الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل انفرط عقد السوريين الاجتماعي..؟

إيمان أحمد ونوس

2014 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



على مرّ تاريخ وحياة سوريا، تميّز شعبها بالألفة والمحبة والطيبة والعيش المشترك بلا قيود بين الجميع، باستثناء ما تفرضه الأديان من شروط على التزاوج بين الناس، والتي يتمُّ خرقها بين الحين والآخر من قبل فئات علمانية ترفض كل القيود والشروط على العلاقات الإنسانية.
ورغم كل ما عايشه جميع السوريين من حروب وويلات وكوارث على مدى ذلك التاريخ، لم يتوانوا يوماً عن التعاون والمؤازرة وإغاثة الملهوف والمظلوم منهم، ولا عن حماية الأملاك والأعراض للغائبين مهما اشتدت حدّة الخلاف أوالاختلاف، وقد سجّلت الروايات التاريخية والأدبية كل هذا الإرث الاجتماعي ليكون شاهداً على تلك الأخلاق التي كانت وساماً يتباهى به كل سوري في العالم، كما تتباهى به سوريا بين الأمم التي تشهد لنا بذلك.
غير أن ما شهدناه ونشهده اليوم في ظل تلك الحرب المجنونة التي اندلعت مع أول صرخة رفض للظلم، وربما إلى زمنٍ مجهول التاريخ، واستغلال تلك الصرخة من قبل من له مصلحة بتدمير وتخريب سوريا على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الدينية، وكان الأهم والأخطر في تلك الهجمة تفكيك أواصر العلاقات الاجتماعية والأسرية، بالإضافة إلى تفكيك العلاقة ما بين الدولة والمجتمع، وبالتالي فرط عقد الوسام التاريخي لعموم السوريين، وهذا ما ينعكس ليس سلباً فقط، وإنما خطرٌ داهم يُدمّر الحياة والعلاقات على كافة المستويات وأهمها مستويين رئيسيين ترتكز إليهما أركان الدولة والمجتمع وهما:
أولاً- المستوى الاجتماعي والعلاقة بين أفراد المجتمع:
فمنذ الأيام الأولى لبدء الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، بدأت تظهر بوادر نفور بين بعض أفراد المجتمع ممن ينتمون لطوائف وأديان مختلفة بناءً على صرخة مرفوضة من أيّة جهة كانت، وبالتالي ظهر شرخٌ كبير بين الناس، ما أتاح الفرصة لقيام كل طرف بتخريب وتدمير وتهشيم كل ما له علاقة بالطرف الآخر الذي تمّ تهميشه في أحسن الأحوال. وعندما نشبت الحرب بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وما تتضمنه من قتل وخطف واعتقال واغتصاب،إضافة إلى التدمير الهمجي لكل ما له علاقة بالبنية التحتية، استغل البعض هذه الظروف لتنفيذ مآربه الدنيئة والوضيعة، البعيدة كل البعد عن كل ماله علاقة بما يجري، وإنما وجد فيما يجري فرصةً سانحة لممارسة سلوكياته المرفوضة اجتماعياً وأخلاقياً قبل الأزمة، وحتى بعدها، لكن المرحلة الحالية قلبت موازين القيم والأخلاق، وجعلت بعضها سائداً رغم رفضها، كالنهب والسلب والخطف والاغتصاب، مقابل مبالغ مالية ضخمة يعجز عنها المتضررون في كثير من الأحيان لتبقى الرهينة أسيرة التعذيب أو الموت الذي تلاقيه رغم الحصول على المال المطلوب. أمّا البعض الآخر ممن مارس وما يزال سلوكيات بعيدة عمّا عرفه وعهده المجتمع السوري، فقد استند إلى إرثٍ تاريخي- ديني مشوّه وربما لا يمت إلى الحقيقية بشيء، إرثٌ تناقلته الأجيال منذ آلاف السنين فقط ليكون خنجراً مغروساً على المدى في جسد مجتمع لا ذنب له فيما حدث في العصور السالفة، لكنه للأسف مجتمع محافظ ميّال إلى ذلك الإرث، أكثر مما هو ميّال إلى بناء علاقة سليمة وإيجابية في زمن يفصلنا سنوات ضوئية تفرض علينا جميعاً التخلي فيه عمّا يكون قد حدث في تلك العصور السحيقة، من أجل حاضر أكثر عقلانية وإنسانية شاملة لا تعترف سوى بالحاضر وما تمليه الحياة بمعطياتها الفكرية والعلمية والعملية الشاملة. ففي هذا المنحى اتجه البعض ممن يتشبث بذلك الإرث إلى خرق القوانين الدينية والمدنية انتقاماً كريهاً وغير إنساني، حيث استُبيحت البيوت التي خلت من سكانها بسبب العمليات العسكرية، ليتمَّ نهبها والمتاجرة بأثاثها في أسواق صارت مشهورة بتلك البضاعة التي تُباع أحياناً بأثمانٍ بخسة قياساً إلى ثمنها الحقيقي، لأن من قام بالنهب لا يعرف قيمتها ولا ثمنها الحقيقي، ولا يعنيه هذا أساساً، وكثيرة هي القصص التي تُروى عن أُناس مهجرين أو نازحين من مناطقهم قد لجأوا إلى شراء أثاث بيوتهم كي يستردوها من سارقيها. كما استبيحت بيوت أُناس آخرين مغتربين خارج البلاد منذ سنوات، فقط لأنهم من اتجاه آخر مرفوض وتمّ الاستيلاء عليها، مثلما تمّ الاستيلاء على كثير من الأراضي الزراعية وسواها. كما تمّ ويتمُّ في بعض الأحيان اللجوء إلى خطف أقرب المقربين من الجيران أو المعارف وحتى الأصدقاء من أجل الحصول على فدية مالية ضخمة، أو انتقاماً لخلافات عادية وبسيطة تحصل دائماً بين الأهل والجيران، إضافة إلى القيام أحياناً باغتصاب الفتيات أو النساء إمّا لإرواء نزوات دنيئة، أو من أجل إذلال الآخر، وانتقاماً لإرث يُعزز الكراهية والحقد والضغينة. وطبعاً كل هذا مخالف للقيم الأخلاقية الاجتماعية والدينية التي تحضُّ على حماية أموال وأرزاق الناس وصون أعراضهم، ولا ننسى المثل الشعبي القائل:" الله وصى بسابع جار" والغريب اللافت للانتباه أن بعض الناس تخلى وبسهولة سريعة عن كل تلك القيم دون أن يرف له جفن أو يؤنبه ضمير.
ثانياً- على مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع:
منذ ما قبل الأزمة، والعلاقة بين الدولة والمجتمع قائمة على عدم الثقة، والقمع والخوف من إبداء الرأي خشية اعتقال أو تعذيب، إضافة إلى تهميش الشرائح المتوسطة والدنيا على كافة المستويات خدمة لفئة طفيلية تعملقت على حساب جوع وبطالة شرائح واسعة من المجتمع، منتهكة الدستور والقانون في بلد غابت قوانينه الأساسية لتحلّ محلها قوانين جديدة تخدم مصالح تلك الفئة. وبديهي أن هكذا علاقة لا يمكنها بأي حالٍ من الأحوال بناء مجتمع متماسك وصلب، ولا بناء دولة ديمقراطية عصرية. فلقد أسست الأوضاع المعيشية أولاً، ومن ثمّ حالة القمع والخوف عند الناس إلى وجود حالة تمرّد ورفض كامنة وجدت في الصرخة الأولى ملاذها وهدفها كي تُعلن رفضها لهذا الواقع المرير ومحاولة الانتقال السلمي والآمن إلى حالة ديمقراطية تعددية تعترف بحقوق جميع الشرائح، لاسيما الدنيا منها.
فالنهج الاقتصادي الذي ساد قبل الأزمة قد رفع نسبة الفقر والجوع والبطالة بين أفراد المجتمع، إضافة إلى محاولة الحكومات القائمة حينها إلى التخلي وبالتدريج عن دعم الدولة للفئات الفقيرة ومحدودي الدخل عبر ما سُمي اقتصاد السوق الاجتماعي الذي فتح أسواق البلد أمام اقتصاد السوق الحر والمنفلت من أي عقال أو قانون، والذي ضرب عرض الحائط بمعيشة تلك الفئات وحلمها بالنهوض من قاع الحياة عبر فرص العمل لأبنائها الذين لم يشفع لهم تحصيلهم العلمي والأكاديمي حتى في ظل بطالة وصلت حدوداً غير مقبولة، كل ذلك كان تماشياً مع وصفات ونصائح المنظمات الدولية المعنية بالأمر. وبعد الأزمة السياسية والتي من المفترض أن تكون الحكومات اللاحقة لها حكومات أزمة بكل معنى الكلمة لتعمل على تفادي أخطاء الحكومات السابقة التي قادت البلاد إلى التهلكة، عمدت هذه الحكومات وبكل جرأة إلى التخلي الصريح والعلني عن الفئات المهمّشة والفقيرة ومحدودة الدخل، من خلال رفع الدعم تدريجياً وبسرعة فائقة عن الاحتياجات الأساسية لتلك الفئات وأهمها الخبز والمازوت، إضافة إلى التضييق على فرص العمل وحصرها بفئة معينة كما لو أن باقي الفئات هي من قاد البلاد إلى ما هي عليه من خراب ودمار. وكذلك تجاهل وتناسي الكثير من الإجراءات الإيجابية التي تمّ اتخاذها بداية الأزمة من أجل محاولة ردم الهوّة بين الدولة والمجتمع، مثل الإفراج عن معتقلي الرأي الذين نسوا شكل الحياة خارج زنازينهم، وكذلك تعديل بعض القوانين والتشريعات التي تتضمن تمييزاً ضد المرأة، إضافة إلى تشريعات أخرى تشمل حقوق ومصالح باقي الفئات، لاسيما العاملين في القطاع الخاص المكتوين بلهيب القانون رقم-17-
إن كل ما تمَّ ذكره، يشي بأن العقد الاجتماعي لعموم السوريين في خطر محدق وكبير قد يقود إلى انفراطه وتدحرج حبّاته في هاوية سحيقة إن لم يتمّ الإسراع بمعالجة كل تلك المخاطر والإشكاليات سواء على مستوى العلاقة بين أفراد المجتمع بمختلف انتماءاتهم، أو على مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع، والتي تُعتبر هي الركيزة الأساس حالياً من أجل النهوض بمجتمعنا السوري من قاع الحرب والدمار والموت الذي يعيشه وعلى كافة ومختلف المستويات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله