الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرس الشهادة

حلوة زحايكة

2014 / 11 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


عرس الشهادة

1989
اليوم الثالث على اعتقالي، اجلس على السرير الثاني المقابل للنافذة، أراقب حركة السيارات في الساحة الخارجية لمعتقل المسكوبية، شعرت بالاختناق، نزلت عن السرير وتوجهت الى زميلتي بالغرفة فاطمة عبد الحميد، جلست بجوارها على نفس السرير، هي من قرية بيت أمر قضاء الخليل، في بداية الخمسينات من عمرها، ذات بشرة شقراء وعيون الزرقاء، وقامة طويلة، ممتلئة، ترتدي ثوبا مطرزا يدل على المنطقة التي قدمت منها، انها امرأة بالف رجل، لم تكن تجربتها هذه المرة الأولى بالاعتقال، لقد سبق وان اعتقلت عدة مرات، وامضت عدة سنوات داخل جدران السجن، انها امرأة خاضت مجالات الحياة بكل اصنافها، فهي أم لعشرة أبناء، عملت وضحت ، تجمعت حولها المعتقلات، بدأت حديثها معنا كيف تم اعتقالها في عام 1982، وكيف تركت وراءها طفلا رضيعا، لم تستطع ان تحضنه للمرة الأخيرة، تقدمت من سرير طفلها تريد وداعه قبل ان تغادر الى غياهب السجن وظلماته، كانت تريد ان تطبع على وجنتيه قبلة الوداع، لكنهم لم يسمحوا لها بذلك، واقتادوها تحت الضرب باعقاب البنادق، كيف عانت العديد من الألام في المعتقل عندما غرق في احدى المرات بالماء في فصل الشتاء وكيف تدهورت صحتها، وكيف كانت زميلاتها في الغرفة قد عرفن بأن أحد أبنائها قد استشهد في تونس، وقد قمن باخفاء الأمر عنها، واخفاء ورقة الصحيفة التي نشرت الخبر، ولكنها شاهدتها صدفة تطفو على الماء في الغرفة، وتناولتها وعرفت ان ابنها انتقل الى جنات الخلود، زغردت بكل ما أوتيت من قوة، تجمعت المعتقلات حولها ليقدمن العزاء لها، لكنها رفضت وقالت، انها ستقيم له عرسا تزفه من داخل غرفتها الموصدة ، وبدأت بإنشاد الأغاني الفلسطينية والمعتقلات يرددن من خلفها. سقطت دموع كل من بالغرفة، وشعرت بأني أختنق اكثر، عندما علمت بحكايتها وكيف تركت اطفالها الذين هم بأمس الحاجة الى حنانها، وكيف تم اقتلاعها من بينهم، ثم تحدثت زميلتنا فهمية من رأس العامود كيف أجبروها لتحمل حجرا، وصوروها وهي لم تفعل شيئا وهي هنا من ثلاثة شهور، وقد جيء بها هي الأخرى من سجن التلموند؛ لعرضها على المحكمة، وكنت قد شاهدت على التلفاز بالفعل يوم تم اعتقالها، ولم أكن أعلم بأنني سأكون زميلتها في نفس الغرفة بالمعتقل، فلكل فتاة حكايتها مع الاعتقال، وكن جميعهن فتيات صغيرات، لم تتجاوز اعمارهن السابعة عشرة، وانا ابنة التاسعة عشرة وفاطمة هي اكبرنا سنا، ولها خبرة في الاعتقال والتعذيب والنضال، فطوبى لك سيدتي، ولكل حرائر وطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا


.. طفل يخترق الحكومة التركية ويسرب وثائق وجوازات سفر ملايين الس




.. أمهات الأسرى الإسرائيليين تنظم احتجاجات ضد حكومة نتنياهو في


.. الفيضانات تغرق خيام اللاجئين في بنجلاديش إثر الأمطار الغزيرة




.. كارثة وبائية تهدد النازحين وسط قطاع غزة