الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح محنة العرب السنة

آزاد أحمد علي

2014 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



تتسع يوما بعد آخر الرقعة الجغرافية لاستهدافات داعش، هذا الإرهاب الذي بدأ فردياً لكسب مزيد من الأنصار والولاءات، وإنتهت بحرب حقيقية على أوساط قبلية واجتماعية واسعة. إذ تركز استهداف التظيم في الأشهر والأسابيع الأخيرة على قبيلتي الشعيطات وشمر في سورية، لتطال لاحقا قبيلتي البونمر والجبور في العراق.
المجزرة التي ارتكبت بحق أبناء عشيرة الشعيطات العربية السنية في ريف شرقي محافظة دير الزور، قبل عدة أشهر، كانت مفجعة وصادمة لكل السوريين، على الرغم من أن الاعلام العربي لم يولي الحدث -المجزرة أهميته.
تعد عشيرة الشعيطات فرعا من قبيلة العكيدات، أحد أكبر التحالفات القبلية العربية في وادي الفرات، شرقي محافظة دير الزور، ويتمركز الشعيطات في بلدات (أبو حمام ،الكشكية وغرانيج). بعد سيطرة داعش على الريف الشرقي لمحافظة دير الزور، وازاحة فصائل المعارضة لأخرى وخاصة الجيش الحر، لجأت الى فرض أسلوب المبايعة، لتثبيت الهيمنة على كامل المنطقة. وعلى مايبدو لم تسير إجراءات مبايعة ومساندة داعش من قبل أفراد الشعيطات كما أراده أمراء داعش، فتم اعتقال ثلاثة من أبناء الشعيطات في بلدة الكشكية، نهاية شهر تموز 2014، ما أدّى إلى اشتباكات بين داعش وعشيرة الشعيطات، نتج عنها مقتل خمسة عناصر من التنظيم واعتقال آخرين.
الا ان الكارثة حلت لاحقا عندما أراد تنظيم داعش إرهاب كل ريف ديرالزور لترسيخ سيطرتها، إذ قامت بحملة اعتقالات وقتل رهيبة، طالت المئات، حيث تم محاصرة بلدات كشكية وكرانيج، لمنع دخول المدنيين إليها أو الخروج منها، فأصبح بين (700-800) شخص في عداد المفقودين، سواء قتلا أم اعتقالا. وأشارت مصادر عديدة وخاصة المرصد السوري لحقوق الانسان، أن العديد من الجثث تركت في الشوارع، وأن (300) رجل أعدموا في يوم واحد في بلدة غرانيج، ليبلغ في المحصلة عدد الضحايا السبعمائة، كتقدير أولي في نهاية آب 2014. إضافة الى هذا العدد الكبير من الضحايا مازال مصير نحو (1800) من أبناء الشعيطات مجهولا.
في الجانب الاخر من الحدود وضمن مقاطعات "الدولة الاسلامية" التي اعلنتها داعش، جرت أحداث مرعبة، ومجازر حقيقية ضد عشيرة البونمر، التي تنتمي الى تحالف الدليم، أحد اكبر قبائل العراق. هذا وكانت عشيرة البونمر قد تصدت لـتوسع تنظيم داعش منذ مطلع تشرين أول/ أكتوبر 2014، لكن التنظيم فتك بالمدنيين. أشارت المصادر العثورعلى مقبرة جماعية في منطقة قرب "بو علي الجاسم" شمال الرمادي، كانت تضم قرابة مائتي جثة من أبناء البو نمر، على الأرجح قد أعدموا من قبل عناصر داعش، الذين إقتادوهم قبل أيام قليلة إلى منطقة "خنيزير" بإتجاه بادية الأنبار. وبحسب مصادر أمنية عراقية تمكن مسلحوا داعش من الدخول
الى زاوية البونمر في ناحية الفرات، حيث تم إعدام أكثر من (35) شاباً كانوا منتسبين لأجهزة الأمن والصحوات. هذا وقد أجبر داعش السكان على ترك منازلهم والتوجه إلى قضاء الحديثة سيراً على الأقدام. جدير ذكره أن عناصر من تنظيم داعش قد حاصروا (500) عائلة من هيت وقاموا مؤخرا بإعدام أكثر من (46) شخصاً في المدينة المذكورة. وظلت مئات العائلات محاصرة ومهجرة في بادية الأنبار، تعاني نقصاً في المواد الغذائية والطبية الى ان زودتهم الطائرات الأمريكية بالغذاء في الأيام الماضية. لم تولي الأوساط الاعلامية الأهمية لهذه المجزرة بحق أبناء البونمر، والتي ترتقي الى مستوى المجازر الجماعية، خاصة بعد أن ثبت ان عدد الضحايا قد تجاوز الخمسمائة شخص. وقد أبدى النائب والسياسي العراقي محمد الكربولي عن أسفه لعدم تحرك الحكومة المركزية في بغداد لدعم البونمر وتركهم ضحية لهجمات داعش.
بصرف النظر عن عدد ضحايا ابناءالقبيلتين، سواء كانوا ألفا أم ألفين، تدل هذه المجازر على تحول وتوحش مطرد لممارسات تنظيم داعش، إذ لم تعد موجهة ضد الشيعة والكورد ، العلويين والمسيحيين، أوغيرهم، وإنما بات التنظيم يستهدف بأفعاله وجرائمه كل الأطراف، ويبدو للمراقبين ان مجازر قبلتي الشعيطات في سورية والبونمر في العراق مؤشر جديد وشديد الوضوح على أنه لاحدود لهجمات داعش، ومن الصعوبة التكهن بمدى خطورته ووحشيته، وتحديد بوصلته بأي اتجاه ستنطلق، لذلك لايمكن لأي جهة، أو وسط إجتماعي أن يتجنب مخاطر هذا التنظيم المعقد والمنفلت من كل ضابط.
في هذه المناخات الدامية، آن الأوان لأخذ بعض الدورس واستخلاص بعض النتائج الأولية من خصوصية الأحداث والمجازر الأخيرة، خاصة تلك التي طالت أبناء القبائل العربية السنية الأصيلة، لأنها تدل بوضوح على أن غزوة داعش ليست بالضرورة موجهة ضد الكورد فحسب، وإنما طالت عمليا كل المكونات الاجتماعية والقومية والدينية في سورية والعراق، ولاينبغي لأحد ان يحاول أن يصور داعش على أنها قوة عربية تقاتل الكورد وتغزو كوردستان، فعدد الفرنسيين داخل التنظيم يتجاوز عدد السعوديين، على سبيل المثال لا الحصر.
أخيراً يبدو ان محنة العرب السنة ستكون أكبر من محنة الأطراف الأخرى، فمحنتهم كبيرة ومركبة نتيجة لسياسات وممارسات داعش المباشرة، لأن داعش باتت مشكلة داخلية بالنسبة لمناطق العرب السنة في سورية والعراق. فقد إحتل التنظيم ديارهم وأرغم الكثير من أهاليها على مبايعته، وأجبروا آخرون على دفع أبنائهم نحو ساحات الموت والإعدامات، سواء لمن إنخرط في صفوف داعش، أو من عارض ذلك، فهم في الحالتين يدفعون ثمنا باهظا لوجود داعش وسلطتها.
من منظور خارجي تتعرض وستتعرض مناطق العرب السنة - تحت خطة محاربة داعش -الى تخريب للبنية التحتية، وتوقف الحياة الاقتصادية، وتراجع التعليم فيها.
لكل ذلك فمن الخطأ والخطورة التصور بأن العرب السنة هم مستفيدون من داعش، أو قد يتخيل للبعض على أنه يمكن استثمار وجود داعش لتثبيت مكاسب سياسية.
أخير لا يمكن لي إلا وان اذكر وانبه النخب السياسية والثقافية العربية السنية الى مخاطر مستقبلهم السياسي، فلم يعد كافيا مجرد تسليحهم، كما حصل قبل عدة أيام في قاعدة عين الأسد في الأنبار، وانما على الجميع التفكير بإيجاد مخرج سياسي دائم من أسوأ أزمة تتعرض لها مناطق العرب السنة منذ قرون، كما آمل من النخب الكوردية في الوقت نفسه، أن تعلن وتعمل في سياق مقاومة ومحاربة داعش على مد يد العون لإخوتهم وجيرانهم العرب السنة، من أبناء القبائل التي تعرضت للمجاوز أو تلك التي تواجه الخطر. فثمة حقيقة لابد تكرارها، خلافا لما يعتقده البعض، تتلخص في أن مناطق العرب السنة تتعرض لأكبر كارثة سياسية في تاريخهم المعاصر، ولا مكاسب في الأفق. فليتم أولا تجنب الخسائر الكبرى، وتثبيت حق الضحايا وذويهم في توثيق هذه الجرائم وملاحقة القتلة والمتسببون وإن طال الزمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص