الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع طلبنة بنغلاديش

عبدالله المدني

2005 / 8 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


قبل نحو عامين كتبنا و كتب غيرنا محذرين من محاولات خفية تجري في الظلام على يد جماعات إسلامية متشددة لتحويل بنغلاديش إلى باكستان أو أفغانستان أخرى لجهة قتل استقرارها و ديمقراطيتها و وجهها التعددي و إخراج مجتمعاتها من سمة الاعتدال التي تميزت بها و جرها إلى حروب ميليشاوية، و صولا إلى إقامة ما يشبه نظام طالبان المدحور. و أتذكر وقتها أن سفارات دكا في الخليج نشطت في البحث عن كاتب هذا المقال لتعنفه على تحليله لأوضاع بلادها و لتنفي جملة و تفصيلا و جود أي خطر أصولي يهددها، بل اشتكته إلى وزارة الإعلام في أكثر من بلد خليجي، الأمر الذي لا تقوم به إلا سفارات الأنظمة غير الواثقة من نفسها أو تلك التي لا تهضم النقد و ليس لديها ما تفند به حجج الآخرين.

والحقيقة أن هذا الموقف لم يكن غريبا. فمنذ وصول حزب بنغلاديش الوطني بقيادة رئيسة الحكومة السيدة خالدة ضياء إلى الحكم في أكتوبر 2001 عبر تحالفه مع حزب جماعت إسلامي - أو الفرع البنغلاديشي لتنظيم الإخوان المسلمين ذو الارتباط القوي بمثيله في باكستان وذو النبرة المتعاطفة مع أجندة تنظيم القاعدة - والحكومة تنفي كل تقرير يتناول خطورة ذلك التحالف و ما برز على هامشه من استغلال قوى الإسلام السياسي لوجودهم في السلطة لنشر أفكارهم وتمرير أجندتهم الخاصة و حماية أشباههم الهاربين من دول أخرى آسيوية و عربية و إقصاء معارضيهم من الجماعات العلمانية و الليبرالية وعلى رأسهم رموز و أتباع حزب رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة واجد ابنة مؤسس الدولة المرحوم الشيخ مجيب الرحمن.

و الملاحظ في هذا السياق أن الحكومة عادت في أكثر من مناسبة لتعترف على استحياء ببعض ما نفته سابقا و اتهمت المعارضة بترويجه في الخارج، وذلك كنتيجة لاشتداد الضغط الخارجي عليها و حاجتها لتحسين صورتها من اجل تفادي العزلة واستمرار تدفق مساعدات المؤسسات الدولية المانحة . فقد سبق وان نفت وجود مؤسسات على أراضيها من تلك التي يدعم القيمون عليها الفكر المتشدد، ثم قامت بنفسها بإغلاق الفروع السبعين لمؤسسة الحرمين و طردت مسئوليها، في ما يشبه الاعتراف بالتقارير القائلة أن تلك المؤسسة الخيرية تحولت إلى مظلة لتمويل الجهاديين. كما أنها نفت مرارا التقارير الغربية و الدولية حول استغلال الأطفال في العمل الشاق أو تصديرهم إلى الخارج للاستخدام في مسابقات الهجن و حول غض النظر عن تطبيق عقوبات الرجم و الجلد في المناطق التي يهيمن عليها الإسلاميين، لتعود تحت الضغط و تعترف بالمشكلتين و تتخذ بعض الإجراءات حيالهما. والحكومة التي نفت على مدى سنوات التقارير التي تحدثت عن تحول البلاد شيئا فشيئا منذ منتصف التسعينات إلى ساحة تتكاثر فيها التنظيمات الميليشاوية المرتبطة بتنظيم القاعدة، هي التي عادت تحت وطأة الخوف من العقوبات الدولية فحظرت في بداية العام الجاري "جماعة المجاهدين" وتنظيم "جاغاراتا مسلم جاناتا بنغلاديش" واعتقلت العديد من رموزهما، لكن دون أن تتمكن من الرأسين الكبيرين للتنظيم الأول وهما "مولانا عبدالرحمن" و "صديق الرحمن" (المعروف باسم بنغالا باي)، بل إنها سرعان ما أفرجت تحت ضغط حلفائها الإسلاميين عن القيادي البارز في جماعة المجاهدين الأكاديمي المتشدد أسد الله غالب. و التنظيمان المذكوران اللذان يشتبه بأنهما جسم واحد و يستخدمان اسمين مختلفين، بل أسماء أخرى عديدة مثل "حزب التوحيد" و "توحيدي جاناتا" و "إسلامي شانغا" و "شهادتي حكمة"، بقصد التمويه متهمان بالضلوع في عمليات إرهاب و تحريض وقتل و تفجير ضد دور السينما و النساء السافرات وأساتذة الجامعات الليبراليين و الصحفيين العلمانيين، ناهيك عن استهدافهما لجماعة "الاحمدية" المثيرة للجدل لجهة تصنيفها الديني و ضد رموز حزب عوامي، بما فيهم الشيخة حسينة واجد التي نجت بأعجوبة من هجوم بالقنابل في أغسطس 2004 أثناء اجتماع جماهيري في دكا. هذا الهجوم الذي برأت الحكومة الإسلاميين المتشددين منه بقولها انه ناجم عن صراعات داخلية في حزب عوامي.

و جاءت التفجيرات الخمسمائة في السابع عشر من أغسطس الجاري، و التي وقعت في وقت متزامن في 60 مدينة و بلدة على امتداد بنغلاديش و استهدفت المؤسسات الحكومية و مباني القضاء و المجمعات التجارية و الحدائق العامة و الجامعات والشوارع الرئيسية المكتظة لتؤكد مرة أخرى خطورة الوضع و لتضع حكومة السيدة ضياء في موقف حرج. إذ انه باستثناء البعض ممن تستهويهم نظرية المؤامرة فينسبون كل عمل تخريبي إلى جهاز الموساد أو أجهزة المخابرات الغربية و الهندية، ومعهم أيضا أولئك القائلين باحتمال تورط المؤسسة العسكرية بغرض القفز إلى السلطة مجددا، فان كل الدلائل تشير إلى مسئولية جماعة المجاهدين المحظورة عن هذه الأعمال الإرهابية الأخيرة، خاصة مع وجود آلاف المطويات المكتوبة باللغتين البنغالية و العربية في مواقع التفجير من تلك التي تحمل اسم التنظيم و تتوعد الرئيس الأمريكي و رئيس الحكومة البريطانية و تدعو إلى نبذ الديمقراطية على اعتبار أن القرآن و السنة لا يجيزانها و إلى القتال من اجل تحرير البلاد من المشركين و الكفار وإقامة الدولة الإسلامية المطبقة لشرع الله (بحسب الدستورالذي اقر بعد انفصال البلاد عن باكستان فان بنغلاديش دولة علمانية اشتراكية، لكن زعيمها العسكري الجنرال ضياء الرحمن زوج رئيسة الوزراء الحالية قام بعد حركته الانقلابية في عام 1977 بشطب كلمتي العلمانية و الاشتراكية من الدستور. و حينما جاء الجنرال حسين إرشاد إلى السلطة في انقلاب عام 1988 أضاف إلى الدستور ما لم يكن قد تطرق إليه وهو أن الإسلام دين الدولة).

غير أن هذا التنظيم ما كان ليمتلك مثل هذه القوة لولا صمت و تراخي حكومة السيدة خالدة ضياء الطويلين حياله، مجاراة لخواطر شرائكها الإسلاميين، وطمعا في نيل دعمهم لها للاستمرار أطول فترة ممكنة في الحكم، هي التي كرر رموزها في أكثر من مناسبة أنهم لن يسمحوا لحزب المعارضة بالعودة إلى السلطة خلال السنوات الخمسين القادمة بأي ثمن!

كما أن تنامي قوة التنظيم المحظور يعود في جزء منه – كما يقال- إلى حماية و دعم خفي من قبل الطرف الإسلامي المشارك في الحكم، على اعتبار أن الهدف النهائي لهما واحد و يتمثل في زعزعة الأوضاع و شل المؤسسات الديمقراطية من اجل خلق حالة من الفوضى تبرر وثوبهما إلى السلطة كمنقذين، أي على غرار ما فعلته حركة طالبان في عام 1996 حينما أوهمت الأفغان أنها جاءت لتنقذهم من الفوضى و العنف و تؤمن لهم الاستقرار و السلام. وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن المدعو "بنغالا باي" والعديد من أتباعه كانوا إلى وقت قريب أعضاء في حزب جماعت إسلامي. وتقول مصادر المعارضة أن انشقاقهم عن الحزب الأم تكتيكي و لأغراض القيام بأنشطة لا يستطيع الأخير القيام به في ظل مشاركته في الحكم.

إن الوقت قد حان لقيام حكومة السيدة ضياء بعمل كبير في حجم ما تواجهه بنغلاديش من مشاريع خطيرة لطلبنتها و بالتالي قتل حلم الدولة الديمقراطية الواعدة الذي سفكت من اجله بحار من الدماء في عام 1971 . واقل ما تقوم به زعيمة البلاد هو أن تعترف صراحة بأن بنغلاديش تواجه إرهابا أصوليا و أن تتجاوز خلافاتها مع غريمتها حسينة واجد فتدعو إلى قيام حكومة وحدة وطنية من حزبي البلاد الكبيرين (بنغلاديش الوطني ورابطة عوامي)، سيما و أن أعمال الإرهاب وأجندات التنظيمات المتشددة تستهدفهما معا.

نعم ، هناك عداء تاريخي بين الحزبين منذ انفصال بنغلاديش عن باكستان، و صراع إيديولوجي و مواقف متضادة حيال الكثير من القضايا، فضلا عن علاقات الكراهية بين زعيمتيهما، لكن ألا يستحق الوطن في ساعات المحن و الأخطار أن يتسامى ساسته فوق خلافاتهم؟

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 24 أغسطس 2005
البريد الالكتروني: [email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟