الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تملكون قائدا مثل الجعفري؟

احمد جمعة زبون
أستاذ أكاديمي وسياسي عراقي

(Ahmed Jumaa Al-bahadli)

2014 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الدبلوماسية العراقية باشتغالاتها الجديدة، وبانفتاحها الواضح في تأسيس علاقات متينة ومتبادلة مع دول العالم ودول المنطقة، أخذت على عاتقها تمثيل الشعب العراقي بالكامل ومن دون تفرقة ومن دون تحيز، فأينما كان يتحدث السيد وزير الخارجية العراقية في أي محفل دولي يذكر وقبل كل شيء موقف القوات المسلحة الشجاع، وكيف وقفت وناضلت ضد داعش، ويتفاخر بوحدة أبناء الشعب بمختلف توجهاته الدينية والعقائدية، هذه الوحدة التي جعلت من الانتصار قضية محققة على ارض الواقع وفي أكثر من مكان، حتى بات الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي يمتلك ناصية التحكم في حركة القطعات عسكريا بوطنية عراقية وحرفية عالية. ويذكر في مقدمة حواراته كذلك ملف النازحين، ومعاناتهم وحجم الأزمة التي يمر بها طيف كامل من أبناء الشعب العراقي. فضلا عن ملفات أخرى تتعلق بالتعليم وبالصحة وبالجانب الاقتصادي وغير ذلك. ولعل شعور الدكتور الجعفري نابع من كونه قائد لأبناء شعبه، قبل أن يكون ممثلا دبلوماسيا للشعب ذاته، ومن منا لا يتذكر دوره الكبير في الحفاظ على الديموقراطية وبنائها، ودوره الكبير في ادارة الحراك السياسي داخليا، سواء مع بقية التحالفات أم داخل التحالف الوطني العراقي الذي يضم مجمل القوى السياسية الشيعية، ومع كل ما تضمه هذه التشكيلة السياسية العراقية من تقاطعات حادة أحيانا، استطاع الدكتور الجعفري أن يشكل قطب الرحى وان يمثل صوت الشعب وضميره الحي.

ليس للكلام من فائدة دون حضور الأدلة، وعلى الرغم من كثرة الأدلة وتعددها في سلوكيات الجعفري كرجل سياسي، ولعل هذا هو ما لا يمكن تجاهله أو إغفاله أبدا، ليس لأنه من الواضحات فقط، وإنما لأنه متمثل بأكبر شخصية سياسية عراقية، وأكثرها شيوعا بين الأوساط الدولية والاقليمية، وتربطه مع كثير من سياسيي العالم مواقف إيجابية منذ ان كان في صفوف المعارضة وتحديه نظام الطاغية المقبور صدام حسين. ومنذ تلك السنوات الجهادية وهو يحمل هموم شعبه ولا يفرق بين اي منهم ابدا. ولعل هذا هو ما يتلمسه المقربون منه، وكثيرا ما كان يغضب ويمتعض على اي متحدث يحمل افكار التفرقة بين ابناء الشعب الواحد، ومنذ ان بدأ التغيير الديموقراطي في العراق اخذت صورة هذا الرجل تتضح اكثر، واخذ معدنه يبرق بشكل لافت للنظر، فشخصية مثله لا شك وانها ستحاط بالعيون وبالمتابعين، فاصابع الاتهام في الساحة السياسية العراقية على اتم الاستعداد لتلويث سمعة اي سياسي ناشط. غير ان الجعفري استطاع اسكات الالسن وقطع اصابع الاشارة المتربصة، لان سلوكه كإنسان كان يسبق اي قرار سياسي يتخذه، ولعل هذا هو ما دعاه لتأسيس (الاصلاح) كحزب سياسي، فهو يبغي الخروج من هذه الدنيا التي يتكالب عليها غيره بروح نقيه، تشبه إلى حد كبير ما يتحدث به، وقد تلمس محللي العالم السياسي من خطاباته انه يتعكز على نظرية إنسانية استمد جل مفاهيمها من الفكر المحمدي الذي ينتسب اليه الجعفري بعلاقة نسب عقلية كمفكر، وبعلاقة نسب جينية كونه من سلالة الرسول محمد (ص) وأنه واحد من ابناءه.

لذلك تكون أهم الادلة في اثبات صدق هذا القائد انه وحتى هذه اللحظة لم تلطخ يدية بملفات الفساد المالي والإداري، ليس هو فحسب، بل استطاع وفي فترة قصيرة جدا ان يربي جيلا من المصلحين الذين التفوا حوله، ولعل اي متتبع لتيار الإصلاح الوطني ورجاله العاملين يدرك هذه البذرة الإنسانية في جوهر تعاملهم مع الآخر، لقد أسس الإصلاح وهو يستبطن وجودا ثقافيا وقواما تربويا، يهدف إلى إصلاح الواقع بأطر موضوعية، وعلى مختلف الجوانب في بنية المجتمع العراقي التي وللأسف تصدعت كثيرا جراء بعض السياسات المغلوطة. فالصفحة البيضاء التي يمتلكها الجعفري كقائد وكمصلح، هي ما دعته لرفع شعار (إن اريد إلا الاصلاح ما استطعت). لان بناء الدولة وبحسب مقولات هذا المفكر التي يبثها في مختلف المحافل والوسائط الاعلامية لابد وان تنطلق من بناء الذات، فمتى ما تحصنت ذواتنا استطعنا بناء الواقع وتغير مشروع الدولة، ولعل هذا هو ما لا يختلف عليه اثنان.

ولعل هذا هو مصدر نجاح الدبلوماسية العراقية، فليس بالقليل ان يتسنم مهام وزارة الخارجية شخصية بوزن الجعفري وبقوة تأثيرها، وبثقافته العالية وبصفحته البيضاء النقية، وقدرته على التفاوض وازاحة الازمات، وبما يمتلكه من حضور كوني، ليس بالقليل ابدا ان يكون قائد الشعب ممثلا عنه، والسؤال الأهم هنا: كيف سيعكس هذا القائد الصورة الحقيقية لابناء شعبه، هل سينحاز لفئة معينة دون اخرى كما فعل من سبقه، هل سيلوث هذا القائد ما بناه من صفحة بيضاء؟، ويخسر كل سنين جهاده التي طالما اعلن عنها بأنها خطوات نحو التقرب لله تعالى.

لذلك كان اول ما يفكر به الجعفري كممثل لابناء شعبه، هم الشهداء والجنود الابطال والنازحين، وفتح افاق التعاون مع ابناء العراق والتفاعل مع قضيته في حربه ضد عصابات داعش، ويقدم قبل كل شيء سيادة هذا البلد، انه الاقرب والاصدق في تمثيل ابناء شعبه، من اي سياسي أخر، وكان يجب علينا ان نشكره على قبوله هذه المهمة.

ولعل نجاحات هذا الملف الدبلوماسي جاءت ومنذ البداية وهي ترتقي سلم الحضور، بدأ بمؤتمر جدة، ومن ثم فرنسا ومن ثم الولايات المتحدة، والكويت، واخيرا تركيا، فضلا عن جملة كبيرة من سفراء العالم، فكل هذه الجهود جاءت تبشر بدبلوماسية جديدة غير انحيازية، ولا فئوية، دبلوماسية تحمل ثقافة الاستيعاب، وترفض ان يحتوي معجمها اي نوع من مفاهيم التقاطع او الاقصاء. دبلوماسية الجعفري انطلقت من الثابت الداخلي والمتغير الخارجي، فهي تقبل بكل ما يعود بالفائدة على العراق وابناء شعبه شرط ان لا يؤثر على الثابت الوطني ووحدة ابناء الشعب.

من كان يصدق ان تعود العلاقات يوما مع الكويت بكل تبعات الماضي، صحيح ان جهود الجعفري هي من اسس لصفو هذه العلاقة منذ ان كان رئيسا للوزراء، لكن ثمار زيارته الاخيرة هذه ستتضح جليا في اغلاق ملف التركات وهمومها، وسينفتح العراق مع هذه الدولة انفتاحا يعزز من مكانته ويطور من حضوره السياسي والاقتصادي، بل وحتى الاجتماعي، بل ولعل مشروع الدبلوماسية سيعيد ترسيم الحدود الخارجية للعراق مع مجمل دول الجوار الجغرافي، ليس ترسيما خرائطيا، وانما ترسيم استراتيجي، يمكن العراق من النهوض مرة اخرى لمغادرة التحديات والازمات، واعادة بناء ما خربه الدهر.

وقد اشار مجمل ممثلي دول العالم، من وزراء خارجية، وسفراء وقنصليات، وبعثات دبلوماسية، إلى ارتياحهم الكبير للتعامل مع هذا القائد الذي ينظر إلى العلاقة مع الاخر المختلف على انها علاقة انسانية قبل ان تكون علاقة دبلوماسية. وهذا ليس بغريب ابدا من شخصية ارتبطت بالقرآن الكريم وجعلته مرجعا لكل تحركاته واقواله وافعاله.

د. احمد جمعة
بغداد - 7 / 11 / 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة