الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


! أحسنتَ إلى العصفور سيدي الرئيس

علي شايع

2005 / 8 / 28
حقوق الانسان


يحكى أن المتوكل رمى عصفوراً، فأخطأهُ، فقال وزيره ابن حمدون:أحسنت يا سيدي فقال: أتهزئني؟ كيف أحسنت، قال:إلى العصفور.
وإذا كان بن حمدون قد رأى في سوء رمية الخليفة تلك إحساناً مندوباً حسب التعريف اللغوي لهذا السلوك الاجتماعي الذي يكون غير ملزم إنما مندوب..فإن رمية بإحسان فعلها رئيسنا العراقي الطالباني صوب صيد تاريخي هو الطاغية أثارت انتباه الكثيرين إذ لا مكان لإحسان فيها؛فالرئيس أعلن توكيل نوابه للتوقيع على قرار إعدام الطاغية- إن تطلب الأمر- وهو أمر سبق أن تحدث عنه السيد الطالباني قبل أشهر حيث صرّح لمحطة BBC قائلاً "سأكون مضطراً لأخذ إجازة ولن أوقع على إعدام صدام".
لعلّي لا أفعل غير فعله هذا لو كنت مكانه..
لكني بالقطع لن أضع نفسي مقدماً في موقع الحرج اللاحق أمام شعب دفع التضحيات الكثيرة في الطريق إلى رؤية ساعة القصاص تلك.وأنّا لي بالحجة؟،فالحجة لا تكون بين حقين،بل هي بين حق وباطل،فحق الشعب العراقي وملايينه معروف للجميع،وباطل العفو أو تخفيف العقوبة لا يقرّ به السواد الأعظم لهذا الشعب،ومخالفته أو التهرب منه،إنما هو تلاعب وظيفي وتهرّب من أمر إجماعي.
وإن كان لي هنا أن أقارن تعاطي رئيسنا مع هذا الأمر وتعاطيات لدول في الجانب الديموقراطي والعدالة من الكرة الأرضية التي لعلّ بريطانيا تكون مركزاً لإشعاع الكثير من حقوق الإنسان والدفاع عنها،ولكنها رغم كلّ هذا،و في لحظة خطر وحرج لم تجد بدا من اتخاذ كلّ ما من شأنه ضبط الأمن في ربوع بلادها، فالقرارات الأمنية الجديدة والتدابير تشير إلى فعل غير مسبوق من الشدّة،حتى إن قراراً اتخذه شرطي منها بإطلاق النار على رجل رفض الوقوف،ليرديه قتيلاً،وجد من يسانده في استفتاء شعبي ضماناً لسلامة البلاد وتمكيناً للشرطة من أداء واجبها.وبالطبع الفرق كبير بين الوضع العراقي وما حدث في المملكة المتحدة،فلكلّ بلد ما يحركه في ردّة الفعل وآليات القانون التي تفرز واقعها،وهي فروقات تتضح لحظة المقارنة حتى بين العراق وبلد أفريقي كزامبيا (مثالاً لا حصراً) فأسباب كثيرة ستبرّر للرئيس الزامبي أمره بتخفيف نحو 60 حكماً بالإعدام في العام الماضي،وتبرّر تعهده علناً بعدم التوقيع على أي أمر بالإعدام ما بقي في سدة الحكم!..أو بين العراق وبلد أفريقي آخر هو السنغال!؛ فثمة اختلاف أمني شاسع،ونتمنى أن يتحقق لنا سريعا بعض ما هم عليه من بحبوحة الاستقرار الأمني لنقلدهم في الجدل النهائي لإلغاء عقوبة الإعدام!.
وربما كان في خطوة السيد الطالباني هذه رغبة لأن يكون الرئيس العراقي الجديد من بين مثقفين دعاة للسلم والرحمة،وهو أمر يستحق عليه كلّ الاحترام والتقدير،إذا ما تعلق الأمر به بشكل شخصي،ولكنه في السياقات الوظيفية لا يجد من مبررات وأسانيد عرفية تقنع عموم الشعب،فما يشاع عن محاكمات أزلام النظام السابق يثير الريبة والقلق،خاصة ما تردّد أخيرا عن احتمال إطلاق سراح طارق عزيز"الرجل والقضية"حسب دفاع نخبة عربية مثقفة تروّج لبراءته من دم يوسف زوراً وعدواً،فمن وقف على غيابة الجب كمن ألقاه فيه لو كانوا يعلمون..
وإذا كنا نتحرّق حزنا لتكاثر الأبواق الزاعقة في هذا الاتجاه،فلنا من حزن سابق نصيب كثير تقاسمته الأخبار والحوادث عن إطلاق القوات الأمريكية سراح مجرمين سابقين أمثال الصحاف المقيم في الإمارات وسعدون حمادي الممنوح إقامة رسمية في الأردن. ولسنا هنا من يقرر بجواز سجن هؤلاء أو إطلاق سراحهم بقدر تعلق الحكاية باعتراض منطقي على تجاوز العدالة العراقية في تعاطي من يملك السلطة مع قضايا هؤلاء وغيرهم؛لا نعلمهم ولكن القوات الأمريكية تعلم أمرهم ومنقلبهم في كل تفصيل ودقّة،ولها غايات بما تفعله عن إرادة وإصرار. ولكن سؤالاً يلحّ في هذا المضمار عن غاية الرئيس فيما صرّح به،وما أراده،وهو حق مشروع كحق انتخابه واختياره في هذه الوظيفة الهامة،وإذا كان ثمة قارئ جيد للدستور الجديد،فلا بد له من وقفة بهذا السؤال عند فقرات كثيرة تضمنها الدستور وديباجته؛حيث ورد في السطر الثاني منها تعريفاً بالشعب العراقي: "على أرضنا سنَّ أول قانونٍ وضعه الإنسان، وفي وطننا خُطَّ أعرقُ عهدٍ عادلٍ لسياسة الأوطان"..
وفي الدستور سنقرأ فيما يتولاه رئيس الجمهورية من صلاحيات:
أ- إصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء..
وهي فقرة تذكرنا ب"مكرمة السيد الرئيس" في الأعياد والمناسبات وفي بعض طقوسه الديكتاتورية،والجاري من عفو المكرمات،وهو أمر لا نريد له موضع ريبة وجدل ما أسهل المحسوبيات فيه.ولا أحسب أن دولة ديموقراطية تمكّن القانون وتتخذه فيصلاً، سنّتْ تشريعاً يجيز للرئيس إصدار العفو الخاص، ومتى شاء من مناسبات لجعلها ذكرى حسنة في قلوب الناس عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: