الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاريع ساخنة في درجة حرارة فوق الخمسين

طلال شاكر

2005 / 8 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مشاريع ساخنة في درجة حرارة
فوق الخمسين
لم يعد التلاعب بالمفاهيم السياسية وتكييف معناها ولفظها في مجرى نمطي مكرر مجدياً في نطاق الفعل السياسي وملموسيته، وهو لاينجز مبتغاه غالباً الا في سياق الخديعة والديماغوجية والتضليل، التي صارت جزء من الخطاب السياسي التقليدي الراهن، وهذا التلاعب هو انعكاس للفساد السياسي السائد، ومكائد سياسة الاستحواذ والهيمنة، التي تمارسها الاحزاب الكبيرة، وكلما وقع مفهوم سياسي ،مثل الفدرالية ، توزيع الثروات، موقع الدين ، السنة، الشيعة، كركوك، الخ من هذه المفاهيم بين شدقي مسوؤل حتى يعيد مضغه متشدقاً ليخرجه اليك مبهماً عائماً، فتقع في لجة الحيرة والالتباس لتفسير مايقصده ويريده هذا المسوؤل،على لسان ناطقه الرسمي مرة اوناطقه الصحفي مرة اخرى، او مايقوله هو مباشرة ناهيك عن التناقضات في هذه التصريحات والتلميحات، وعندما تطرح مفاهيم مثلا كالفدرالية تبدا التنظيرات والتصورات وهي تناى عن الواقع العراقي واشكالياته وملموسيته ومع كل التفسيرات التي يقدمونها والاستعارات التي يعرضونها عن التجارب العالمية، بكل اسف اقول تبقى التجربة العراقية تحمل خصوصيتها واستثنائيتها، ولاتشبهها اية تجربة ولاينطبق عليها الامعيار خصوصيتها، طبعاً نحن لانعيش في كوكب اخر ولكننا لم نخرج بعد من استثنائية خصوصيتنا واشكالية تكونها وحلها في ظل تنوع يبحث عن هويته اولا. وعندما نعود الى الثقافة السياسية وفكرها الذي اداروحكم اول دولة وطنية 1921 سنلمس وبوضوح ان انظمةالحكم المتعاقبة على حكم بلادنا منذ ذلك التاريخ،بقيت تتواصل بحمل ارث ذلك الفكر وثقافته القائم على حكم مركزي بنى الياته على مفهوم الفكرة السياسة وشعاراتها القائمة على انية الهدف ودوافعه الضيقة، دون خضوع اي مشروع سياسي للدراسة الناضجة وتوافقه مع المصلحة الوطنية، فالنظام الملكي ، مثالا لاحصراً دخل حلف بغداد 1955 دون ان تكون لبلادنا مصلحة فيه اوالاتحاد الهاشمي 1957 الذي خضع لدواعي سياسية فوقية لامصلحة للعراق فيها، والنظام الجمهوري 1958 كرر اخطاء تفتقد الى موجبات نجاحها رغم ضرورتها كقانون الاصلاح الزراعي، وتكرار الاخطاء كقوانين التأميم 1964 اما تكرار الاخطاء 1968 بعد استلام البعث فحدث ولاحرج ولايمكن حصرها في مشروع اوقانون، من هذا الايجاز يبدو ان طرح المشاريع الساخنة كانت جزء من ثقافة سياسة عراقية متأصلة تقوم على مفهوم الفكرة السياسية وشعاراتها وليس على المصلحة الوطنية بمفهوم سياسي ناضج، وكانت جزءملازماً لجوهر الدولة المركزية ومذهبها السياسي، والعديد من هذه المشاريع طرحت في تجمع جماهيري من خلال خطاب يلقيه قائد متحمس تدور في راسه فكرة سياسية او كرد فعل سياسي استفز السلطة اوالحاكم، ويبدو ان تقاليد هذه السياسة وثقافتها مازات حية في الوجدان السياسي الراهن ، رغم الانفجار الكبير الذي حدث في التاسع من نيسان، والذي تغيرت فيه الكثيرمن المفاهيم والمصطلحات الا( مركزية ) الراي واستبداه في ذهنية الكبار، ولايبدو طرح مفهوم الفدرالية خارج هذا السياق، فهو مشروع ساخن لا بل ملتهب وهومشروع لايحمل تدرجه الطبيعي لانه طرح لاول مرة في كردستان العراق في ظل احتراب وتفكك وانقطاع عن الدولة المركزية بعد 1991وفرضته الارادة السياسية وليس الخيار السياسي الموحد للشعب العراقي . وعندما نعود الى مفهوم الفدرالية التي طرحها السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية لتسع محافظات، فان هذا الطرح لايبدو منقطعاً عن تراث سياسي عراقي استمرئ الحلول المتطرفة التي غالباً ماتنشأ في ظل ظروف ساخنة او في منعطفات حادة ، وهذا هو حال مشروع الفدرالية لمحافظات الجنوب المطروح حالياً، في ظل جدال سطحي ودواعي وتقديرات لاتملك واقعية مبرراتها، وعادة مايستشهدون بفدرالية امريكا اوالمانيا اوسويسرا اوكندا، ولاادري ان كانو يعرفون كيف تكونت هذه الفدراليات وفي اي ظروف نشأت، هل نشات هذه الفدراليات ( تحت التهديد بالعواقب الوخيمة) اوالخطوط الحمراء (ام ان الشيعة مظلومين ) (ام تهديد العرب السنة برفض الفدرالية) (ام في ظل ارهاب وموت مفتوح) ( ام بالخراب الاقتصادي وغياب الخدمات وفقدان الامن )، لقد نشات اغلب الفدراليات في العالم على قاعدة عقلانية متدرجة ودراسة ناضجة وكانت تسير من مفهوم توحيد الجزء بالكل واعطاء الكيان والهوية الوطنية قوة الثبات والرسوخ والفعالية في ظل اجماع وطني عام تسبقه دراسات اقتصادية وسياسية وقانونية، في كل خطوة فدرالية، وقبل الدخول في موضوع الفدرالية للجنوب ومناقشته، لفت انتباهي جفوة الاراء وغلاظتها، تلك التي سمعتها من شاشات بعض الفضائيات او بعض الكتابات والتي كانت تناقش الفدرالية ووحدة العراق، من منطلق ايحائي محمول على ذهنية الاستخفاف وسطحية الراي المقرونة بقصد سياسي يتلاشى فيه مفهوم العراق كدولة تملك مشروعية انبثاقها في عام 1921 بحدودها وسيادتها القانونية الحالية، وكثيراً ما يلجأون الى استعارات تاريخية من خلال التشكيك والرفض لمعاهدات تاريخية ، ولااريد الدخول في دهاليز هذه المعاهدات وظروف انبثاقها، لكني اجزم ان دول وامم كبيرة تكونت دولها الوطنية والقومية وفقاً لبنود واتفاقيات هذه المعاهدات، وكل الدول التي تحيط بالعراق هي صناعة هذه المعاهدات وبنودها، ولاجدوى اومعنى واقعي للتشكيك فيها اورفضها، وعندما نعود الى تكون الدولة العراقية ، في ذهن هولاء المتشككين ، وارتهاناً لغرض فكرتهم فان العراق كدولة كان من صنع الشياطين، وان الدول الاخرى صنعتها الملائكة، ويترادف ذلك مع راي اخر يستخف بالعراق وبحدوده المقدسة التي صنعته مسزبيل ، واقول اذا كان هذا الوطن المسخ الخرافة بهذه المواصفات الدونية، فهل كنا مغفلين وساذجين عندما ضحينا وتشردنا وتعذبنا من اجله؟، وماذا نقول للذين يتمنون لهذا الوطن واهله الخير ويريدونه ديمقراطياً حضارياً ويضحون بارواحهم من اجله، فهل يستحق وطنناً صنعته المسزبيل ومعاهدات المستعمرين الاوغاد،كل هذا الشقاء والدم والتضحية!!؟؟ على ايةحال فان هذه الاراء هي انعكاس لهاجس وفكر سياسي مغلق يختزل فكرة العراق ككيان سياسي وهوية مختلقة، وهو يسوق لفكرة نقيضة لثبات بقائه . وعندما نعود لموضوع الفدرالية فانها مثل الكثير من المفاهيم السياسية لم تحظ بمعالجة ناضجة او عقلانية فكل المنطلقات تشير اليها بأعتبارها حلا لاشكالية مركزية الدولة وسطوتها وقطع الطريق امام اي دكتاتورية محتملة،وكذلك منح الاقاليم الفرصة لادارة شوؤنها بطريقة اقتصادية فعالة وديمقراطية تنصف المظلومين الذين عانوا الكثير من الاستبداد ولاخلاف على هذا المطلب، ولكن على اي اسس وفي اي ظرف؟، وكثيراً مايترادف فهم نظام الفدرالية كاجراء وقائي بوصفه ضمانه بوجه اي نظام دكتاتوري يقوم في المستقبل، وبالمناسبة فان هذا الرأي يحظى بتأييد سياسيين واعضاء بالجمعية واحزاب عديدة،وباسف اقول ان هذا الراي غير صحيح وليس حجة بيد قائليه. لقد تخطى العراق امكانية قيام دكتاتورية تحكمه ولايمكن لانقلاب عسكري ان ينجح الان اوبالمستقبل. ان مرحلة مابعد التاسع من نيسان غيرت بشكل جذري مفهوم التوازن الاجتماعي والسياسي ولم تعد هنالك اي امكانية لاي حزب اومجموعة اجتماعية ان تقود السلطة وتنفرد بها،قد يظهر نوع من السطوة اوالانفراد بهذا القرار اوذاك في هذه المحافظة اوتلك دون اي امكانية لحكم العراق بشكل شمولي، وحتى القوى الدينية لاتستطع الانفراد بحكم العراق ، بسبب عدم تجانس هذه القوى بشكل عام ووجود قوى اجتماعية كبيرة ترفض هذا التوجه وتعارضه ، ولكن هذه القوى الدينية قادرة على حكم جزء من العراق وفقاً لمنطوق طائفي وهو ما موجود فعلياً، وبالتالي ان حجة الخوف من قيام دكتاتورية فكرة غير مبررة. واذا ماسلطنا الضوء على التجربة الكردستانية لايبدو ان فدراليتها (وفوقها) قد حققت مضمون واستهدافات الفدرالية كنظام وادارة في تحقيق العدالة والديمقراطية ، فكردستان محكومة من قبل حزبين بصورة مطلقة بعيداً عن اسس ومفهوم الفدرالية ومعناها العصري والديمقراطي في حيثياته الصحيحة ولم تقدم الامثلاً سياسياً يعاني الكثير من الخلل والغموض. ان الخوف المشروع من قيام فدرالية الجنوب نابع من حقيقة ماثلة. هو وجود البعد الطائفي وتجسيداته على الارض وفي الجنوب بالذات في مداه المنظور ، لتوفراسس وامكانية تشكل فدراليات طائفية تقتسم الجنوب وفقاً لتناسب القوى وقوة كل حزب، ويضيع الاستهداف الوطني تحت وطاة الهيمنة الحزبية الطائفية هذه . ان اللامركزية التي تتمتع بها محافظات الجنوب الان عكست تدهور الحالة العامة فيها من جميع النواحي وظهر ان الاحزاب التي تحكم مجلس البلديات والمحافظة تسعى بالدرجة الاولى الى ترسيخ نفوذها على حساب حاجة الناس، والفساد الاداري والسياسي بلغ مديات مذهلة هنالك، واذا كان الامر الواقع هو الذي فرض فدرالية كردستان بالطريقة المعروفة، فان هنالك امكانية لبناء فدرالية خارج المفهوم الطائفي او الامر الواقع وضمن رؤية وطنية موحدة، وانامن الذين يرون ان الظروف غير ناضجة لقيام فدرالية في الجنوب ومازلت اعتقد بضرورة الادارة المركزية بصيغة وبتجليات قانونية واليات مراقبة ليس بالضرورة ان تكون قمعية اومستبدة كما كانت، اننا في مرحلة انتقالية تأسيسية صعبة وعملية ربط الاجزاء بمنظومة مركزية مازال ضرورياً، والجنوب يحتاج الى تأسيس وبناء اداري مرن متدرج ليمتلك الحد الضروري من الاستقلال الاقتصاي والاداري لقيادة هذه المحافظات ولكن ليس بطريقة راديكالية كالفدرالية الساخنة، وتأسيساًعلى ذلك فمازلت أومن بمبدأ التدرج والدراسة الناضجة لموضوع الفدرالية ليس فقط من الناحية الفنية بل من الناحية السياسية ولااجد في المشاريع الساخنة المرتجلة حلا لمشاكل العراق عموماً. ان مشاكل العراق تحتاج الى حل ورؤية توافقية بين كل مكونات الشعب العراقي في درجة حرارة معتدلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستلقين أمام السيارات-.. ناشطون يغلقون مدخل مصنع -إلبيت- ال


.. لحظات ما قبل الكارثة.. تسجيل يوثق اندلاع النار بمصنع البطاري




.. طفل فلسطيني مصاب يودع والده الذي استشهد في قصف إسرائيلي في غ


.. هجوم للطائرات المسيرة على إيلات جنوب إسرائيل




.. مشاهد تظهر اندلاع حرائق كبيرة في تلال أوروفيل بكاليفورنيا