الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتوى استرقاق النساء

عائشة خليل

2014 / 11 / 9
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


الحرب الأهلية الدائر رحاها في سوريا منذ عدة أعوام راح ضحيتها مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري: رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، وشرد من أهل سوريا أكثر من مليون اتخذوا من البلدان المجاورة ملاذا لهم. وفي أحد البلدان المجاورة أفتى أحد مشايخ بجواز اتخاذ النساء السوريات جواري وإماء، وساق من الأدلة الفقهية ما يؤكد وجاهة أن تسعى امرأة لأن تكون جارية رجل يقبلها ويستطيع الإنفاق عليها.

ومن البديهي أن تستقطب مثل تلك الفتاوى المؤيدين والمعارضين لها. فمن استطاع من أهل البلد المضيف الالتزام بإعالة امرأة (أو أكثر) من اللاجئات سيجد في مثل تلك الفتوى حلا سحريا لتمتع بعدد غير محدود من النساء، وفي المقابل يغضب أحرار سوريا من مثل تلك الفتوى التي نساء بلادهن منزلة الجواري والإماء ، ففي ذلك جرح لكبرياء الرجال المفترض فيهم حماية النساء وكرامتهن.

ويجب التنبيه أولا على التأثيرات السلبية للحرب على النساء خاصة في المجتمعات التقليدية.

الحرب هي لعبة الرجال يسعون إليها بترحاب في أغلب الأحيان، ويبحثون فيها عن مجد منشود، وفي الأغلب تكون النساء هن ضحية تلك اللعبة الفاتكة (انظري في شأن ذلك مقالة "ثلاث جنيهات"). فالنتيجة الأولى للحروب هي انعدام الأمن في مناطق النزاع مما يؤثر سلبا على حياة ً النساء، فانعدام الأمن يعني في المقام الأول أن النساء يتقلص وجودهن في الفضاء العام (فلا يذهبن إلى أماكن العمل أو الدراسة) خشية من أن يصبحن عرضة لجرائم الخطف والاغتصاب.

ولهذه الجريمة تأثيرات مباشرة على الصحة النفسية للضحية، وبالإضافة إلى ذلك قد يتم لوم الضحية في المجتمعات التقليدية وتوصم مما يؤدي إلى عزلها أو إفراد "إفراد البعير المُعبدِ" كما قال طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة، وقد تقرر أيضا العائلة قتلها كي تتخلص من عارها نتج عن الجريمة جنين يتحرك في أحشاء الضحية. وقد تفقد العائلات عائلها من جراء الحرب، وتترك السيدات بمفردهن يبحثن عن مصدر للرزق لإطعام أطفالهن، ولكن انعدام الأمن في الفضاء العام يصعب عليهن السعي وراء الرزق. ولذا قد ترحل بعض العائلات وترتحل بحثا عن الأمن والأمان لاجئات في بلاد مجاورة.
ُ
وبالرغم من التحسن النسبي المفترض في أحوالهن المعيشية بمجملها، يكون اللاجئون واللاجئات في أغلب الأحوال عرضة للاستغلال الرأسمالي في البلد المضيف. وقد تضيف الغربة من مصاعب العائلة التي تركت بدون عائل، فتكون السيدات والفتيات عرضة للاستغلال الجنسي أو الاعتداء الجنسي. ومن هنا أتت فتوى الجواري والإماء سالفة الذكر. وبما أن كل إناء بما فيه ينضح فقد ذهب صاحب الفتوى إلى الحل الفقهي الذي يراه مناسبا للمشكلة القائمة.

ويمكننا المقارنة بين الحل الذي طرحة الفقيه، وذلك الذي طرحته ملالا يوسف في موقف مشابه. فقد رأت أن اللاجئات الأفغانيات في باكستان في حاجة ملحة إلى التعليم. فدافعت عن حق الفتيات في التعليم إلى أن أتتها رصاصة أرادت أن تسكت صوتها إلى الأبد، ولكن االله أمد في عمرها لتصبح أصغر حاصلة على جائزة نوبل للسلام وتستمر في دفاعها عن التعليم ليصبح حق كالماء والهواء للفتيات الأفغانيات. والفرق بين طرح ملالا وطرح الفقيه، هو الفرق بين من تسعى إلى تمكين المرأة لكي تواجه الحياة ومن يسعى إلى استعباد المرأة ليس فقط على سبيل المجاز وإنما في الواقع.

وهنا تطرح العديد من الأسئلة نفسها: لماذا أتى بمبحث الجواري والإماء؟ لماذا لم يتحدث عن تعدد الزوجات؟ وماذا عن القوانين الدولية المحرمة للرق والاستعباد؟ وما هي التداعيات الاجتماعية (والاقتصادية والسياسية) لفتح باب الاسترقاق في القرن الحادي والعشرين؟ وما هي حقوق الأمة والجارية في مثل تلك الحالات؟ وما هي واجباتها؟ وهل هي علاقة أبدية أم يمكن فصمها في وقت لاحق إن رغبت المرأة في ذلك؟ وماذا عن الأطفال الذين ينتجون عن هذه العلاقات؟ كيف سيكون مصيرهم وتصنيفهم الاجتماعي والطبقي داخل المجتمع؟

وفوق كل ذلك وقبله: لماذا لا نشغل أنفسنا بحلول عصرية لمشاكل القرن الحادي والعشرين عوضا عن البحث عن حلول تنتمي لقرون مضت؟ مثلا تدريب النساء على فنون الدفاع عن النفس! لماذا لا نعمل على منع الحروب وإيفاف النزاعاتً الدائرة؟ لماذا لا نوقف الاستغلال الرأسمالي للاجئين وللاجئات؟ لماذا لا نسعى إلى تأمين النساء في مخيمات اللاجئين بدلا من حثهن على بيع أنفسهن ولماذا لا نفكر في كيفية إدماجهن في المجتمعات كفاعلات متساويات مع الرجال، بدلا من التفكير في كيفية التمتع بأجساد أكبر عدد منهن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تمثال ميليسنت فاوست


.. العمال في مقاطعة الشهباء يقودون ثورة العدالة والحرية




.. الرقة... يومهم نتاج عقود من النضال


.. يوم واحد لا يكفي للاحتفال بما قدمه العمال




.. لجنة الاقتصاد تساهم في تنمية واقع العاملات في مجتمعهن