الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زقنموت (رواية) 4

تحسين كرمياني

2014 / 11 / 14
الادب والفن


(مها)عاشقة استثنائية.
تحولت في لحظة ما إلى مصباح متوهج،لم تكن كذلك أيام مروره بها،ربما شعوره لم يكن حاضراً حين كان يمر،على ما يبدو كانت تتصيده،قعدت تنتظر فرصة نضوج رغبتها،تنتظر منه نظرة حب،كان يزمع أنها طفلة رغم اكتناز جسدها،وقوّة البسمة على شفتيها،ما تزال بعيدة عن سكّة الهوى،خالها تجلس هاربة من مشاغل البيت،أو ما تزال طفولتها تقودها.
لم يجد ضوءً يسحره،رغم أنها لم تتبدل،ما تزال تتحلى بصمتها،برقة بسمتها،بنظرات تنطق شعراً،كان أسير صدمة عاطفية قريبة،ظلّت تحجمه وتخرجه من واقعه،تحجب عنه ملامح الأشياء الجميلة،وجوه الفتيات، لا وجه يعوّض وجهاً ترسخ في ذهنه،وجه فتاة ومضت فجأة وغابت فجأة.
ما زالت(مهدية)تمتثل في ذاكرته،نشيد أوّل،اطرب قلبه لسويعات لا تنسى،فتاة أولى حفرت لنفسها موقعاً مرموقاً في قلبه،رغم حضورها السريع وخروجها الأسرع من عالمه،تمكنت من وقف قلبه من عواصف عواطفه،خال الحب أكذوبة،الحياة خاضعة لحسابات معقدة،ليس كل فتاة ترتبط بها يمكنها أن تعيد الضلع المبتور،صدمة(مهدية)تركت سخونة ما تزال تهيج دمه،تغلق باب التفكير كلما أراد أن يرتبط بواحدة ثانية، ما تزال ماثلة لا تبارح ذاكرته،حب أوّل،يصعب هدمه،يتعذر هجره،كانت الميلاد الأوّل،تركته بلا رغبة منها،فقدت وسائلها المتاحة،رفعت راية اليأس،أبقته مسافراً في عالم ضبابي،ليله حرب مع الجحيم،نهاره ضياع متواصل في الوديان،خلف الجبال،يبحث عن موت طال عليه.
وجد الشعر عالماً يستوعبه،يمكنه أن يرسم ما يحلو له من علاقات غير طبيعية،أن يختار الفتاة الحلم من بين فتيات الخيال.

أهرب
تصافحني طفولتي
يقول يقيني:
ـ إنما المرء يسعى
المرايا
قلادات أخطاء على مساء العمر
أشلاء تتبعثر
تفنى
ليس كل من يحرث الوقت
يكسب المعنى
أنت تحاول تطويع قلبك لسلطة المغنى
عشقك الراحل
لا تسميه الأسمى
سترحل المراكب
ستسكن بيوت العناكب
اعلم
أن أوهن مسالك الحب
درب يلقي ساكنه
طيراً
بلا صنو
بلا مأوى.!
***
مثل جائع يتابع رائحة زكية بأنفه،غامضاً عينيه،لا شيء يشغل الفكر سوى السحر السابح،بدأ ذهنه يطارد كلمات تتجحفل في مكان ما،لم يكن لحظتها يشعر بأن(مها)تمتلك الألق والرغبة والأنوثة،وجدها بريئة مسكونة بـ شراب الواقع،سريعاً خرجت من طور طفولتها،صارت تتهيأ بزينة مناسبة،رغم تواضع زينتها كانت كافية لإضفاء مسحة جمال مضافاً لملامحها،بدأت تتعلم بسرعة أشياء كثيرة،تعلمت كيف تنحت عينيها فيه،كيف تبتسم ومتى،كيف تسحب الشهيق،متى تحرره،حفظت أوقات خروجه،أوقات عودته،قبل أن يتحول السراب إلى حقيقة،رغم تواجد الخوف والصدمة،وجد أنها تصطنع جمل واثقة،وجدها تذوب فيه،تحاول أن تلتهمه بنظرات ناطقة،راحت تحيطه بهالة ضوئية تأخذه بعيداً إلى عالم جديد،عالم يختلف عن عالم الصدمة (مهدية).

بسمة(مها)راية
سر ألق معلوم الغاية
شفتاها ضفتا نهر دائم الغضب
الله حولني مركب حب
من يقودني
في زمن اليأس
إلى النهاية.!
***
تحول شعره(مها)،شغله الكامل،عوّض عن غيّاب فرص السعادة من أفق مستقبله بعد فقدانه(مهدية):
(مها)مدرستي القادمة.(قال لسانه)
حضر كلام عابر،قاله الأب لصديقه ذات ليلة:
((البيت الأوّل بعه،البيت الثاني أجرّه،البيت الثالث أسكن فيه.))
كان صديق الأب متعباً جرّاء تعميرات متواصلة في بيته،وجد فلسفة البناء والحياة الهنيئة تخرج من لسان الأب.
هل يهجر الفتاة الأولى،يهمل الفتاة الثانية،ويتزوج الفتاة الثالثة،على غرار فن البناء،من يضمن أن الثالثة تكون أعقل وأكثر جديّة لبناء الأسرة الصالحة،لا..لا..لا يمكن مقارنة الأشياء مع بعضها،البناء تجربة تعطي المرء خبرات،البناء تعامل(هندسلوجي وتكنلوجي وفزيولوجي وطقسلوجي)مع الجمادات،الحب قدر أحادي الجانب،تعامل(قلبلوجي)محض،حين يدرك القلب يموت فيه،الحب الأوّل بئر عذبة الماء تفاجئ الصائم الظمآن عند الغروب في قلب صحراء.
تجرأت(مها)أن تقتحم حاجز الخوف،مثلما فعلت(مهدية)يوم باغتته وربطته بورطة قلبها.
كان يتهادى في سيره عصراً،في مكان كان يتخذه خلوة لقراءاته،كتاب(الفيزياء)مرمياً في التراب،كان منشغلاً بحفظ قصائد(نزار القباني)، وجدها تقترب،لم يتمالك نفسه،جف حلقه،وقفت قربه.
((أصيل الخير ماهر.))
((أصيلك أكثر خيراً.))
((ماذا تقرأ.؟))
((كما ترين..))
((أيهما مستقبلك.؟))
كانت تنظر بعين حائرة إلى كتاب(الفيزياء)مرمياً على الأرض.
((الشعر فيزياء الحياة،يمنح الحياة سر ديمومتها وجماليتها.))
((والفيزياء.؟))
((قوانين تلجم الشعر من الانفلات خارج سياج الواقع.))
((سمعت أنك بصدد ترك الدراسة.))
((لم تعد الدراسة تهمني.))
((على أقل تقدير أنها تنجيك من الجيش.))
((كل شيء انتهى.))
((وماذا تريد مني.؟))
((ها..!))
((ناديتني..))
((أأأنا..!))
((أشرت بيدك فجئت.))
((آه..حضورك أنساني كل شيء.))
((الشعراء ذاكرتهم قوية.))
((أنت شاطرة يا ـ مها ـ ))
صمت.
كانت تغسله بعينين فيهما فرح كبير،جريئة تقف،عينها تحفر وجهه،وبسمتها تمنحه شجاعة،كان (ماهر)يرتجف،لسانه تحرر قليلاً قبل أن يتخشب،لم يجد حيلة كي يواصل احتواء اللحظة،فكره أنشغل بصدمة المفاجأة،نسى في تلك اللحظة،أن الحياة تتشكل أحياناً من صدفة مباركة،مثلما تولد القصائد الخالدة،ثغرها مصطبغ بلون بريء،عيناها متوهجتان بجمرة متوقدة في فرن قلبها،كعاشقة خبيرة لم تحتمل الصمت طويلاً..قالت:
((ماذا تريد.؟))
((نتكلم.!))
((حسناً أنا جئت.))
((تكلمنا..))
((هل انتهيت.؟))
((لا أعرف ماذا أقول.))
((ماهر..!))
قالتها بحنين وشوق وظمأ،وربما بحرقة أو غصّة،خرج صوتها تنهيدة غريقة،نداء محتضرة،أغمضت عينيها،وجدها حديقة شعر،فتحت عينيها..واصلت كلامها:
((ماهر..هل تحبني.؟))
((أحبك..!))
أنطلق صاروخ عاطفي من مستودع رغبته،ازدادت تألقاً،توهج وجهها،لمعت عيناها،لم تحتمل الدمار الذي خلخل روحها،انفرجت شفتاها:
((ماذا تريد مني.؟))
((كل شيء.))
((ماهر..!))
فتحت ثغرها.
لاح الجواب،صارخاً،واقفاً هناك بين رفي أسنانها،كان يلمع،يغري،قرأ الكلمة:
((تعااااااااااااا..))
كلمة ساحرة تمتد إلى نهايات الأفق،لا حرف تجرأ أن يوقف زحف حرف الألف،ظلّ الألف يمتد ويمتد إلى الأبد،إلى أعماقه،إلى نهايات لا تنتهي.
طأطأت رأسها،لم تكن خائفة،شجاعتها قتلت خوفه..همست:
((أخشى أن يرانا شخصاً ما.))
تضاعفت عزيمته،كانت تمده بفيض معنويات،تمد أذرع،تسانده،تلتف حوله،تسحبه لتكملة مشوار الحياة. تمتم:
((المكان أمين.))
تقدم منها.
توقف العالم عن الحزن،ربما توقفت الحرب في تلك اللحظة إكراماً لمشهد خالد،عربوناً لديمومة الحياة في ظل الحروب،رفع وجهها بيد مرتجفة،أغمضت عينيها،وجه مليء بالضوء،باليقين.
لم يتمالك فرحه،تفاقم هلعه،سقط بـ شراهة،فمه على فمها..!!

أخيراً..
سر هذا الهلع لاح
آن أن أطوي ما في
من بقايا جراح
من أين جاء مطر السعادة
من أي غيمة هطل
من أي بحر أنتفض
ليت كنت الرياح
ليلي..
قبل الأوان كان ساحة أتراح
نهاري..آه نهاري
لم يبتدئه ذات يوم سكرة الصباح
حرب تستصرخني
لا وقت للحب يا شاعر
حي على الكفاح
أي كفاح يا عالم
برازه السلاح
الحرب مهنة كل متجبر داعر
الحرب..كل حرب
تخرب البيوت
وتأكل الأفراح
تأتي الحرب
عندما يأتي على صهوة حصان الغضب
صعلوك الأتراح
يشهر سيف المقابر
لنغدو أشباه بشر
تصلبنا مسامير القسوة
على الألواح.!
***









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل