الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعطوهم كي لاتبتلون

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2014 / 11 / 4
كتابات ساخرة


قصّة الكرفانات السائدة في المشهد العام ذكرتني بـ (مكسوره) كنت بطلها مع أحد رفاق السلاح حصلت أيام الجيش , في الساعة 300 أتتنا الأوامر بالتحرك من الرميله الجنوبي الى الصويرة , لم نتوقف خلال رحلتنا الا مرتّين , مرة أفطرنا في ساحة سعد والثانية توقفنا قرب العزير حيث تجمع حولنا أطفال بدشاديش يحملون كتبهم أخبرونا أنهم متوجهون للمدرسة في عمق الهور وأعطيناهم (صمّون وحلقوم وجكليت) , عبرنا العمارة قبل أنتصاف النهار , مرافقي كان أبو حسن (هادي الكوتاوي) واجبه حماية (السيارة طبعاً كونها آخر موديل نوع أورال عملاقة موديل 88) يعمل أثناء الأجازة سائق (رف) داخل مدينة الكوت , كنا نشعر بالأرهاق بسبب السهر والسفر ولذلك نسير ببطيء شديد , أنتبهت أثناء القيادة الى مشهد مريب حين صرنا قبالة علي الشرقي متجهين الى علي الغربي, وهو أن الشارع أمامنا كان خالياً تماماً من السيارات , أستعنت بزميلي هادي وكان مابين اليقظة والحلم وسألته بصوت عال :
- أبو حسن أشو الشارع يصوصي أخاف تيهنا وطبينا غير طريق !
نظر أبو حسن بعين أبو المنطقة الخبير بأمور الزور والتبليط وأجاب بثقة :
- لا أبو علي هذا طريق عماره كوت نفسه , بس صدكَ ليش ماكو سيارات بيه !
قلقنا فصمتنا حتى فرحنا برؤية أحد البشر يبيع السجائر والبيبسي على قارعة الطريق فقررنا التوقف على الرصيف للأستفسار وشراء أي شيء .
بمجرد نزولنا حصلت مفاجأة أذهلتنا نحن الأثنين , حين ظهرت موجة عملاقة من السيارات تقدر بمئتين وربما أكثر بكثير , كان المشهد بعد أن توقفنا يشبه أزدحام بوابة بغداد مع بدء الدوام هذه الأيام , الغريب أن سائقي السيارات العابرة كانوا يشتموننا دون سبب , كل سائق منهم يخرج رأسه و يكيل السباب ونحن فاغرون مسبهلون :
- أنعل هيج من هيج ألكم ... !
أمرأة متوسطة العمر أخرجت رأسها من زجاج السيارة (نوع كوستر) ثم وجهت خطاب مقتضب :
- ولكم سرسرية ليش سادّين الشارع و السيارات محصورة من وراكم صار ساعتين
أكمل خطابها رجل عجوز بعقال ونظارات ولكن من آخر نافذة في نفس السيارة الكوستر :
- ماعليكم عتب لأن الله مطيّح حظكم دنيا وآخره , هتليه أبو خليل !
تلقينا حينها من الشتائم مالم يتلقاه أصحاب المولدات و السياسيين , فأنزوينا على وجه السرعة خلف (الكشك) حتى أنفض الزحام وعاد السير الطبيعي للطريق وعاتبت صاحبي مؤنبا:
على بختك أبو حسن , ليش ماذكّرتني بالكرفان , تدري نسيته بسبب التعب وتدري الدرب يهد الحيل ويشل التفكير , هذا كرفان أبو العرضين يسد أكبر طريق , المفروض كل شويه ننزل على صفحه وننطي مجال لسيارات المواطنين , كلها صوچ ذاك الكلب (أسميّر) حنبطنا بيه ..
سمير كان رئيس عرفاء الوحدة , طفيلي متملق من الدرجة الأولى وأراد أن يعمل للآمر (حلاوه بجدر مزروف) فأخبره بأن سيارتنا الـ(أورال) لوحدها فقط بأمكانها أن تسحب الكرفان وتوصله الى الصويره حيث المقر الجديد .
لم يتكلم صاحبي وبقي مطأطيء الرأس فأردت أن أقوي معنوياته التي نزلت الى الحضيض فقلت له متزلفاً :
- ولايهمك أبو حسن , أصلاً المسبّات والشتايم تقلل الذنوب , أنت هسه صرت كما ولدتك أمك , تم تصفير ذنوبك وكل سوالفك المكسره , وآني همينه مثلك ماعدنا كل ذنوب , أنت بالحرس مو جندي عادي ولازم تكون بطل مايهزك ريح !
الغاية من تلك الحكاية التي حصلت في العقد التاسع من القرن الماضي هي لأبراء الذمة أتوسلها من كل الشاتمين معها تنويه يذكر كلما ظهر ( في الجو غيم) , أخترتها من جنس الموضوع للتمييز بين سد الطريق اللامقصود و بين السد المقصود المتفق عليه , الأول يتلقى فاعله شتائم يمكن أن تمحي ذنوبه أما الثاني فلاتمحى ذنوبه بل تتكاثر لاجنسياً عن طريق الأخبار المتأتية من صوامع اللامبالين اللصوص , تجعل معدلات الشتم تتناسب طردياً مع مستوى المطر و عكسياً من درجات الحرارة مع طلائع جويريد , صحيح أن نقل الكرفانات صعب واسألوني ولاتسألوا حكيم , لكنه صعب فقط عندنا نحن المستفلسين من جماعة أبي خليل , فهو عند المؤتمنين على المليارات أمر يسير , أما تصنيعها فهو أمر أيسر يوفّر الكثير ويعجل بأنقاذ الموقف قيد التهديد , صاحب الحاجة أعمى والحاجات مراتب ولكل مرتبة حوبة أعطوها كي لاتبتلون , مختصر مفيد : نطالب بأنقاذ الأنسان العراقي خصوصاً النازحين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان