعباني الذي يلتهم بعضه بعضاً.

هل أخبرتك يوماً أني أخشى الماء؟؟..بالطبع لا أخشى الاستحمام به و لكني أخشى فكرة الغرق كثيراً..أخشى فكرة البحث باستماتةٍ عن الهواء فلا أجده..لعلي أخشى فكرة الفقد و لهذا السبب أجد أن الهواء كما الحب كما الجنس أمورٌ لا يمكنك السيطرة على فكرة امتلاكها بديمومةٍ أنت تقرر وجودها من عدمه و كم يثير جنوني ذلك الأمر..و لكني و بالرغم من خوفي العتيد ذك أصبحت أحاول كثيراً الغوص في حوضٍ من الماء الساخن لأنسى كل شيء بلذةٍ جنسية ذاتية الخلق..فهكذا سأرى الصور تتساقط من ذاكرتي فأنسى "لماذا؟؟" اللعينة و عبثهم بقصيدة "لا تصالح" و ربما لو تماديت قليلاً في عبثي بداخله قد أتمكن من نسيان مقولة "الجحيم هو الآخرون" و التي باتت واقعاً لا أستطيع الفرار منه مهما ازدادت سخونة الماء الذي يحيط بي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة أسطورة الموسيقى والحائز على الأوسكار مرتين ريتشارد شيرم


.. نحتاج نهضة في التعليم تشارك فيها وزارات التعليم والثقافة وال




.. -الصحة لا تعدي ولكن المرض معدي-..كيف يرى الكاتب محمد سلماوي


.. كلمة أخيرة - في عيد ميلاده.. حوار مع الكاتب محمد سلماوي حول




.. لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلي