الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس و يسارها الجديدين: من- التاريخ الانتخابي- الى -الانتخاب التاريخي-.

بيرم ناجي

2014 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة:

حاولت في مقالي السابق الذي نشرته في الحوار المتمدن أن أقدم قراءة اجتماعية سياسية و بعض الاشارات التكتيكية الى الجبهة الشعبية أساسا (1) و الى كل الفاعلين السياسيين في تونس عموما رغم ادراكي ان اللحظة الانتخابية قد لا تكون سانحة للتأمل في ذلك مؤقتا.و لكن ما يلاحظ في الساحة السياسية الانتخابية حاليا يجعلني أعيد الكرة من زاوية أخرى أقل ضيقا و –ربما- أكثر تسديدا باتجاه اليسار التونسي و حوله في نفس الوقت...في انتظار ما بعد الانتخابات الرئاسية و تشكل الحكومة المقبلة.

تونس و يسارها الجديدين:

ان ضغط اللحظة الانتخابية لا يجب في رأيي أن تنسي اتجاه الحركة العام الذي تسير هي نفسها داخله. و ان كان ذلك موضوعا معقدا و عاما نسبيا فان زاوية منه تبدو لي ملحة و ضرورية اليوم حتى قبل الانتخابات الرئاسية ، بل و ربما بسبب الانتخابات الرئاسية نفسها...خاصة بالنسبة الى المثقفين و المناضلين المثقفين اليساريين خصوصا والتونسيين عموما .
باختصار شديد و لكن أرجو أن يكون مفيدا:
هل تعرفون ما معنى أن ترشح الجبهة الشعبية كلا من زياد الأخضر و أحمد الصديق و جلول عزونة و نزار عمامي و مراد العمدوني – وهم أمناء عامون أو ناطقون رسميون لأحزابهم - و الى جانبهم السيد أحمد الخصخوصي و أهم قيادات حزب العمال و حزب القطب الديمقراطي و السيد فتحي الشامخي قائد "راد أتاك-تونس- الى الانتخابات البرلمانية (بقطع النظر عمن وصل منهم الى البرلمان) ؟
هل تعرفون ما معنى أن ترشح الجبهة الشعبية قائدها حمة الهمامي الذي هو الأمين العام لحزب العمال التونسي الى الانتخابات الرئاسية؟

1-

معناه ان اليسار التونسي بمختلف مكوناته الكبرى نضج وأصبح يمارس السياسة في القرن 21 على خطى اليسار الأمريكي اللاتيني لأنه لو لم يصبح كذلك ما كان رشح كل هؤلاء في الانتخابات التشريعية و الرئاسية كما كان يفعل اليسار الكلاسيكي القديم الذي لم يكن يرشح سوى كتلة صغيرة من مناضليه المتوسطين الى البرلمان "للمراقبة و التحريض" و ما كان يترشح تماما للانتخابات الرئاسية حيث كان لا يصل الى الرئاسة الا بالثورة بالنسبة لليساريين و بالانقلاب العسكري بالنسبة الى القوميين و البعثيين العرب.

2-

معناه ان كل اليساريين و الاشتراكيين الديمقراطيين و المناضلين النقابيين و الحقوقيين و الثقافيين والجمعياتيين و عموم المواطنين الذين كانوا "يخافون" من "التطرف اليساري و القومي" لم يعد لديهم أي مبرر "للخوف" و لعدم المساندة اذا كانوا يبحثون فعلا عن ديمقراطية و لكن و طنية واجتماعية كما يقولون.

3-
معناه ان بعض الاسلاميين التونسيين -الذين يقولون عن أنفسهم انهم معتدلون مثل النهضة - عليهم أن يتبنوا الديمقراطية قولا وفعلا و يكفوا عن المراوغة بين الدعوي و السياسي و يراجعوا جذريا وثيقة " الرؤية الفكرية و المنهج الصولي لحركة الاتجاه الاسلامي" التي لا تزال تسجنهم في صدفة الحزب العقائدي الاسلاموي و تمنعهم من التحول الى حزب ديمقراطي ذي مرجعية اسلامية على شاكلة "الديمقراطية المسيجية" أو حتى على شاكلة حزب العدالة و التنمية التركي الذي يقبل –ربما عصبا عنه- بالديمقراطية و العلمنة و التداول رغم نقائص التجربة التركية...و لكن على الآ يستثمروا ذلك في قهر القوى الديمقراطية التونسية بالتمويل التركي و القطري و غيرهما و ما يخفى وراءه من ارتهان الى هذه القوى و غيرها.

4-

ومعناه ان بعض الليبيراليين التونسيين الذين يصدعون رؤوسنا حول أولويتهم بالديمقراطية لم يعد لديهم ما به يزايدون – مثل نداء تونس – لأنهم في الأصل يفتخرون بما ليس لديهم بل بما هو أوروبي لم يطبقوه لحظة واحدة عندما كانوا سادة البلاد لستين عامم. بل الأحرى بهم أن يتخلصوا من ارث التسلط البورقيبي و النوفمبري و الارتهان لواعد التجمع المنحل و لبارونات المال و الاعلام وللقوى الأجنبية التي تسندهم على حساب غيرهم من التونسيين و على حساب مصالح الوطن.

5-
و معناه ان اليسار و القوميين و البعثيين التونسيين – بمحافظتهم على الجبهة موحدة- هم أنضج القوى في التحالف فيما بينها مقارنة بما فعلته النهضة بحلفائها في الترويكا و بما فعله نداء تونس بحلفائه في "الاتحاد من أجل تونس" حيث بينت التجربة ان الجبهة الشعبية تغلب التنوع و الاختلاف و تحتمله و تثمنه أكثر من الاسلاميين و الليبيراليين التونسيين و هي بذلك أكثر أهلية لبناء التجربة الديمقراطية التونسية الجديدة من غيرها.

6-
و معناه أن الاقتتال بين الذين يخيفون التونسيين باسم "التغول" و من يخيفونهم باسم" التعطيل" – هو بين من يمارسون الابتزاز باسمهما لغايات انتخابية و لكن من أجل تغول اسلامي أو ليبيرالي يعارضه تعطيل اسلامي أو ليبيرالي ، حسب موازين القوى...و ماذا سيكون الأمر يا ترى...لو يتحالفون؟

7-
و معناه ان التائهين و الضائعين من الأحزاب الصغيرة و المناضلين من هذا الطيف و ذلك في الصفين المتقاتلين – ظاهرا الى حد الآن- انما يحيدون عن الخط الحقيقي الذي يمنع من التطرفين و يرسي تونس و ديمقراطية جديدتين...سواء فعلوا ذلك عن حسن نية أو عن خوف أو عن جهل أو غيره.


خاتمة: من "التاريخ الانتخابي الى الانتخاب التاريخي"

و لكن...و هنا أختم ...مؤقتا:
ان كان ما يحصل في تونس و في صفوف يسارها و جبهتها الشعبيية انقلابا سياسيا – انتخابيا كبيرا فانه يضل هشا اذا لم يصحبه الوعي بما يقع أولا و التنظير اليه ثانيا و اقناع كل –أو أغلب – المناضلين به فعليا ليتحول الى انقلاب تاريخي بأتم معنى الكلمة يؤدي الى ولادة جديدة لليسار و لتونس على حد السواء و ستكون له انعكاسات على كل اليسار العربي حتما .
ان لم يحصل هذا فان كل ما قمنا به سيبدو "تكتيكا" رديئا و سيؤدي الى شعبوية انتخابية و الى تكون "بيرقراطية –برلمانية " وربما رئاسية- ستدمر اليسار التونسي نهائيا...ربما.
ان لم تحصل اعادة تأسيس حقيقية لليسار التونسي بروافده الاشتراكية و القوميية و البعثية و الاشتراكية الديمقراطية فان ذلك سيسمح للاسلاميين و الليبيراليين بمواصلة التطرف باسم الاسلام أو باسم الحداثة و لكن على حسابهما معا و على حساب الوطن و الشعب...ناهيك ان تدخلت القوى الأجنبية ...و هي حاضرة دائما.
ان تصعيد الجبهة الشعبية لعدد محترم من خيرة مناضليها و مناضلاتها الى مجلس النواب و ترشيحها لناطقها الرسمي الى الانتخابات الرئاسية له دلالات هامة جدا و ستتعزز لو حققت نتائج هامة في الرئاسيات وأفضلها التتويج طبعا. ولكن لا يجب أن تكون هذه الحركة " عفوية" و لا يجب أن تبقى كثيرا كذلك. و لا يجب أن تكون مجرد "تكتيك" بل أن تصبح منهجا سياسيا جديدا...و هنا يأتي دور المثقفين و المناضلين المثقفين في انارة السبيل نحو تصور نظري و سياسي و تنظيمي جديد تصحبه تربية جديدة لمناضل جديد في تونس سيكون قادرا على تحقيق " المعجزة التونسية"...ربما....و ان بعد حين.
عندها يمكن أن تنجو تونس من محيطها العربي/الاسلامي و العالمي بنجاح عبر يسار عربي جديد منغرس برؤية جديدة في تفاصيل خصوصيات شعبه و في ما يمكن أن نسميه امتحان " الانتخاب التاريخي" الذي بامكانها النجاح فيه... ولو بصعوبة.
فلنكن واقعيين ...و لنطلب المستحيل.


(1)- http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=440180








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تونس و يسارها الجديدان.
بيرم ناجي ( 2014 / 11 / 12 - 06:58 )
تونس و يسارها الجديدان : عذرا على خطأ العنوان و أخطاء أخرى....
قبلاتي.


2 - حلم
حاتم بن رجيبة ( 2014 / 11 / 13 - 14:31 )
هذا النص جعلني أحلم من جديد بحزب يساري ديمقراطي قادر على الحكم كما في الدول الغربية .

لكن ألا ترى يا أخ بيرم أن وضعية الجبهة الشعبية بمكوناتها الغير متجانسة حالة فريدة في الساحات والتجارب الديمقراطية إن لم نقل حالة شاذة أو نشاز ؟ لقد سألت قياديا في حزب العمال لماذا لا تنصهر مكونات الجبهة في حزب موحد خاصة بعد أن اتحدت على برنامج ، فكان جوابه أن المكونات متباعدة جدا عن بعضها، أيديولوجيا ،مما يجعل الإنصهار صعبا إن لم يكن مستحيلا . ألا تعتقد اننا نرقص فوق لغم يمكن أن يقصف باليسار في كل لحظة وأنه من الأولى بناء يسار متجانس بدون الشوائب القومية والشوفينية والعنصرية والشيوعية المتطرفة وديمقراطي مستقل كما في الديمقراطيات العريقة ؟


3 - الديمقراطيات العريقة و الشوائب؟
بيرم ناجي ( 2014 / 11 / 13 - 18:10 )
صديقي حاتم
-الديمقراطيات العريقة- تكف عن كونها ديمقراطيات ان اعتبرت من سميتهم - شوائب- كذلك و ستتحول الى ديمقراطيات -غريقة- كديمقراطية الاغريق تكتفي بالأحرار و الرجال و دافعي الضرائب و الأثينيين و تقصي النساء و الفقراء و الأجانب و العبيد...بطريقة أخرى.
أنا مع الحزب اليساري الكبير و لكن في بلداننا حيث المسألة القومية لا تزال مطروحة لا بد من التفريق بين الوطنية و/ القومية و بين -الشوفينية-
أما حكاية - التجانس- دون - الشوائب- فقد تحيل الى تطرف يساري جديد - لا يختلف عن التطرف اليساري - العريق- يا صاحبي.
احترامي.

اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟