الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميراث النساء، قبض الريح...

هبة عبده حسن

2014 / 11 / 5
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


جارتي سيدة أنيقة تخطت منتصف العمر. أول مرة كنت قد قابلتها منذ عامين في الحديقة الصغيرة القريبة من بيتي، وكانت قد سألتني من أين أنت؟ ولأن كثرة الترحال أورثتني نوعاً من الدعابة الذي كنت أعتقد أنه يتخطى الثقافات قلت لها أنني من الكوكب الأزرق (اقصد كوكب الأرض) ولكنها قررت أن تتجاهل دعابتي الكوزموبوليتانية بنظرة باردة فقلت محاولة بعث الدفء في الحوار... يا ترى من أين أنت؟ قالت (وقد تحولت نظرتها الباردة إلى أخرى فخورة، وقد شدت ظهرها ودفعت كتفيها للخلف): "أنا كندية". ابتسمت أنا إذ أنها لم (وغالباً لن) تلحظ أن لكنتها الإيرانية الثقيلة ومعاناتها في تركيب عبارات منضبطة القواعد باللغة الإنجليزية تشيان بأصولها العرقية أكثر مما تشي بها ملامحها. سألتها – مجاملة – متى جئت إلى هنا؟ فأجابت ببساطة وهي تخلع منديل رأسها الحرير وتربطه حول يد حقيبتها لتجلس وتستمتع معي بشمس كندا التي يشبه حضورها حضور العيد... "لقد ولدت هنا" قالت ببساطة... كذبة بيضاء أخرى لا تؤذي ولكنها استفزتني لأعرف أكثر فابتسمت أنا وابتسمت هي وانتهى الأمر بأنني قضيت ساعة كاملة في حديث طويل شيق مع هذه السيدة. تذكرت هذه الواقعة اللطيفة حين قرأت الخبر الحزين لإعدام ريحانة جباري، تلك الصغيرة التي قضت متمنية منح الحياة لثمانية أشخاص على شفا الموت... بين جارتي وتلك الريحانة الجميلة تأكد لدي صحة قناعتي بأن ميراث النساء عناء وشقاء وأن ميراث نساء الشرق هو موت معلن.

قالت جارتي يومها أنها تتبع الديانة البهائية وأن هذه الديانة محرمة في إيران وأنها لن تعود أبداً إلى هناك خشية أن يقتلوها... قالت لي أنهم سيقتلونها فوراً ولكنهم سيحبسون رجلاً بهائياً لفترة ثم يطلقون سراحه لو أظهر لهم توبته... هكذا... يومها تصورت أنا أن جارتي تبالغ قليلاً وخاصة لاضطرارها أن تحيا هنا في كندا حياة أقل في مستواها الاجتماعي عما تعودت عليه في بلادها... نحن النساء نلتقط هذه الإشارات عن المستوى الاجتماعي من أشياء صغيرة مثل الحلي وطريقة ارتداء الملابس ولغة الجسد... الخ. المهم تصورت أنها تحيك قصة لتبرر لنفسها حياة عزلة وشقاء وبرد قارس أو ولكي تحلّيها لنفسها... نحن النساء تعلمنا أن نفعل ذلك عبر التاريخ والشاهد على ذلك كل أشغال الإبرة والحلي التي هي صنو للصبر والرغبة في الحياة، ولم تبخل جارتي عليّ بتوكيد الفكرة إذ قالت لي بلهجة تقريرية أنني لست أسعد حالاً منها كوني مولودة لعائلة سنية تتبع المذهب الحنفي كأغلبية المصريين. هزت رأسها وقالت وهي تربت على كتفي: موتنا – نحن النساء – تماماً كحياتنا والاثنان يقررهما الملالي والمشايخ وليس الله.

وعلى الرغم من عدم مأساوية قصة جارتي التي رحلت عن الجوار منذ فترة إلا أنني تذكرتها وأنا أقرأ باكية رسالة "ريحانة جباري" التي شاركتها منذ فترة قليلة... كانت ريحانة قد قالت في رسالتها لإمها: لم يحبنا العالم؛ ولم يتركني لقدري. أنا أستسلم الآن وأقابل الموت بصدرٍ رحب؛ أمام محكمة الله سأوجه الاتهام إلى المفتشين؛ سأوجه الاتهام إلى المفتش «شاملو»؛ سأوجه الاتهام إلى القاضي، وإلى قضاة المحكمة العليا الذين ضربوني وأنا مستيقظة، ولم يتورَّعوا عن التحرش بي. أمام الخالق سأوجه الاتهام إلى الطبيب «فروندي»؛ سأوجه الاتهام إلى «قاسم شعباني» وكُل من ظلمني أو انتهك حقوقي، سواءً عن جهلٍ أو كذب، ولم يفطنوا إلى أن الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو.

ولكنها هذه الريحانة كانت قبل أن تموت قد منحت الحياة لغيرها كأم رؤوم لأنها لا تريد أن تتعفن تحت الثرى، فتقول لأمها أنا لا أريد لعينيَّ أو لقلبي الشاب أن يتحوَّل إلى تراب. توسَّلي لهم ليعطوا قلبي، وكليتي، وعيني، وعظمي، وكل ما يمكن زرعه في جسدٍ آخر، هديةً إلى شخصٍ يحتاج إليهم بمجرد إعدامي. لا أريدُ لهذا الشخص أن يعرف اسمي، أو يشتري لي باقة من الزهور، ولا حتى أن يدعو لي. أقول لكِ من أعماق قلبي أني لا أريد أن أوضع في قبر تزورينه، وتبكين عنده، وتعانين. لا أريدكِ أن تلبسي ثوب الحداد الأسود. ابذلي ما في وسعكِ لتنسي أيامي الصعبة. اتركيني لتبعثرني الريح.

تبقى حكايتان أرجو أن تكونان عوناً لي في إلقاء المزيد من الضوء على هذه المسألة المربكة... ميراث النساء... الحكاية الثالثة هي حكاية فتاة بريطانية من أصل إيراني تواجه الآن عقوبة الحبس لمدة عام في إيران لأنها أرادت حضور مباراة كرة بين الجمهور (الرجال-الذكور)... هكذا... والحكاية الأخيرة حكاية أخرى حزينة لشاب إيراني أيضاً اسمه أمير أصلاني كان قد أعدم قبل عدة شهور متهماً بالهرطقة والابتداع في الدين، ولكن القضاء الإيراني، الذي تولى هذه القضية، أنكر أن إعدام أمير أصلاني مرتبط بمعتقداته الدينية ولكن لأنه كانت له علاقات جنسية غير شرعية بعدد من الأشخاص الذين شاركوا في جلساته وأن أصلاني لم يكن لديه تصريح رسمي بإقامة جلساته تلك.

حتى في الموت يحتقرون النساء. لقد بحثوا عن تفسيرات وتأويلات قانونية تبرر قتل هذا الشاب (وهو العمل البربري الوحشي سواء مورس على امرأة أو رجل) ولكنهم أجهدوا أنفسهم... جللوا اختيارهم الوحشي بأسباب قانونية لم يشغلوا بالهم بالإتيان بمثلها حين أعدموا ريحانة التي كانت طفلة يوم دافعت عن جسدها فكان جزاؤها فقدان حياتها ولم يهتموا بتغطيتها بأمر مقبول في حالة سجن الشابة التي أرادت حضور مباراة رياضية. كيف لم تغضب جارتي من هذا الجور البين... كيف لم تغضب ريحانة وكيف لم تغضب كل امرأة تقربت إلى الله بقربها لمن أحبت بصيام وقيام وطعام ودعاء وحب غير مشروط... أتذكّر وغالبا أنتم أيضاً تتذكرون أن "مقاتلي" الدولة الإسلامية حين اقتحموا منطقة جبال سنجار أقاموا احتفالية كبرى لإدخال الرجال الإيزيديين دين الله ولكنهم قسموا النساء والفتيات فيما بينهم سبايا... حولونهن لبغايا وفتتوا قلوب أمهات على بناتهن وحطموا آمال صبايا كانت الحياة كلها بين أيديهن... ولكنه ميراث النساء... قبض الريح!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تطور البيئة والإقتصاد ترافقه تطور سلوك الأفراد
john habil ( 2014 / 11 / 6 - 18:33 )
عفواً ومعذرة
أحبائي
رفاق الطفولة
وزملاء المدرسة
وأصدقاء العمر
جريمة الشرف ، ضحيتها المرأة ،التحرش الجنسي والإغتصاب ضحيته المرأة
جهاذ المناكحة ، ضحيته المرأة
الفتاوي ضحيتها المرأة
(ممنوع قيادة المرأة للسيارة - انتهاك حرمة المرأة الميتة بحماع الوداع الأخيرموت فتيات جامعيات في السعودية حرقاً بحجة الموت ولا الجحيم إذا دخل فريق الاطفاء والأسعاف من الرجال الى حرم الجامعة؟؟!!
ولا يحق للنساء حضور مباريات لكرة الطائرة ولكرة القدم في ايران، وتبرر السلطات الايرانية بأن النساء يحتجن الى حماية من تصرفات الرجال خلال هذه المباريات
وهل نحن في غاب؟؟؟ ولماذا هذا القطيع من البشر لا بملك صفات انسانية وحضارية ومتمدنة ؟؟؟ ولماذا كل همه وقيمه ردع النساء من الظهور في حياتنا اليومية؟؟ وبذلك يتصرف همجياً بالتحرش أو الاعتداء الجنسي ؟؟
ألم بحن الوقت يا
اخوتي احبائي زملائي اصدقائي من المسلمين أن نفهم أن هذه المرأة هي
أمنا وأختنا وأبنتنا؟؟؟؟
وأن نقول كفى أيها الشيوخ والملالي
أن الله يقول ( ذكراً وانثى خلقهما ) ولم يقل انها دابة وناقصة عقل ودين كفى هذا الكلام هو لكم ومن تراثكم المزيف وليس من لله أو رسوله


2 - من المسؤول عن هذه التربية ؟؟؟؟!!
john habil ( 2014 / 11 / 6 - 19:08 )
السيدة الفاضلة
هبةحسن
اثارت عاطفتي هذه الفتاة ذات العشرين ربيعاً وهي تقول:
لا أريد لعيني أو قلبي الشاب أن يتحول الى تراب
وكتبتُ
على صفحتي الخاصة فيس بوك
أنا أحب ايران، لآنها تساند المقاومة اللبنانية، وتدعم جهود بلدي (( الحبيب سوريا))لإسترحاع عافيته بعد المؤامرة الدولية عليه
ولكني لا أحب ايران عندما تعدم شابة دافعت عن كرامتها وانسانيتها، ولا أحبذ أن يكون هناك قانون يمنع النساء من حضور مباريات رجال ..هل الحرس الثوري الإيراني ضعيف(( لاسمح الله )) أن يحمي نساء البلد أم هناك قطيع لم يستطيع ترويضه اخلاقباً او انسانياً ؟
في الثمانينات
وفي مدينة حلب السورية كنت أميناً للسر في اعدادية في حي الشيخ مقصود، جائتني الآنسة (..... مدرسة العلوم ) 12 ظهراً تطلب إذن ساعة واحدة وهي الأخيرة من الدوام يوم الخميس.. قلت خيراً . قالت ابني 11عاماً وابنتي 12 عاماً ينصرفان اليوم الساعة 12( و والدهما ليس في البيت . قلت وما الغريب بالأمر قالت {{ وخ }}مالك ياأستاذ اتركهما لوحدهما بركي الولد ... تصرف خطأ ... قلت هل هم شقيقان ؟قالت نعم ...و لازم أروح
مدرسة جامعية ومثقفة تترك سلوك المجتمع (( يربي أطفالها ))!!؟؟

اخر الافلام

.. من بينهم مشاهير في تيك توك.. عصابة -اغتصاب الأطفال- في لبنان


.. كل الزوايا - سارة حازم: الرئيس السيسي أكد على دعم المرأة الم




.. المشاكل الأيكولوجية والحلول بوجهة نظر علم المرأة فيديو معدل


.. رئيسة الجمعية الدكتورة منجية اللبان




.. ملكة جمال القاهرة.. وسموها جوليت المسرح.. أسرار عن حياة -زين