الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سواجي الگلوب

هديب هايكو

2014 / 11 / 16
الادب والفن


المُحَدَّث

عام 1952م في بغداد، ولد رجل (رئيس الحكومة العراقية د. حيدر العبادي) وامرأة (الصحافية إنعام كجه جي) وغادرا عاصمتهما مع انفراد صدام وعصابته بالتسلط، الرجل أصبح من أفندية حزب الدعوة الإسلامية في العاصمة البريطانية لندن، والمرأة كجه جي في باريس الجمال والعراقة لم ترق للكاتبة العراقية (انعام كجه جي) إلاّ بعد أن أخذت ضمانة من نفسها إنها لن تنسى عراقها وبغدادها وكرّادتها تروي ثلاثيتها؛ (الحفيدة الأمريكية) و(طشاري) .. فروايتها (سواقي القلوب) تعكسُ هذا الأرتباط الوثيق بينها وبين المكان الذي وعت ونشأت وعاشت فيه، وتؤكّد على سطوة المحلية على عقلها كروائية، حتّى أن الكثير من المفردات العامّية التي يشتهر بها أهل الكرّادة الشرقية، لم تغب عن بالها فأستخدمتها وكأنّها ضرورة ليس لها ما يقابلها في اللغة الفصحى مثل (حنقباز، خَبنوها، أكلت بعقلي حلاوة، طرگَاعه، الأوادم، حبّاباتي، أولاد الخايبة، طيحان الحظ، وغيرها الكثير) وكانت موفقّة في ذلك، حتّى عنوان الرواية، فقد تحايلت على العاميّة (الگلوب سواجي) فهذّبتها لتصبح (سواقي القلوب). إن أجواء الحريّة التي وفّرتها باريس، أزاحت عن كاهل الكاتبة ثقل مسؤوليّة الكلمة المذعورة المنتقاة بحذر التي حملته معها وهي تغادر نظام القمع في بغداد، فبدت في روايتها هذه أكثر تحدّي في إستخدام المفردات المنفلته من السياقات المتعارف عليها أخلاقياً كالشتائم الجارحة والماجنة أحياناً (إبن القندرة، گَوّاد، الزعطوط الأدبسز، إبن الگَحبة وغيرها) رغم ما عرف عنها من جرأة حتّى حين كانت تعمل صحافية في جريدة الحزب القائد السابق للدعوة الإسلامية؛ البعث العربي “الثورة”!.

(سواقي القلوب) رواية الأنسان العراقي المهزوم والمرتاب والضائع والحائر الذي ساقته الأقدار الرعناء الى أن يجد نفسه في بلاد المهجر بلا موقف وبلا تأريخ، يجتمع في يقينه ال (الضد) وال (مع) في ذات الوقت، مّا جعله في حالة خصومة مع ذاته ومع المحيط، إذ انتقت الكاتبة شخصياتها بعناية, فمنهم الشيوعي الذي خسر مثاله العظيم بين ليلة وضحاها وظلّ وفياً الى الآيديولوجيا دون سند على أرض الواقع، والبعثي الملتزم فكرياً والناقم تنظيمياً والمفجوع بأخيه الذي راح ضحية من ضحايا الحرب، ورجل المخابرات الدبلوماسي الذي وجد في هزيمة العراق في الكويت، فرصة سانحة للهروب والأختفاء، والمرأة العراقية العجوز أرمنية الأصل التي ظلّت محتفظة بحفنة من رماد جثمان زوجها عالم الآثار الفرنسي الذي ينحدر من طبقة النبلاء والذي قضي فترة طويلة من عمره العملي في التنقيب ودراسة الآثار في بلاد وادي الرافدين، والذي فشل في الحصول على الجنسية العراقية ومات في باريس بعد يومين من ترك العراق والأقامة في فرنسا، لتذروها على التراب العراقي بعد أن قررّت في النهاية أن تختار وطنها الذي أحبته رغم كل عذاباته لتموت فيه، وآخرها (ساري) الخنثى الذي تحوّل نتيجة عملية تجميلية الى (ساره)، وهي الشخصيّة المحورية كما أعتقد في الرواية، فهي تمثّل الرمز والدلالة على ما أصاب الذات العراقية من دمار، وما مرّ بها من تحوّلات جذرية إنقلابية راديكالية التي أستهدفت قناعاته حيث إنحرفت بحدّة عن مساراتها لتصل الى النقيض، وادّت بالتالي الى حصول الردّة الحضارية الخطيرة التي نشهدها اليوم.

إلاّ أن (أنعام) أنهت حياة هذا الأنسان المسخ (ساري وساره) في نهاية روايتها بطريقة رخيصة ومجهولة، لتنهي بذلك أي إحتمال لبقاء الحياة الشاذّة عند الأنسان العراقي، ولتفتح باباً للأمل يكون فيه البديل النقي الذي سيحل في قابل الأيام محل إنسان اليوم. لقد نجحت الكاتبة في أن تلعب دور الرجل الراوي، وأن تتوغّل عميقاً حتى تصل الى أكثر خصوصياته التي تجري في السر وتقترب كثيراً من شهواته وسعيه للحصول على لذائذه ومبتغاه من المرأة الحلم، ما يدلّل على خبرة ودربة حياتية أكتسبتها الكاتبة من وجودها في باريس الحرية، إضافة الى حب الفضول الفاضح للتلصّص على عوالم الرجل الخفيّة، وهذا يُحسب بأعتقادي لصالحها خاصة وهي روائيّة همهّا أن تنقل الواقع غير المرئي وغير المكشوف والمتوّقع والمألوف. رواية (سواقي القلوب).. إدانة واضحة لسياسة الحروب التي أنهكت مقاومة الفرد العراقي في مواجهة المحن، وعززّت لديه شعور اللاجدوى واللاأنتماء، ورسّخت في يقينه أن الأبتعاد عن الوطن يقيه خطر الهلاك ويمنحه فرصة جديدة للحياة، الاّ أن الكاتبة أصرّت على ان تجعل أبطالها في خاتمة الرواية يعودون الى الوطن وهو في أسوأ أزمانه وهو زمن الحصار، وبذلك رفعت صوتها عالياً ليسمعها جميع العراقيين في شتاءات الشتات.. إن العودة الى دفء الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال