الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمهيد الأيديولوجي للقبول بالسيطرة الداعشية على أوطاننا

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2014 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



طرح في فترة من الفترات أحد رؤساء حكوماتنا مسألة العثمانيين في الجزائر، وأعتبرهم إحتلالا وإستعمارا، مما يدفعنا إلى إعادة طرح مسائل عديدة في تاريخنا يجب إعادة النظر فيها تحصينا لأبنائنا من أي قبول لسيطرة أجنبية على جزائرنا سواء كان بإسم الدين أو التمدين الأوروبي أو أي غطاء آخر، ففي الحقيقة فقد ساعد العثمانيون شعبنا لمواجهة الخطر الإسباني، كما ساعدنا عرب المشرق لمواجهة الإستعمار الفرنسي، لكن هل من المعقول أن تتحول هذه المساعدات إلى سعي للسيطرة على الجزائر أو جعلها تابعة لهم، فبشأن العثمانيين فقد حولوا مساعداتهم لنا في القرن 16م إلى إستعمار بشع لشعبنا لو فتحناه لأقشعرت منه الأبدان، لكن كل هذا تم إخفائه في كتاباتنا التاريخية، ورفض مؤرخونا في الفترة الإستعمارية التطرق إلى هذه المسالة رغبة منهم في عدم إعطاء فرصة لفرنسا التي كانت تنفي وجود دولة جزائرية قبل1830، فذهب هذا المنحى كل من توفيق المدني ثم تبعه بشكل مبالغ مولود قاسم، لكن في فترة كان الإستعمار الفرنسي قد حمل حقائبه، وكان بإمكاننا مواجهة هذا الطرح الأيديولوجي الإستعماري الذي ينفي الأمة الجزائرية بالعودة إلى تاريخنا القديم والإسلامي الذي يبرز بشكل جلي عراقة هذه الأمة والحديث عن دول جزائرية بتسميات شتى كنوميديا والحمادية والرستمية التي رفضت إستعمارا أمويا وغيرها من الدول التي أنشأها شعبنا عبر تاريخه الطويل جدا، وهذا ما قام به مبارك الميلي، وكذلك محمد الشريف الساحلي آنذاك، والذي يقول صراحة أن العثمانيين إستعمارا وإحتلالا حتى ولو تدثر بالدين، لكن هناك تيارات أيديولوجية في الجزائر بإمكانها القبول بسيطرة أو تبعية لأي قوة أجنبية إن كانت تتغطى بالإسلام أو العروبة، فهم بذلك يمهدون الطريق للسيطرة على وطننا في المستقبل تحت غطاء ديني أو عروبي، وبإستمرارهم في طرحهم فهم يدفعوا بعض الجزائريين مستقبلا للقبول بسيطرة الحركة الإرهابية داعش التي تدعي أنها تمثل وتبني دولة "الخلافة".
إن هذه التيارات هي التي تخفي أن العثمانيين إستعمارا إلا لأننا نشترك معهم في الدين، ويخفى عليهم أنهم استغلوا شعبنا وخيراتنا، وقسموه إلى قبائل المخزن وقبائل الرعية، فالأولى تقاتل الثانية لجلب الضرائب للحكام العثمانيين مقابل عدم دفعها هذه الضرائب الظالمة والمجحفة، والتي هي نفسها تقريبا الضرائب التي فرضها الإستعمار الفرنسي فيما بعد، وأن دراسة قبائل المخزن يسمح لنا بفهم جذور الإنتهازية في جزائر اليوم، لأن هذه القبائل التي كانت تخدم العثمانيين هي التي عرضت خدماتها على الإستعمار الفرنسي بمجرد ما هرب العثمانيون بالأموال التي نهبت من شعبنا، وهذه القبائل هي التي كانت تغير مواقفها حسب ضعف أو قوة الأمير عبد القادر، وكانت أحد أسباب فشل مقاومته الباسلة بعد ماساهمت في حصاره، ومنها برزت هذه الإنتهازية في جزائر اليوم والمهددة لأمتنا، والتي تطبل لكل قوي ومستعدة للتطبيل لأي قوة أجنبية، لأنها تحركها البطون، فهي بني وي وي في العهد الإستعماري وبني نعم بعد إسترجاع الإستقلال.
إن هذه التيارات هي التي تخفي أن الشيخ محي الدين أب الأمير عبد القادر كان أحد أكبر المقاومين للسيطرة العثمانية لدرجة نفيه من البلاد، وهي التي أشاعت في مدراسنا وجامعاتنا أن حمدان خوجة من المقاومين السياسيين للإستعمار الفرنسي، وهي أكذوبة كبرى، فلم يكن كتابه "المرآة" في الحقيقة إلا جزء من تقرير مخابراتي قدمه للجنة الأفريقية التي نصبتها فرنسا، فزودها بمعلومات عن شعبنا كي تعرف فرنسا الإستعمارية كيف تتعامل معه، وهو تقرير مليء بالعنصرية ضده، خاصة عند حديثة عن منطقة القبائل إلا لأنها كانت من المناطق الرافضة بشراسة لهذه السيطرة العثمانية مثل الكثير من الجزائريين الآخرين، وهو الذي مهد لكل التشويهات التي تعرضت لها المنطقة في العهد الإستعماري في إطار سياسة فرق تسد بين الجزائريين التي طبقها الإستعمار بإحكام.
أن هذه التيارات هي التي مافتئت تكرر علينا الكثير من أكاذيب المؤرخين الأمويين، وتعتبرها مصادرا لا يرقى لها الشك مغيبين منهج نقد الخطابات التاريخية، وتتهجم وتتهم بالكفر كل من يعتبر أن الأمويين جاءوا لبلادنا للسيطرة عليها في إطار توسع أمبرطوري مستغلين الدين، وتخفي على أبنائنا بأن أجدادنا قد اعتنقوا الإسلام بنسبة كبيرة منذ عهد عمر بن الخطاب بعد ما ذهب إليه وفدا يستفسره عن الإسلام، فكيف سينقل لنا الإسلام الصحيح حكاما عبثوا بجثة حفيد سيدنا محمد) ص(، وضربوا الكعبة الشريفة بالمنجنيق، وشوهوا الإسلام، ومارسوا العنصرية والشعوبية ضد كل من ليس بعربي وما يسمونهم بالموالي، وكانوا يطلبون من الولاة مدهم بالجواري من الأراضي التي أستعمروها، ولماذا تخفي هذه التيارات أن أجدادنا طردوا هؤلاء الغزاة من أرضنا، لكنهم دخلوا الإسلام جميعا، وبقوا أوفياء للإسلام الذي تلقوه عن سيدنا عمر المتماشي مع روحهم الجمهورية والديمقراطية رافضين كل من الطرح الأموي الذي حصر الخلافة في قريش والطرح الشيعي الذي حصرها في أهل البيت، وهو مايناقض روح الإسلام الحقيقية التي تعدل وتساوي بين كل البشر، وأقاموا أول جمهورية مستقلة في تاريخ الإسلام، وهي الدولة الرستمية، وعاصمتها تيهرت.
أن هذه التيارات هي التي سعت لتحريف حقيقة الثورة الجزائرية التي ماكانت إلا ثورة وطنية وليست دينية هدفها تحرير الأرض والإنسان، وشارك فيها المتدين وغير المتدين وكل شرائح الأمة الجزائرية بكل توجهاتها الأيديولوجية والثقافية والطبقية وغيرها بهدف طرد الإستعمار، وتقف هذه التيارات أيضا ضد أرضية الصومام إلا لأنها رفضت أن تكون الجزائر تابعة لأي عاصمة أجنبية بما فيها القاهرة، فدفع عبان ثمنا لذلك بتشويهه من هؤلاء، كما شوهوا كل الوطنيين الذين آمنوا بالأمة الجزائرية العريقة وإستقلالها، ووضعوها فوق كل إعتبار.
فيجب أن نغرس في أبنائنا فكرة رفض أي قوة أو سيطرة أجنبية مهما كانت حتى ولو جاءت من أخوة لنا في الدين، بل رفض إستبداد حتى أبن البلد وإعتباره "إستعمارا داخليا"-حسب تعبير برهان غليون-، لأن بذلك نمنع أي إستبداد كان، كما نحصنهم ونقضي على إحدى الأسس الأيديولوجية للإرهاب التي تجعل بعض الجزائريين يقبلون ببيعة بن لادن وداعش وآل سعود وآل عثمان وغيرهم تحت غطاء الإسلام، كما سعى البعض إلى مبايعة عبد الناصر أو صدام تحت غطاء العروبة، فالغزو والسيطرة يبدأ في العقول قبل الأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلى أين سيقود ستارمر بريطانيا؟ | المسائية


.. غزة .. هل اجتمعت الظروف و-الضغوط- لوقف إطلاق النار؟ • فرانس




.. تركيا وسوريا.. مساعي التقارب| #التاسعة


.. الانتخابات الإيرانية.. تمديد موعد التصويت مرتين في جولة الإ




.. جهود التهدئة في غزة.. ترقب بشأن فرص التوصل لاتفاق | #غرفة_ال