الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين قادتني القطة؟؟!! (3)

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2014 / 11 / 5
الادب والفن


7

كدت أتقيأ من هذا السؤال...!!
شعرت بالدوار الرهيب يغزو رأسي...
أين أنا؟؟!
أي جحيم أدخلتني إياه القطة؟؟!
أي شيطان كانته هذه القطة الدنيئة؟؟؟!
أهي حقا قطة؟؟!
لم أطل التفكير في الأمر؛ فقد كان خارج نطاق العقل... خارج حدود الإدراك والقدرة على الاستيعاب... كان شيئا يفوق كل قدرتي على التفكير ومنطقة وعقلنة الأمور...
لم أطل التفكير وأسرعت بدلا من ذلك أتلمس الجدار بجوار الباب، لكنني لم أعثر على بغيتي.
أسرعت إلى الجدار من الناحية الأخرى للباب، فوجدت ضالتي.
مفتاح ضوء الحجرة...
ضغطت على المفتاح فأضاءت الحجرة بنور أصفر شاحب كريه انبعث من مصباح متسخ لدرجة أخفت الكثير من الضوء القادم منه.
لم يكن في الحجرة أي شيء يمكن الوقوف عليه سوى الفراش؛ فأسرعت أدفعه ليصبح أسفل النافذة.
بالطبع خمنتم ما أنوي فعله. نعم؛ أنوي القفز من النافذة لعلي أخرج من هذا العالم.
من الخارج سمعت صوت (زوجتي) تصيح: "إيه الدوشة دي يا راجل انت؟؟! الراجل باين عليه اتجنن... لا حول ولا قوة إلا بالله". قالت ذلك دون أن تكلف نفسها عناء المجيء إلى الحجرة لاستطلاع الأمر. ألا تخشى أن أكون أصارع الموت نتيجة أزمة مفاجئة؟! أم أن الأمر سيان بالنسبة لها؟؟!
المهم أنني أوصلت الفراش إلى أسفل النافذة، ووقفت عليه. وابتهج قلبي عندما رأيت العدم!!
يا له من مشهد جميل ذلك العدم...! لقد جعلني أدرك أن هناك مهربا من هذا الجحيم الذي أصبحت فيه...!
ومن بعيد (هل هناك بعيد في العدم؟!) لمحت القطة..! تلك اللعينة...! كانت تبتسم في سخرية وأقسم على ذلك..
وفجأة...
وقفت القطة على قائمتيها الخلفيتين، وراحت تتمطى، ثم استطالت قامتها في وقفتها هذه..!
وفي غمضة عين تحولت إلىَّ...
صارت نسخة كاملة مني...
أنا آخر يقف أمامي...
بالطبع، كنت أردد الكلمة التي باتت ضيفا دائما على لساني: "مستحيل...! مستحيل...! مستحيل...!".
بالطبع مستحيل...!
ولكن مهلا... ما الأمر غير المستحيل ي كل ما مررت به؟؟!
هل ما مررت به كان طبيعيا حتى تصبح مقابلتي ذاتي أمرا مستحيلا؟!
قفزت في العدم ووقفت....
صار الأمر مكررا ومعتادا بالنسبة لي أن أقف في العدم...
لكن الجديد كان أن أقف أمام نفسي...
مواجهة لم تخطر لي على بال...
كان من المفترض أن أكون من يبادر بالكلام، لكنني فوجئت بنفسي تقول: "إزيك؟! عامل إيه؟؟!".
لم أرد، فعادت نفسي تكرر وهي تبتسم ابتسامة ساخرة تشبه ابتسامتي رافعة إحدى حاجبيها: "أظن موقف ما كانش يخطر لك على بال!؟ إيه رأيك بقى؟!".
رأيي؟؟؟!
قلت هذه الكلمة في سخط، وأنا أهم بالقفز على نفسي التي تراجعت وهي تبتسم ابتسامة مستفزة للغاية ليست معروفة عني، وتلوح بسبابتها اليمنى منذرة، قبل أن تقول: "حاسب من أي تصرف أحمق ما تعرفش آخرته إيه..."، وصمتت قليلا قبل أن تقول في استنكار ساخر، وهي ترفع حاجبها الأيمن قليلا: "حد يهاجم نفسه برضه؟؟! طيب إفرض ضربتني.. مين فينا اللي يتعور؟؟!".
لم أحر جوابا...
للمرة المليون وقفت مثل طفل أبله لا يعرف إجابة سؤال بسيط في المدرسة...
أكاد أسمع ضحكات أطفال صغار يستهزئون بأحدهم...!
لكنني تجاوزت كل ذلك، وسألت نفسي سؤالا من كلمتين
"إيه ده؟؟!"...
قلته وأنا أضغط على كل حرف من حروف السؤال...
قلته وقد خرج مني حاملا كل سخط الدنيا...
كل الهلع...
كل الذعر...
كل الخوف...
كل الشوق في المعرفة...
قالت نفسي باسمة: "مش عارف إيه ده...؟!"، ثم ثم أشارت إليّ بسبابتها وقالت في هدوء مثير للأعصاب وبلهجة قاطعة: "ده إنت...".
أنا...؟!
هل أنا هكذا...!
هل أنا لص؟؟
تاجر مخدرات وقواد؟؟!
دجال ومشعوذ؟؟!
لست هكذا...
هنا قاطعت نفسي أفكاري، وقالت في صوت حاسم عالي النبرات: "لأ... إنت كده!!".
بانت على ملامحي الدهشة، فابتسمت في سخرية وقالت وهي تقلب كفها وتميل برأسها للأمام في إشارة استفهامية: "إيه...؟! إنت نسيت إن أنا نفسك؟؟! أفكارك؟؟!"، وصمتت للحظة قبل أن تتابع سائلة في سخرية مقيتة: "أنا إنت..."، وأومأت برأسها جانبا في إشارة غير ذات معنى وهي تضيف: "وإنت اللي كنته من شوية".
"مستحيل"...
صرخت في غضب هادر: "مستحيل"...
في هلع وعدم تصديق: "مستحيل"...
في يأس وتخاذل: "مستحيل"...
برأس مطأطئة وذل وصوت خفيض: "مستحيل"...
في همس وأسى ومن بين الدموع: "مستحيل"...
وتابعت قائلا وأنا أهز رأسي نفيا: "أنا مش كده...!".
هنا قالت نفسي في إصرار وهي تضرب الهواء بسبابتها في اتجاهي: "لأ... إنت كده!".
رفعت عينين دامعتين مملوءتين بالذهول إليها، فتابعت متسائلة في سخط: "تنكر؟؟!"
قلت في سخط مكتوم: "أنكر إيه؟!".
قالت نفسي في الإصرار والسخط نفسيهما: "تنكر إنك كنت منبهر بشخصية "نبيل"، وعايز تبقى زيه؟!".
رفعت كفي في وجه نفسي وكأنني أتقي هجوما منها، وقلت في ذعر: "زيه إيه؟؟! لأ طبعا.."، وقلت بعد استجمعت بعضا من تماسكي: "كان صعبان عليا... بصراحة كان صعبان عليا جدا، وكنت شايفه ضحية للظر..."
لكن نفسي قاطعتني في حدة بقولها: "وكنت عايز تبقى زيه!"، واستطردتْ في عصبية غير مبررة: "كنت مبهور بإنه بيعمل حاجات الناس مش بتعملها..."، وراحت تسير جيئة وذهابا وتلوح بيدها في انفعال: "يسرق... يقتل... كل الكلام اللي اتقال عنه كان شاغل بالك جدا... خاصةً إنك كنت ممنوع من اللعب في الشارع....!"، ولوحت بسبابتها في وجهي قائلة في لهجة تشبه الإنذار: "خد بالك من النقطة دي!".
لم أرد.
لم أجرؤ على الرد.
فعادت نفسي إلى هدوئها، قبل أن تسألني في لهجة من لا أفحم المسئول وهي ترفع حاجبها الأيمن: "ومدام صوفي؟؟! تقول إيه بقى فيها؟!".
تساءلت في سخرية مريرة: "أقول إيه بقى؟؟!".
قالت نفسي في انتصار لما شمت من لهجتي رائحة الاستسلام: "أقول إنك كان نفسك ومنى عينك تروح عندها بس إنت اللي كنت خايف... ده الشيء الوحيد اللي منعك".
اعترضت قائلا: "لأه بقى... مش عشان كنت خايف... عشان حرام".
عادت نفسي إلى إصرارها وحزمها وقالت وقد ضمت شفتيها في قوة: "لأ... عشان كنت خايف"، ثم أضافت وهي تقلب شفتيها في ازدراء: "عشان كنت جبان"، وبعد فترة صمت تابعت باللهجة نفسها: "جبان وخايف أمرك ينكشف... لكنك من جواك حاتموت وتروح".
قلت في تخاذل: "لأ... مش جبن..."، ثم أضفت في لهجة دفاعية لم يفارقها التخاذل: "كنت عايز أروح عشان أعرف الجو بس شكله إيه...".
قهقهت نفسي في انتصار، وقالت في سخرية: "يا راااجل؟!"، ثم أضافت في لهجة اتهامية مباغتة: "والدجل والسحر والشعوذة...؟! برضه تجرب الجو؟؟! مش عشان تجيب فلوس؟!".
اندهشت من هذا الهجوم المباغت، فقلت في عبارات مكسرة: "فلوس؟! دجل...؟!! لأ.. هو مش بالظبط بس...".
قاطعتني نفسي قائلة في لهجة من لم يعد راغبا في سماع المزيد: "بس بس بس!"، ثم قالت في لهجة آمرة: "تعالى معايا...".
لم أتمنع...
لم أتساءل إلى أين...
لم أفعل سوى أن سرت خلفها عالما أن المحاكمة قد انتهت...
وأنني كنت الجاني بدلا من المجني عليه...
لم أكن ضحية خدعة شيطانية ألقت بي في حياة أخرى...
بل كنت أنا من خدع نفسي...
قطعت نفسي أفكاري بقولها: لو نطيت دلوقت ناحيتي تلاقي نفسك في الجنينة اللي انت جيت منها"، واستدركت قائلة: "نفس الجنينة... بس ما حتظهر للناس فجأة... كل اللي حيحصل إنك كنت بتبص للقطة، وحاتظر وكأنك لسه بادي تبص لها... يعني كأن مفيش وقت عدى عليك من ساعة ما بدأات تبص للقطة"، ثم تنهدت فيما يشبه التعب قائلة: "بعد كده شوف حاتروح فين!!".
سألت نفسي في استسلام: "إيه اللي أنا فيه ده؟!".
أجابتني قائلة: "ما تحاولش تعرف... سميه حلم... سميه رؤيا... سميه كابوس..."، وهزت كتفيها في لامبالاة وتابعت: "سميه زي ما إنت عايز.... المهم إنك مريت بيه".
نعم... المهم أنني مررت به.
******


8

نفذت التعليمات بدقة...
وها أنا في طريق عودتي إلى المنزل...
إلى عالمي الحقيقي...
أتراه هو عالمي الحقيقي؟؟!
من أنا؟؟!
فعلا من أنا...؟!
الكثيرون يلقون على أنفسهم هذا السؤال على سبيل تأنيب الذات على عدم تحديد هدف في الحياة، لكنني ألقيه بكل جدية...
من أنا؟!
أنا الزوج المحترم والموظف المجتهد... لكنني لست كذلك إلا لأنني لم أستطع أن أكون دجالا أو تاجر مخدرات....!
كنت أظن أن هذه التجربة هي حياة بديلة...
لكنني بدأت أتساءل عما إذا كانت حياتي الأصلية هي البديلة...!
شعرت بالدوار وكدت أسقط أرضا لولا أن تماسكت...
البناية التي تقع بها شقتي تلوح أمامي..
ضوضاء الثامنة لا تزال تصدح من البيوت... صوت الموسيقى المميز لقناة روتانا سينما... صوت مذيعي قناة الجزيرة وهم يتناولون شئون العالم كله... مذيع يصرخ فرحا لأن الفريق الذي يشجعه أحزر هدفا... طفل يصرخ طالبا من أمه ألا تضربه....
ضوضاء الثامنة...
أضع المفتاح في البوابة...
أصعد شقتي...
أدس المفتاح في باب الشقة وأفتح الباب فأجد زوجتي وقد جلست تشاهد التلفاز فيما نام الصغيران على ساقها الممدودة أمامها على أرضية الردهة...
الجمل السريعة المعتادة عن كيفية سير اليوم بالنسبة للطرفين...
أحمل الطفلة وتحمل الطفل، ونضعهما في فراشيهما...
أدخل حجرة النوم لأبدل ثيابي، بينما تدخل المطبخ لتحضر مائدة الغداء...
أتناول الغداء ولا أستمع لأية كلمة مما تقول..
أشاهد التلفاز ولا أدرك حرفا مما يقال ولا مغزى صورة مما أشاهد...
أحتسي الشاي بكل آلية ولا ألقي بالا لأسئلة زوجتي عما بي...
أنتهي من كوب الشاي و.... أنام...
أنام عالما أن غدا لن يختلف عن اليوم...
من حياتي...
البديلة؟؟!
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع