الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسودة الدستور اولوية امريكية وليست جماهيرية

طه معروف

2005 / 8 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تصميم الحكومة الامريكية على اصدار "الدستور" على وجه السرعة هي وصفة سريعة للكارثة التي تحدث في العراق، ترجع الى حاجة الإدارة الامريكية الماسة لابلاغ العالم وخصوصا منافساتها من الدول الرأسمالية ،بأن سياستها في العراق تحرز تقدما في الوقت الذي تتعمق يوم بعد يوم حدة الخلافات داخل اجنحة الادارة الامريكية حول مستقبل الحرب وبقاء القوات الامريكية هناك وبات التنبؤ بالفشل يردد من قبل صانعوا القرار السياسي الامريكي ،حيث دعا السناتور الجمهوري( تشاك هاغل) إدارة بوش الى اعداد استراتيجية الخروج من العراق قائلا:(ان الوجود الامريكي هناك زاد من عدم الاستقرار في الشرق الاوسط وان الحرب تتجه لتبدو مثل فيتنام). والمح هنري كسنجر من ناحيته ايضا بخطورة مستقبل الحرب الامريكية على العراق وفشله بايجاد حكومة قادرة على السيطرة على الوضع السياسي والامني وزاد: ان الوضع يشبه اوضاع حرب فيتنام . وجاءت هذه التصريحات متزامنة مع تزايد السخط الجماهيري الامريكي الذي ساهم حظوره الفعال في السبعينات من القرن الماضي بإلحاق الهزيمة بالحرب الامريكية على فيتنام .
ان تصاعد حدة الخلافات في صفوف الهيئة الحاكمة الامريكية والقاء اللوم على إدارة بوش حول فشلها لإنجاز مهامها بالقضاء على المجموعات الارهابية المسلحة في العراق ولإيجاد حكومة عميلة تابعة لها والتأكيد من جانبهم بأن حربهم ادت الى زعزعة الاستقرار ليس فقط في العراق وانما في المنطقة ايضا وان "حربهم على الارهاب" ادت الى ازدياد وتيرة العنف حسب ما جاء في اقوال اكثر من جهة سياسية امريكية .للخروج من هذا المأزق السياسي بدأت الحكومة الامريكية بتكثيف نشاطها صوب "عملية صياغة الدستور" بوصفها أولوية سياسية في الظرف الراهن وخولت سفيرها لدى العراق زالماي خليل زاد،اللذي يعتبر خبيرا بارعا في تنظيم صفوف رجال العشائر والاسلاميين والقوميين للتآمر ولقمع الجماهيرالمحبة للحرية، بالمشاركة الفعلية في هذه العملية, لإفغنة العراق ، وبالأعتماد على العملاء الرجعيين من القوميين الكرد والحركات الاسلامية الشيعية و السنية وسخر المذكور دوره المشؤوم لتقريب وجهات النظر للإقرار والتوافق على الدولة الاسلامية و على الاسلام كمصدر اساسي تشتق منه كل القوانين .
ما يميز هذه العملية المزيفة عن سابقتها هي كونها تجري في ظرف تنامي الشعور بالاحباط والفشل لدى الاوساط الامريكية في حربها على العراق وما يترتب عليه من انعكاسات سلبية حول موقعها السياسي كقوة مهيمنة في العالم حيث ان حدوث اي تراجع وفشل في الوضع العراقي سيؤدي لامحال الى تراجع امريكا سياسيا وآيديولوجيا امام منافساتها من الدول الراسمالية الاخرى التي عارضت الحرب الامريكية على العراق بمعزل عنها و بقيت صامتة لشعورها بالرضا تقريبا إزاء مايجري في العراق وخصوصا حول الانتكاسات الامريكية المتكررة وعدم احرازها اي تقدم في مشاريعها المعلنة او غير المعلنة في العراق او المنطقة وحتى تحالفها مع امريكا في محاربة الارهاب الاسلامي أوعدم ارتياحها لرؤية الهزيمة الامريكية مقابل الارهاب الاسلامي ، بل ان ذلك لا يمنعها من ابداء سرورها عندما تشاهد اكبرالقوى المنافسة لها في العالم تنزف دما في الساحة العراقية وتدور في دائرة مغلقة يغطي عليها غطاء الفشل المنتظر و المحتوم.
فبعد انهيارا لكتلة الشرقية السوفيتية ،شهد العالم نوع من الانسجام في صفوف الدول الرأسمالية الغربية المنتصرة بقيادة الامبريالية الامريكية ، نظمت مؤسساتها السياسية والاعلامية والعسكرية لتفتيت الكيانات السياسية في دول الكتلة الشرقية سابقا عبر صنع وزرع العدائات الطائفية والقومية ونجحت في إيجاد الحكومات الموالية لها بعد اشعال وفرض حروبها الرجعية على الجماهير الآمنة في هذه البلدان التي الحقت بهم الدمارجراء تلك السياسات العدوانية .وخرجت من حروبها منتصرة ومنسجمة في الظاهر و حتى في حرب افغانستان اتفقوا على المشاركة وزجوا فيها جيوشهم تحت القيادة الامريكية. وجاءت الحرب على العراق لتنهي ايام الانسجامات وتحالفات الكتل الراسمالية وتحولت المسألة العراقية الى المسألة المحورية والمصيرية بالنسبة للدول الرأسمالية وانسجاماتها السياسية المؤقتة التي ادت في النهاية الى حدوث التكتلات الجديدة بوجه امريكا واعلنت اكثر من دول رئيسية امتناعها وعدم موافقتها على الحرب الامريكية على العراق وبعد بروز علامات فشل المشروع الامريكي في العراق وفي المنطقة تحت يافطة "مشروع الشرق الاوسط الكبير لنشر الاصلاح والديمقراطيةعن طريق دعم المؤسسات مجتمع المدني ومساندة حقوق المرأة والشراكة الاقتصادية والتعددية السياسية" المزعومة , تمسكت امريكا بحلقة ضعيفة من سلسلة الحلقات الفاشلة سابقا وهي انجاز وصياغة الدستور وجعلت منها مادة اعلامية وسياسية ضخمة في وسائل الاعلام الامريكية والعالمية بهدف :
1- توجيه رسالة الى منافستها من الدول الرأسمالية المعارضة للوجود الامريكي في العراق ،لتقول لها بأن مشاريعها في العراق لاتزال على قيد الحياة وغير ميتة "وتحرز التقدم" و2- تضليل وخداع الرأي العام الامريكي الذي يتصاعد سخطه ضد الحرب في العراق و3- وعلى صعيد الشأن العراقي الداخلي هو محاولة لإيجاد حكومة رجعية قادرة على سحق إرادة الجماهير، تفسح لها المجال لبقاء قواتها في ظل"الشرعية الحكومية" لتسهل لها الطريق للخروج من العراق " كقوةمنتصرة في حربها على الارهاب ولتعلن للعالم بأنها اكملت مهماتها التي وضعتها على عاتقها في حربها على العراق".
4-والنقطة الاخيرة وراء اصرارامريكا للتعجيل بعملية صوغ الدستورهو لإ قناع الجماعات المسلحة الارهابية للدخول في العملية السياسية الامريكية ولتجنب المزيد من المواجهات العسكرية معها بعد ان توصلت الى قناعة ثابتة بعدم جدوى هذا الاسلوب المتبع منذ اكثر من سنتين والذي اوقعت مزيدا من الخسائر في صفوف قوى الاحتلال .ومن ناحية اخرى فان مساندة إقامة الدولة الاسلامية في العراق هو بمثابة رسالة امريكية للجماعات المسلحة الاجرامية للإشتراك في عمليتها السياسية في العراق وتأكيد امريكي داخل العراق وفي المنطقة ،بأن البديل الاسلامي والحركات الاسلامية الممثلة له لا يتعارض مع مصالح وسياسة امريكيا بل انها ترحب بها وببديلها المذكور .
إن هذه اللعبة الدستورية ليست سوى إضفاء الشرعية على تهميش دور الجماهير وحرمانهم من ادنى مستلزمات الحياة المعيشية البدائية ولإدامة الحرب الداخلية بين الاطراف الرجعية التي تشكل تمهيدا للحرب الاهلية مثلما حدث في رواندا وفي يوغوسلافيا السابقة في القرن الماضي وان بنود ومحتوى الدستورليست سوى رسالة لعبودية الجماهير تحت تسلط الطائفيين والقوميين وهي وثيقة لإنتزاع الهوية الانسانية للجماهير مقابل الهوية العرقية والطائفية .
ان مسألة الدستور لا تشكل في الوقت الراهن مطلبا جماهيريا ملحا بقدر ضمان الامن والخبز والخدمات الاساسية الاخرى بل انها لعبة امريكية اهدافها تتناقض مع اهداف الجماهير في العيش بحرية وسلام وان الاطراف التي تطبل وتروج للدستور ،هي نفسها مصدرالبؤس و المآسي الجاثمة على صدور الجماهير و ان هؤلاء المجرمين من القوميين والاسلاميين الذين دافعوا على مدى 13سنة من الحصار الجائر على العراق وهتفوا لتجويع الجماهيرو ها هم الآن يستمرون على نفس المنهج لتجويع وحرمان الجماهير من ادنى مستلزمات تامين الحياة العادية وضمان الامن والاستقرار.
ان الحرب التي اضرمت نيرانها امريكا بالتعاون مع قوى سيناريو الاسود ،حولت العراق الى كهف الطوائف والقبائل وانتزعت الهوية الانسانية للإنسان العراقي وبات ادراج الناس في القوائم الطائفية والقومية المختلفة محل الجوهر الانساني هو الشكل السائد للتعامل مع المواطن العادي و تأتي اللعبة الدستورية لتعميق هذه الخلافات وتوسع ابعادها وتضفي عليها "الشرعية الدستورية" تمهيدا للحرب الاهلية التي بدأت فعلا في مناطق وسط وجنوب العراق من خلال التلويح بشعارات إسقاط مشاريع الاطراف الاخرى .
ان السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع من خطر نشوب الحرب الاهلية والتخلص من سياط الاسلاميين والقوميين ، هو الشروع بالعمل الثوري ضد الوضع القائم وتنظيم الصفوف في الاحزاب والمنظمات الجماهيرية الثورية وان الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومؤتمرحرية العراق ومنظمة حرية المرأة تقف في طليعة هذه القوى اليسارية والعلمانية لإنقاذ الجماهير من براثن القوى الرجعية وحربهم المدمرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارات جوية عنيفة من الاحتلال على رفح في قطاع غزة


.. 6 شهداء وجرحى وصلوا مستشفى الكويت التخصصي برفح جراء قصف إسرا




.. الخارجية الأمريكية: لا ينبغي أن تكون هناك مساواة بين إسرائيل


.. وجوه جديدة تظهر في سدة الحكم أبرزها محمد مخبر النائبِ الأولِ




.. العلماء يكتشفون فيروسات نادرة عملاقة عمرها 1.5 مليار عام