الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة .. الثقافة .. والانسان

فيصل قرقطي

2005 / 8 / 28
الادب والفن


بوسع العمل الإبداعي أن يعبر عن استعارات الحياة الداخلية للفنان من جهة، وعن استعارات الحياة المعاشة من جهة أخرى. ويكون هذا العمل مبنيا على حقائق أصيلة تعبر عن الفكر وعن التصور الإنساني المعاش في الحياة. وكل ذلك يتم عبر اللغة التي هي في الأساس تشمل الحد الفاصل بين العمل الإبداعي كفعل ثقافي، والطبيعة المعاشة.
لذلك يؤكد كلود ليفي ستروس على أن "اللغة هي الخط الفاصل بين الطبيعة والثقافة، لأن اللغة لا تشكل حيزا للتواصل الإنساني، فحسب، عبر إشارات ورموز تثمر ترجمتها عن طريق الحروف، وإنما هي تشكل أساسا لحمة العمل الإبداعي وجوهره في آن.
لأن الشكل الفني ينسج عبر اللغة، تلك، التي تحمل المضمون وترتقي به إلى الشكل. أو لنقل أن اللغة تندفع بالشكل إلى تشكيل المضمون.. وهكذا تنمي اللغة عبر حروفها وما تعكسه من وجهين في العملية الإبداعية، العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون.
وعلى اعتبار أن اللغة تمثل جزءا حيا من الثقافة فهي تؤسس المرتكز الأساسي للاستعدادات التي نتلقاها من التراث المحيط بنا، وكذلك من الحياة وتناقضاتها.
وكما أن اللغة تعتبر الأداة الأساسية والوسيلة الفضلى، التي من خلالها نستطيع تمثل ثقافة الجماعات الأخرى التي تنتمي للغة ذاتها.
إذا فاللغة هي التي تحملنا وتترجم أعماقنا وأحاسيسنا، أهدافنا وأحلامنا على حد سواء، وبذلك تعتبر أهم مظاهر النظام الحضاري اكتمالا. هذه المظاهر التي يرى ستروس أنها تشكل بصورة أو بأخرى "أنساقا". فإذا أردنا أن نفهم ما هو الفن، أو الدين أو القانون، بل وربما المطبخ أو قواعد اللياقة، فإنه يتعين علينا أن نتصورها كقواعد تتشكل عبر تمفصل العلامات، على نموذج التواصل اللساني ..
واللغة ليست عملا ظهر بغتة، كما ليست هبة من الخالق وحسب، وإنما هي عملية متشعبة ومعقدة مرت بمراحل طويلة للتعبير عن المنطوق، خلال قرون من الجهد ابتداء من نداء الحيوان الأول، ومرورا بالتعابير الأولى للإنسان، وأدعية الكهان، والتعاويذ والأغاني والملاحم الأسطورية، ووصولا إلى أغاني الشعراء ويقول ديورانت: "لولا الألفاظ أو الأسماء العامة التي تجعل الصور الخاصة قادرة على تمثيل النوع، لتوقف التعميم في بدايته، ولبقي العقل حيث نجده في الوحوش، ولولا الألفاظ لاستحالت نشأة الفلسفة والشعر، والتاريخ والنثر. وما بلغ الفكر ما بلغته براعة أينشتين أو أناتول فرانس، ولولا الألفاظ ما اصبح الرجل رجلا أو المرأة امرأة"
واللغة باعتبارها كائنا حيا يرتقي بالإنسان من البدائية إلى العقلانية، عبر نمو طبيعته من جهة، ونمو طبيعة الحياة والثقافة على حد سواء، وتتشكل ليس عبر نسيج الحروف فحسب، وإنما تتشكل أيضا من عدة إيقاعات أخرى نشهدها مثلا في الموسيقى، التي هي لغة الأذن والصورة "المشهد" الذي هو لغة البصر، وكذلك اللباس الذي هو لغة الجسد، لأن الثياب كما يقول هيجل "هي اللحظة التي يصبح فيها المحسوس دالا، ويالتالي حاملا لعلامات خاصة".
وبعيدا عن الأبعاد المختلفة للغة كبيرة الغنى، والمرتبطة بالظواهر الانسانية جميعها، وكذلك بعيدا عن مستوياتها المختلفة الصوتية والتركيبية والدلالية، أو من حيث وظائفها المختلفة في أحداث التواصل، والتبليغ بين الأجناس والناس على السواء، فإن اللغة أداة طيعة تشكل سلطة قائمة بحد ذاتها داخل النص الإبداعي وخارجه، داخل بنية الخطاب وفي نسيج التواصل الإنساني على السواء، وهي كذلك أداة سَوْس وسياسة. وفضلا عن ذلك فقد أثبتت العلوم اللسانية الحديثة أن اللغة لها سلطة هائلة على النفوس والعقول وأنها ذاتها تتضمن رؤية العالم.
لأن تحليل لغة السلطة أو النص، يمر أساسا عبر سلطة اللغة ذاتها، وخصوصا في مجتمعاتنا الحديثة. وسلطة اللغة لا تنحصر في أداء دورها عبر منظومات الفكر الإنساني فحسب، وغنما في تحليل رؤيتها للعالم في مساقات التفكير، على اعتبارها الموضوع الأساسي للفلسفة. يقول جورج موتان: "إن ما يفسر أداء اللغة لوظيفتها واقتصادها الداخلي وتواترها هو شروط وظروف التواصل، لا التعبير عن الفكر".
لقد تبدلت المفاهيم والدلالات في فهم اللغة إلى درجات كبيرة. فمن الفلاسفة من اعتقد هي فعلا أولى درجات السعي إلى اكتساب العلم (نيتشه) وبالتالي فهي الإيمان بالحقيقة المكتشفة التي تفرعت عنها.
في حين ذهب هايدغر إلى اعتبار اللغة بأنها "أخطر النعم" و "خطر الأخطار جميعها لأنها" هي "التي تبدأ بخلق "إمكانية" الخطر، والخطر هو التهديد الذي يحمله الموجود للوجود.
في حين يرى الفيلسوف العربي وعالم الرياضيات الفارابي أن اللغة نتيجة حتمية بين "الاتفاق والتدبير" واعتبرها أبن جني "مواضعة" وهي ليست وحيا، أما القاضي عبد الجبار فلقد ذهب إلى أبعد من ذلك حينما اعتبر اللغة تنطلق من "المواضعة" العامة إلى "المواضعة" الخاصة، لأن حقيقة الحروف لا تتعلق بالمسمى لشيء يرجع إليه كتعلق العلم والقدرة بما يتعلقان به.
ويمكن هنا سوق بعض الأقوال المهمة على هذا الصعيد لـ "فنتجنشتاين":
- إن حدود لغتي تعني حدود عالمي .
- المنطق يملأ العلم: فحدود العالم هي أيضا حدوده.
- معنى أن العالم هو عالمي، يبتدئ في الحقيقة القائلة بأن اللغة (اللغة التي أفهمها) تعني حدود عالمي.
وهكذا تتمدد اللغة وتنحصر في حدود الفكر والمنطق والمعرفة الثقافية أو تنبسط وتنكمش في إطار النص- نص الخطاب البلاغي الذي يبدأ بإشاراتها ورموزها.. إنها – اللغة- نقطة البدء في شرط اللاشعور الإبداعي، وبالتالي فهي سلطة المكونات والمفاهيم التي يبغي التواصل الإنساني والإبداعي والحضاري. ليس في عصر بعينه أو زمن بعينه، وكذلك ليس لمجتمع محدد، دون سواه، وإنما في كافة الأزمنة ولكل المجتمعات.
إنها باختصار هي التي من خلالها يعرف الرجل أنه رجل والمرأة أنها امرأة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي