الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة النوع, وقبول الآخر -عن التحديق إلى الذات الأوروبية- (3- 4)

علاء عبد الهادي

2014 / 11 / 4
الادب والفن


سلطة النوع, وقبول الآخر
"عن التحديق إلى الذات الأوروبية"
(3- 4)
د. علاء عبد الهادي*

قامت أوروبا بعد ثورتها الصناعية‏,‏ بغزو العالم‏,‏ فاستعمرت دولاً عديدة من قارتي إفريقيا وآسيا‏,‏ ومنها مواطن حضارات قديمة‏,‏ فضلا عن أمريكا وأستراليا‏,‏ بحثا عن مناطق نفوذ من جهة‏,‏ وعن ثروات‏,‏ وأسواق جديدة ـ بسبب ازدياد تراكم إنتاجها الصناعي ـ من جهة أخري‏.‏
وكان من شواهد هذا الغزو, ما نهبه الأوروبيون من هذه المستعمرات, وهو شاهد فاضح علي أكبر عملية سرقة في التاريخ البشري, ففي مرحلة الرأسمالية التجارية, المرحلة الميركانتيلية , بين نهاية القرن الخامس عشر, وبداية القرن الثامن عشر, وبعد اكتمال حركة الكشوف الجغرافية, وظهور الدول القومية, استمر نقل كميات الذهب والفضة, وسرقتها من إفريقيا, وأمريكا اللاتينية, وآسيا, إلى القارة الأوروبية, تلك الكميات التي أسس عليها نظام قاعدة الذهب بعد ذلك, فمن الثابت أنه خلال الفترة الممتدة ما بين(1500 ـ1800) م, كان رصيد دول القارة الأوروبية من الذهب يقدر بحوالي(10 ـ4) مليار مارك ذهبي, وهذا يعني أن ما يمثل نسبة60% من رصيد هذه الدول, قد نهب من المستعمرات الجديدة, كما يذهب إلى ذلك- مقتبسًا- الاقتصادي المصري رمزي زكي في كتابه التاريخ النقدي للتخلف .
وقد استخدم الأوروبيون في ذلك جميع الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافهم, وكان نموذجهم عن الإنسان هو نموذج الإنسان القادر علي الإنجاز, والفعل, حتي لو أدي ذلك إلى استخدام أبشع أشكال القوة, والقهر, وكان نشر الثقافة الأوروبية, بما تحمله من قضايا, وعادات, وتقاليد, وممارسات, وسيلة من وسائل دعم هذا الاستعمار, فاندثرت ثقافات, وطمست خصوصيات, وأبيدت شعوب.
هذه المقدمة لا أراها بعيدة عن القضية التي نتناولها هنا, المرتبطة بنظريات الأنواع الأدبية السائدة, تلك النظريات التي قامت علي التحديق إلى الذات الإبداعية الأوروبية التي شهدت انتشارًا, وذيوعًا بصفتها أنواعًا رفيعة, تسعي بقية الأنواع غير الأوروبية إلى تقليدها, والالتزام بأصولها, وبجمالياتها, فعلي مدي ثلاثمائة وخمسين سنة حاولت أوروبا الغربية استيعاب الآخر ثقافيًّا, من خلال السعي إلى إزالة الآخرية عنه, وقد نجحت في ذلك إلى حدٍّ بعيد, حين نشرت أسلوب حياتها, وطرائق معيشتها, ومفهوماتها, وقيمها, وسمات أنواعها الأدبية والفنية, في مختلف أرجاء العالم, وفي البلاد التي استعمرتها بخاصة.
ربما يرجع هذا النجاح, ضمن أسباب أخري, إلى سمة محددة للثقافة الأوروبية, التي اتصفت علي مدي زمني طويل بأنها سمة للإنسان من حيث هو إنسان, ومن ثم فإن ازدهارها صار برهان تفوق الأوروبيين الطبيعي علي غيرهم من شعوب العالم كما يذهب إلى ذلك الناقد الفرنسي, البلغاري الأصل تزفيتان تودوروف (1939) فلم يكن الأوروبيون يخشون من أي أخطار علي هوياتهم آنذاك, ذلك لأن نشر ثقافتهم علي نطاق عالمي, ينطوي علي الدفاع عن هويتهم الحضارية, إزاء الخارجين البرابرة, وهو الرأي الذي يؤكده الناقد الثقافي الإنجليزي تيري إيجلتون (1943). هكذا ظهرت الثقافة الأوروبية الحديثة_ علي مدي حقبة زمنية طويلة- بصفتها التبرير الأيديولوجي للتوسع الاقتصادي الأوروبي, ذلك علي أساس أن أوروبا هي المركز العالمي الحديث, أما بقية حضارات العالم وثقافاته, فحضارات وثقافات غابرة. بل إن ما سمي في كثير من الأحيان بالسياسة الدولية, توقف إلى حدٍّ كبير علي مسألة تأويل الحديث هذه, ورد الفعل تجاهها, وهما الجانبان اللذان وضعا بصفتهما معياري التحضر! وذلك إبان الربع الأخير من القرن التاسع عشر, وأوائل القرن العشرين, وكما يذهب إلى ذلك عدد من المفكرين الغربيين, ممن يرون استمرار هذه النزعة التي تسعي إلى احتواء المجتمعات غير الأوروبية-;- الأفريقية, والآسيوية بخاصة, في مجتمع دولي, أوروبي السمات
وأظنني لا أعدو الحق إذا قلت إن مشكلات نظرية النوع من مفهوم حقل الشعريات المقارنة, قامت علي نزعة الاحتواء الأوروبية ذاتها, ذلك بسبب هذه المركزية الثقافية التي نجحت في فرض شروط تجلياتها الإبداعية, وخصائص أنواعها الأدبية والفنية, علي الثقافات الأخري وفي الأحوال كلها, يمكننا النظر إلى النوع الأدبي بصفته إطارًا نظريًّا يتعامل مع السبل التي يمكن من خلالها أن نصنّف عملاً ما, وننسبه إلى طبقة من الأعمال المرتبطة به. ويقع علي عاتق نظرية النوع الأدبي مهمة إقامة هذا التصنيف, والحكم عليه بمجرد إنشائه.
علي المستوي اللغوي, تفيد كلمة النوع في أصلها العربي, معني التذبذب والتقلب, وتطلق علي الصنف من كل شيء, أما المصطلح الإنجليزي فمزعج-;- ويذهب المنظر الأمريكي, التشيكي الأصل رينيه ويلك (1995-1903) إلى أن اصطلاح نوع Genre كلمة لم تؤسس نفسها في اللغة الإنجليزية بمعناها الأدبي إلا في حقبة متأخرة, وقد عالج وجهة النظر هذه المنظر المجري بيتشي تاماش الذي يري أن هناك من يستخدم مصطلح نوع Genre للإشارة إلى ثالوث-;- الشعر الغنائي, والأدب الملحمي, والدراما, في حين يفضل آخرون مصطلح جنس Species, أو شكل Form , أو نمط Type , , ومازال عدد من النقاد يستخدم حتي الآن مصطلح طبقة Class ...
وتجدر بي الإشارة إلى ثلاثة تيارات أساسية تتجه إليها معظم التناولات الخاصة بالنوع الأدبي أو الفني, يذهب الأول إلى الالتزام بالنسبية الثقافية, واحترام خصوصية كل عمل أدبي بناء علي بيئته المحلية, الأمر الذي يدفع هذه الخصوصية إلى إطلاقية مخلة, وغير عملية, أو علمية, ويميل التيار الثاني إلى رفض فكرة النوع من أساسها, منتقصا من أهمية وجوده, مؤمنا بأنه لم يتبق الآن سوي الكتابة, وهي رؤية علي الرغم من وجاهتها, فإنها تتجاهل صعوبة الهروب من التقسيم اليسير السائد مثلا بين الشعر, والنثر غير الشعري, أو بين المسرحية, والشعر...إلخ. وكما يؤكد المنظر الفرنسي جيرار جينيه (1930) قائلا: إن تداخل الأنواع, أو الانتقاص من قدرها, يمثل في حد ذاته تيارا يقع في نظرية الأنواع نفسها, فلا أحد يمكنه أن يهرب من هذا التركيب البسيط, أما التيار الثالث, فيؤمن بأهمية بقاء قواعد صارمة لكل نوع, الأمر الذي يؤدي أحيانا إلى التعامل مع النوع الأدبي, وقوانينه المتحولة, بصفته مناظرا للنوع البيولوجي, وقوانينه الأكثر ثباتا, فيتحول بذلك أصل النوع, من خلال تجلياته التاريخية, إلى النوع ذاته, وشواهد امتثال نظرية النظام الأدبي في كثير من قوانينها لنظرية النظام الطبيعي, أكثر من أن تحصي في هذا السياق, حيث أظهر كثير من الكتابات النظرية التقليدية النوع بصفته شيئًا سابقًَا علي نصوصه أنفسها.
حدث الشيء ذاته, ولكن علي نحو عكسي, في المفهومات المرتبطة بالشعر العربي وبتعريفه في ثقافتنا. يظهر هذا جليا فيما يطرحه نقاد وشعراء تقليديون من مفهومات عن الشعر, تستديم سماته التاريخية, في أقدم تجلياتها, دون الانتباه إلى ذاك الخفق الشعري الجديد الممتد علي جسد العالم, فتعامل هؤلاء مع الخصائص التاريخية القديمة لهذه الأصول بصفتها خصائص شعرية بنيوية, لا يقوم الشعر إلا بها, برغم أنها لا تزيد علي كونها خصائص جمالية لها شروط إنتاجها, وتلقيها, وهي شروط تاريخية محصورة بحدود بيئة ثقافية, كانت لها سماتها الحضارية الخاصة, وسياقاتها اللغوية التاريخية, وجغرافيتها التخيلية المختلفة, تركت لنا تراثا عظيما دون شك, يجب علينا إحياؤه بالإضافة إليه, أو مجاوزته.
* شاعر ومفكر مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟