الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أورويل إلى أبو زيد... حرب تبوير العقول...

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2014 / 11 / 10
حقوق الانسان




بالأمس اعتقلت قوات الأمن المصري طالبًا جامعيًا بتهمة حيازة مجموعة من المطبوعات ومن بينها رواية "1984" للكاتب البريطاني "جورج أورويل" والتي يهاجم مؤلفها الأنظمة الاستبدادية الشمولية التي تمارس عمليات غسل الدماغ للمواطنين من أجل ترسيخ الاستبداد، وتتصدى بكل قسوة لكل محاولات المعارضة والخروج عن القطيع؛ أي تمامًا كما تقوم السلطات المصرية.
جاء الاعتقال كحدث يسير في السياق نفسه مع الاتجاه العام الذي تسير فيه مجمل الأحداث والفعاليات السياسية في المشهد المصري الراهن، وهو تكريس الاستبداد في صورته التي ترتدي البزة العسكرية. ولكن هذا الواقع ليس بغريب عن الساحة المصرية التي اتسمت دومًا بسحق أية محاولة للمعارضة ولو الفكرية، وهو ما يوضح درجة الحذر والحيطة لدى العقل الاستبدادي المصري الذي يلجأ إلى محاصرة الأفكار قبل أن "تتدهور" الأمور وتصل إلى مستوى التطبيق وتنفلت الأمور، ثم... يذهب الديكتاتور.
إنه العقل الاستبدادي المصري بكل عبقريته...!
ولكن وللإنصاف الشديد، يتعين علينا أن نذكر أن العقل المصري المستبد يمكن أن يتواجد في أي مكان، طالما توافرت له سلطة التحكم. ولكي لا يكون الحديث مطلقا بدون براهين علينا أن نرجع إلى بعض المواقف التي شهدتها الساحتين السياسية والفكرية في مصر خلال الثمانينات والتسعينات، لكي نصل إلى حقيقة مفادها أننا كلنا مستبدون.. فقط إذا أتيحت لنا الفرصة...!

الفقي ولويس... وقطب وظلاله
يذكر لنا التاريخ الفكري المصري أنه في الثمانينات من القرن العشرين قام الراحل الشيخ عبد المهيمن الفقي وهو من علماء الأزهر الشريف برفض كتاب "مقدمة في فقه اللغة العربية" للمفكر الراحل لويس عوض، بدعوى أنه يتعارض مع المعلوم بالضرورة من جذور اللغة العربية، وبالتالي صودر الكتاب.
كما أن المرء لا يمكن أن ينسى مسألة الحسبة، والتي كانت نشطة في الثمانينات والتسعينات من القرن السابق بصورة غير مسبوقة في التاريخ المصري حسبما أعلم؛ فقد أدت هذه الحسبة إلى الحكم بكفر الأستاذ الجامعي نصر حامد أبو زيد ومصادره كتبه والتفريق بينه وبين زوجته السيدة ابتهال يونس، الأمر الذي دفعه إلى مغادرة البلاد لوجود تهديد حقيقي لحياته باعتباره "مرتدًا" و"كافرًا".
كذلك يشهد التاريخ أن كتاب "في ظلال القرآن" وضعه مؤلفه المفكر الراحل الدكتور سيد قطب أثناء وجوده في السجون الناصرية، وهي الفترة التي شهدت دخوله السجن وخروجه منه، ثم انتهت بإعدامه باعتباره خطرًا على أمن الدولة والاستقرار العام في البلاد. وقد سُرِّبت فقرات الطبعة الأولى الكتاب من داخل السجن أثناء الحبس الانفرادي لكي ينشر، ويصبح فيما بعد واحدًا من أشهر التفاسير للقرآن الكريم.

كل التيارات السياسية المصرية إذن مارست فعل الاستبداد... التيار الديني بكل أطيافه والتيار الليبرالي بكل أطيافه والعسكر كما هو واضح من الماضي والحاضر. وهنا يبرز السؤال: لماذا؟!
الإجابة: حرب تبوير العقول.
كل تيار سياسي يحاول أن يضرب خصومه السياسيين في مقتل من خلال توجيه ضربات فكرية تحول دون وصول أفكار هذا التيار أو ذاك إلى مستوى أوسع من المستوى القائم أو انتقال هذه الأفكار إلى الأجيال القادمة. إنها محاولة لتجفيف المنابع منعا لري أرض تطرح ثمار هذا التيار أو ذاك؛ أي أنها حرب تبوير للعقول. فإذا ما صارت العقول بورًا، بات من السهل اجتذابها بغرض استصلاحها وفقًا لأفكار التيار الذي ينجح في ضرب خصومه والاستيلاء على عقول أنصاره.

لقد نجحت هذه الحرب بامتياز في تبوير عقول قطاعات كبيرة من المصريين، ولكن للأسف الشديد، ظلت العقول بورًا وعرضة لمن يأتي ويملؤها بأية أفكار يحملها. وعندما يصاب بالضعف، يأتي آخر يضربه في مقتل، ويستولي على عقول المصريين فيقوم بتبويرها ثم استصلاحها وفقًا لأهوائه. تماما كما يحصل في الأرض الزراعية، أدى التبوير والاستصلاح المتكرر إلى... ضعف التربة الذهنية المصرية.
على المصريين أن ينتبهوا... مارس الليبرالي لعبة الإقصاء في الأربعينات والستينات، فمورست ضده في الثمانينات والتسعينات؛ فعاد يمارسها الآن...
إنها لعبة السياسة بين التيارين الإسلامي والليبرالي... يلعب الإسلاميون دومًا دور المعارضة — عدا فترة تولي حكم الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي — بينما يلعب الليبراليون دور الحاكم، وفي هذه اللعبة السياسية تمارس كافة الأطراف الأساسية والفرعية — مثل القوميين والشيوعيين — حرب التبوير الفكري... تمهيدا للاستصلاح.
هل يفيق المصريون؟!
سؤال محوري لا إجابة له، وإن كان الموقف الشخصي هو أتمنى... ولكنني لا أتوقع... في القريب على الأقل...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيد قطب
ياسين المصري ( 2014 / 11 / 10 - 13:59 )
مثال سيد قطب غير موفق بالمرة ، فأفكار سيد قطب تدعو إلى ما يعارضك الأستاذ حسين وهو المساهمة في تبرير العقول من خلال التعصب للدين والتطرف . أليس كذلك؟؟!!
مع أطيب تحياتي


2 - الرد على الأفكار بالأفكار...
حسين محمود التلاوي ( 2014 / 11 / 10 - 18:41 )
أدافع عن حرية التفكير أيا ما كانت الفكرة... والرد عليها يكون بالفكرة... لا رفع لسلاح الأمن والتخوين إطلاقا في وجه الأفكار... الأفكار لا يرد عليها إلا بالأفكار... الأفكار لا يرد عليها إلا بالأفكار... الأفكار لا يرد عليها إلا بالأفكار... الأفكار لا يرد عليها إلا بالأفكار... أدافع عن حق من يعارضني في أن يعارضني... ولا مشكلة فيما يحدث بعد ذلك...
وشكرا لمروركم...

اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س


.. المثلية الجنسية ما زالت من التابوهات في كرة القدم الألمانية




.. مظاهرات حاشدة في مدينة طرابلس اللبنانية دعماً للاجئين السوري