الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة في زمن الرعب والهذيان

محمد جمول

2005 / 8 / 27
كتابات ساخرة


ابني الصغير الذي لم يكمل عامه الخامس,يسألني مرعوبا وهو يشاهد على شاشة التلفاز صورة ذلك الطفل العراقي الذي فقد ذراعيه بصاروخ أمريكي فائق الذكاء .
تلاحقت أسئلته بشكل أربكني : كيف؟ لماذا؟ ومن؟.... وقفت حائرا كيف أشرح له خصوصية الديموقراطية والحرية حيث تأتيان محمولتين على ظهر دبابة أو تحت جناحي طائرة. هذه أمور لن يفهمها بالطبع .وابني الذي يحب وجبات الكنتاكي والماكدونالدز, كيف يمكن أن يصدق أن هؤولاء الذين يصنعون له ولكثير من أطفال العالم مثل هذه الوجبات الشهية يمكن أن يقطعوا يدي طفل مثل علي عباس (هكذا أتذكر اسمه). وبشيئ من الألم واللهفة سألني: كيف سيأكل؟؟, قلت: سيلأخذونه إلى أمريكا , وهناك سيصنعون له يدين بدلا من يديه المقطوعتين. بدا جوابي غير مقنع لإبني الذي أخذ يحرك أصابعه وكأنه يتناول وجبة كنتاكي. رفع رأسه ونظر إلي باستياء وكأنه يحملني شيئا من المسؤولية ما دمت لا أعطيه الإجابات التي تقنعه.و فجأة قال محتجا:(بعمره لن يصبح لاعب كرة قدم ).
قلت بصوت منخفض: "قد يصبح شيئا اخر" , رد:"ولا حتى أي شيئ."
استاء الصغير مع امتداد صمتي وتزايد أسئلته ,ظن اني أتجاهله وأن المشهد الذي صدمه لا يهمني .
كنت مشغولا بالإجابة على أسئلة من نوع اخر:ماذا أفعل كي اصمئن الاخرين اني لست ضد الحرية ولا الديموقراطية؟ و ما السبيل إلى التأكيد أنني ممن يكفرون ويسفهون كل من يؤمن بنظرية المؤامرة؟ وأني أنكر وجودها قديما وحديثا منذ لؤلؤة الفارسي مرورا برسل القرن العشرينالذين لا يجوز لي ولغيري أن يشيروا تلميحا أو تصريحا إلى قلة نزاهتهم.معتوه من يتعرض لقداسة بلفور أو سايكس بيكو الذين ما تزال أجيال تنعم بنتائج ما قدموه من خمائر الحروب التي تكفي لقرون وقرون. وهل يستطيع عاقل التشكيك بالدوافع النبيلة للحرب على الإرهاب, وما يمكن أن تحمله من خيرات لا تعد ولا تحصى للشعوب التي سيعاد بناء بلدانها بعد تدميرها بالكامل , والأطفال الذين سينعمون بأيد جديدة وهم الذين كانو حتى الان محرومين حتى من قطعة لباس جديدة .
انتبهت فجأة إلى توقف سيل الأسئلة .كان نائما و يداه على صدره كأنه يقول : لا اريد استبدالهما .
عدت إلى همومي والبحث عن إجابات على أسئلتي . اكتشفت أني أعيش في فوضى غير بناءة. فأنا أعيش بين طرفين متصارعين وكل منهما يؤمن أن كل من ليس معه هو عدو يستحق القتل . المتحاربان يقولان كل بطريقته "من ليس معنا فهو ضدنا." أين أذهب أنا وهذا الممدد بجانبي والذي لا يريد استبدال يديه ولو بدمية جديدة. نظرت اليه وأنا أشعر بالندم . تسائلت في نفسي : ما الفرق بين الموت بصاروخ ذكي إلى درجة العبقرية والموت بسيارة ملغومة غبية حتى التخمة؟, وما الفرق بين الموت في عتمة سجن بني بعرق جبين شعب نسي طوال حياته أن يقول" لا" لحاكم نسيه التاريخ على عرش الحكم أو الموت باليورانيوم المنضب؟ إنه الموت البطيئ الموضب في الحالتين.
ًٍصوت مبحوح ضعيف أخذ يتعالى بالتدريج .وفجأة قطع شرودي صوت الطفل النائم الذي تحول إلى صراخ(لا..لا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان