الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة في الشهر الكريم

حلوة زحايكة

2014 / 11 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


تجربة في الشهر الكريم


1989
الساعة الواحدة والنصف ظهرا، عدت من مدينة القدس بعد ان اشتريت بعض الحاجات التي تلزم البيت، فغدًا أول أيام عيد الفطر المبارك، نزلت من الحافلة في قمة الجبل المحطة الأخيرة، فانا أسكن بالاتجاه المقابل للبلدة، وعلى بعد خمسة أمتار من البيت كان هناك طفل من أبناء المستوطنة فوق السور الذي يفصل المستوطنة عن بيتي، يبلغ حوالي اثني عشر عاما تقريبا، بدأ يشتمني باللغة العبرية، من شدة التعب والصيام ودرجة الحرارة المرتفعة، لم أرد شتائمه ولم أكترث به، كما كنت افعل كل مرة، مع عديد من أولاد المستوطنة الذين يقومون دائما بنفس الفعل، فبيتي مجاور الى عدة مدارس للمستوطنة، قلت له اذهب من هنا اليوم مش فاضية لك، طبعا باللغة العبرية، وتركته ودخلت البيت، بعد ان استرحت بدأت أحضر طعام الأفطار، كانت الساعة الثالثة والربع، واذا من يدق الباب بقوة، نهضت من مكاني وفتحت، واذا برجال الشرطة والجنود، فقلت خير اللهم اجعله خير، ماذا تريدون، واذا بالشرطي يقول بأنني قمت بضرب أحد أطفال المستوطنة، وقمت بكسر يده، أجبتة انا قال نعم، هيا تعالي معنا، نريد أن نتحدث معك بضع دقائق، قلت له: انتظر حتى ارتدي ملابسي، دخلت غرفتي، أراد الشرطي ان يدخل معي الغرفة، فقلت له أين انت ذاهب قف مكانك؟ لن أهرب، ارتديت ملابسي، وأطفأت فرن الغاز وسرت معه، عندما وصلت الى مدخل المستوطنة الذي يبعد عن بيتي أمتارا قليلة وقفت ونظرت، وقلت لهم بسخرية: كل هذ القوة جاءت لي، يبدو أنني شخصية مهمة جدا حتى أحضرتم كل هذه القوة، كان هناك العديد من سيارات الجيش والجنود التي أحاطت بيتي من كل اتجاه، وضع الكلبشات في يدي، وصعدت الى سيارة الشرطة، توجهت بي الى اقرب معتقل للتحقيق بالقدس، معتقل المسكوبية، نزلت... تم ادخالي الى القسم السفلي، تم ايقافي على احد أبواب الغرف، وقال لي قفي هنا وارفعي يديك، وقفت بجانب الشباب العرب الواقفين ويرفعون أيديهم ايضا، كانت رائحة المكان النتنة والرطوبة تعم المكان، صرت أرتعد من البرد فملابسي ليست ثقيلة، وقدماي تعبتا من الوقوف ويداي أيضا، لأن المدة طويلة وانا صائمة، وقفت بحدود أربع أو خمس ساعات، وأنا أنتظر دوري، وأخيرا جاء دوري، دخلت الى غرفة كان فيها اثنان، يتكلمان العربية بطلاقة، وبدآ يتناوبان استجوابي حول طفل وأباه اشتكياني علي لأنني قمت بضربه وكسر يده، فأجبتهما: هذا غير صحيح، وبقيا يلفان ويدوران حول نفس الموضوع، مرة يقولان أنني كسرت يده، ومرة يقولان أنني كسرت ساقه، ويشتمناني بكلمات بذيئة، فأجبتهما قبل قليل قلتم أنني كسرت يده، والآن تقولان أنني كسرت ساقه، حددا لي بالضبط ماذا كسرت؟ يده أم ساقه؟ وبقيت على هذا المنوال عدة ساعات، ثم تركاني، وجاءت مجندة وسحبتني وقادتني من القسم الأرضي، الى الساحة الخارجية الى مدخل فوق الأرض، واخذتني الى غرفة صغيرة لا يتجاوز عرضها مترا في مترين، وأقفلت الباب وذهبت، نظرت في الغرفة وضحكت في سري، لم اكن أتوقع انها سوف تستضيفني نزيلة، لقد كنت هنا قبل أسبوعين في تلك الغرفة، فأنا اعرفها جيدا، انها نفس الغرفة التي اغلق علينا الباب انا وزميلتي مهما وصيفة عندما جئنا لزيارة زميلنا راضي الجراعي، الذي كان معتقلا فيها، لا اعرف كم مكثت فيها من الزمن، ثم حضرت مرة ثانية وقادتني وقالت لي ان اضع كل شيء معي من معادن او أي شيء أحمله، لم يكن غير الساعة، اخذتها ووضعتها في كيس، ثم اقتادتني الى أحد الغرف.
دخلت الى غرفة كان فيها ثماني فتيات عربيات، ومن بينهن فتاة من قريتي، اسمها افتخار مشعل، معتقلة منذ ثلاثة شهور، وقد جاءت من سجن التلموند لعرضها على المحكمة هي وثلاث اخريات، وكذلك السيدة الفاضلة فاطمة عبد الحميد من بيت أمر قضاء الخليل، وهذه ليست تجربتها الأولى مع الاعتقال والسجن، فقد قالت لي، انها سجنت عدة مرات، وامضت عدة محكوميات، كانت تمضي وقتها بغناء الأناشيد الوطنية، ونحن نردد معها، كانت بقية الفتيات من القدس وضواحيها، كنا في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها ثلاث في ثلاث وفيها ثمانية أسرة، في احدى الأتجاهات ستة أسرّة كل اثنين فوق بعض، وفي الاتجاه الآخر سريران أيضا فوق بعض، وحمام صغير ومغسلة، سألنني منذ متى وانا هنا، قلت لهن منذ الساعة الثالثة والنصف، تناولت كل واحدة ما لديها من بقايا طعام عندها، وقدمنه لي، عبارة عن حبة تفاح وحبة بندورة، وقعطة خبز، حتى افسد صيامي، جلست على أحد الاسرة وتناولت بطانية كانت موضوعة عليه، رائحتها كريهة جدا، خلعت بلوزتي وربطتها على وجهي، حتى أستطيع أن أنام وأخفف من الرائحة.
لم أستطع النوم فقد كانت الشرطيات طول الليل ذهابا وإيابا يتفقدن الغرف، وصوت الأبواب وهي تقفل وتفتح مزعج جدا، وهناك بجوارنا، غرفة لسجينات يهوديات من العالم السفلي، يوجد بينهن واحدة أمضت طوال الليل وهي تصرخ، واخبرتني البنات انها على هذا المنوال منذ قدمن، جاءت الشرطية في السابعة صباحا، اليوم عيد الفطر، وكذلك هم أيضا يحتفلون بعيدهم، فتحت الباب واخذتنا الى المطبخ لتناول الفطور، كانت الرائحة كريهة جدا، كان الإفطار عبارة عن قطعة خبز، وبيض مسلوق رائحته تجعلك تتقيأ قبل ان تلمسه، وحبة بندورة وشرحة خيار، جميع الفتيات العربيات لم يتناولن غير الخبز، أما انا والبعض منهن لم نستطع ان نأكل شيئا، فقالت لنا فاطمة عبدالحميد كل واحدة تأخذ خبزتها وحبة البندورة معها، ثم تم ارجاعنا الى الغرفة، في الساعة العاشرة تم اخراجنا الى الساحة، كانت ساحة كبيرة بحدود خمسة عشر مترا في عشر امتار تقريبا مسقوفة باسلاك شائكة على ارتفاع ستة امتار تقريبا، بقينا عشرة دقائق، والشرطيات موجودات بيننا، ثم تم اعادتنا الى الغرفة، كان الجو حارا وكنت اشعر بالاختناق، فلست متعودة أن أحشر في غرفة ضيقة، كان هناك شباك في اعلى الغرفة، صعدت على السرير المجاور اليه، وصرت اشاهد الساحة الخارجية، التي تقف فيها السيارات، أمضيت نهاري جالسة أراقب السيارات التي تخرج من المصف والتي تمر فيها، فكرت فيما اذا ما زال زميلي راضي الجراعي موجودا هنا او تم ترحيله الى معتقل اخر، أصبحت اعرف معنى الاهانة والذل بمعنى الكلمة، أنا لم افعل أي شيء وقد عوملت بتلك المعاملة الدنيئة؟ فكيف حال الذين يعتقلون وتوجه لهم تهما كبيرة، الفتاة التي دخلت قبل يوم لم تعد نفسها اليوم، لقد تغيرت كثيرا وعلمتني كثيرا تلك التجربة، بقيت عشرة أيام داخل المعتقل، ثم تم اخراجي الى محكمة الصلح بعد ان انتهى عيدهم، وحكمت المحكمة علي بغرامة مالية، وحكم بوقف التنفيذ لمدة عام، اذا لم اعتقل على شيء اخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا


.. طفل يخترق الحكومة التركية ويسرب وثائق وجوازات سفر ملايين الس




.. أمهات الأسرى الإسرائيليين تنظم احتجاجات ضد حكومة نتنياهو في


.. الفيضانات تغرق خيام اللاجئين في بنجلاديش إثر الأمطار الغزيرة




.. كارثة وبائية تهدد النازحين وسط قطاع غزة