الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة المطاط

معاد محال

2014 / 11 / 7
الادب والفن


خارت قوى ركبتاي وأنا أسير على جانب الوادي لبلوغ منزلنا الواقع قرب البئر. مفعول السجائر على المعدة الخاوية جعلني كقطعة ورق تقف في وجه الرياح. فكرة العودة كانت تطرق جمجمتي، لكن عن أي عودة أنا أبحث ؟ فأنا كلما تقدمت بقدمي خطوة إلى الأمام عادة ذاكرتي مائة خطوة إلى الخلف.

الآن أنا أقف على بعد بضع خطوات من المكان الذي قصدته. كان الستار متدليا على الباب. تصلني أصوات موسيقى جبلية ورائحة طاجين السمك. كل قطعة في جسدي ترتعش، زادت سرعة دقات قلبي، ماذا سأقول له عندما أراه ؟ أو ماذا سيقول لي عندما يراني ؟ هل سيتذكرني بعد كل هذه السنين ؟ تقدمت خطوتين فسمعت صوت سعاله فتسمرت في مكاني، سرت قشعريرة في جسدي، تخيلتني طفلا يعود من المدرسة مُتسخا بالوحل في يوم ماطر، ألصق أذني في الباب لأتأكد من عدم وجوده في المنزل. السعال إذن كان لغته، كان يسعل ليقول أنا هنا وكان يسعل ليقول ها أنا قد جئت، كان يتجنب لغة البشر، لم تكن تربطه بهم أية صلة حقيقية، أمي كانت تنعته طوال الوقت بالحيوان.

طرقت طرقتين على الباب وقلت السلام عليكم.
انقبضت عضلات وجهه وانحبس دخان الكيف في حنجرته، كاد يختنق من فرط السعال، وقع بصري على قنينة ماء فقدمتها له، شربها بسرعة وتعانقنا، رائحته لم تتغير، رائحة العرق ممزوجة برائحة دخان الكيف.

- لقد صرت رجلا يا عماد.
قال وعيناه تتغرغران بالدموع، حقدي الشديد عليه خيّلها لي دموعا مُصطنعة، لم أقل شيئا، فقدت قدرتي على الكلام.

- قالوا لي أنك قد تفوقت في دراستك عكس إخوتك.
قلت له : لو كانوا وجدوا ظروفا مناسبة لتفوقوا هم أيضا، وما كان حالهم هو الحال

فهم ما عنيته فعاد إلى صمته ، كان كلانا ينظر إلى الأرض، ولا أحد ينظر في وجه الآخر.

- ما به وجهك ؟
رفعت عيني فوجدته يتطلع إلي، فقلت :
- تعاركت مع أحدهم.

لم يسألني أكثر. نهض من مكانه واتجه نحو الموقد ليتفقد طاجينه، قال وهو يتذوق قطعة منه :

- مع الأسف يا عماد لقد جئت في وقت غير مناسب.

قلت في نفسي أنا دائما أجيء في الوقت الغير المناسب، أنا أصلا جئت إلى الدنيا في وقت غير مناسب، في أحد الأيام أخبرتني أختي أنه لم يُحتفل بولادتي.

سألني : مصطفى الشاوني الأصلع، هل تذكره ؟
أجبته : ذاك الذي سرق مالك.

أطلق ضحكة عالية وأردف : لقد سامحته. المهم هو الآن في سجن واد لو، والآن أنا ذاهب لزيارته وسآخذ هذا الطاجين له، فالطعام الذي يقدمونه لهم في السجن يشبه الخراء. وأنت عُد إلى تطوان وتعال في وقت لاحق.

حينما أكمل جملته امتقع وجهه وتصلبت ملامحه وجحظت عيناه وهو يتطلع إلى الباب، نظرت إلى حيث ينظر وإذا بمصطفى الشاوني الأصلع يقف على العتبة مُحملا بكيس كبير من قنينات الشراب.

سأله مرتبكا : متى أطلقوا سراحك ؟
رد عليه الشاوني في عدم فهم : من هم ؟
عاد يكرر السؤال : متى خرجت إلى السجن ؟
كان للشاوني من الذكاء وسرعة البديهة ما يكفي ليدرك نيته،
تجاهله والتفت إلي: عماد ؟ أنت عماد الصغير ؟

شعرت أنه يشفق علي، هززت رأسي بالإيجاب وانصرفت دون أية كلمة. حينما ابتعدت عن المنزل سمعتهما يتشاجران. كل النقود التي كانت بحوزتي نفذت، بعت هاتفي بربع ثمنه لأستطيع العودة إلى تطوان، قبلها كان علي قطع 7 كيلومترات لأصل إلى واد لو حيث يمكنني إيجاد وسيلة نقل. أدركني الليل وأنا أسير على الشاطئ، قوارب الصيادين في البحر بدت بقعا تخترق هيئة الظلام. القمر كان قد هجر السماء الليلة وترك للظلام السلطة المطلقة، الظلام هو سيد المجهول، وأنا قد سلمت أمري للمجهول ولسيده الظلام ولم يخدعني أي واحد منهما.
رميت عبء الغد وعبء الأحلام واخترت المجهول سكنا والظلام وطنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح