الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاتا تاتا خطي العتبة

السيد نصر الدين السيد

2014 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش المثقف على مقهى ريش يعيش يعيش يعيش
محفلط مزفلط كتير كلام
عديم الممارسة عدو الزحام
بكام كلمة فاضية وكام اصطلاح
يفبرك حلول المشاكل قوام

احمد فؤاد نجم

الخلفية
كعادته تصور كلمات نجم، في ايجاز بليغ، ازمة المثقف في منطقتنا: اسهال في الرؤى والأفكار وامساك في الاعمال والافعال. فما أسهل عرض الرؤى المستقبلية وما أيسر طرح الأفكار الجديدة ولكنها تصبح، في غيبة أي تصور لكيفية تنفيذها على ارض الواقع، تصبح كَالعَصْفٍ المَّأْكُولٍ. ولما كان العاقل هو من اتعظ بغيره رأيت انه من حسن الفطن ان استكمل ما سبق وان كتبته عن "الثورة الثقافية" (السيد 2013) بطرح تصور مبدئي عن كيفية القيام بها.

الصراع المستدام
لا يمكن الحديث عن ثورة ثقافية دون الحديث الصراع الرئيسي الذي تشهده منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط الكبير، منذ حوالي 200 سنة. أنه الصراع بين قوي "التقليد"، المتمثلة في كافة تيارات الإسلام السياسي، وقوى "التجديد" التي تضم كافة التيارات الأخرى. وعلى الرغم من الاختلافات الجذرية بين توجهات طرفي الصراع الرئيسي الا انهما اتفقا على أمر واحد هو "عدم الرضاء عن الثقافة السائدة في المجتمع". ففريق قوي التقليد يرى ان اغلب مكونات الثقافة السائدة، من مسلمات وقيم وما ينشأ عنهما من سلوكيات، لا تتفق مع ما يعتبرونه من صحيح الدين وتخالف ما استقر عليه السلف الصالح. اما الفريق الآخر، فريق قوى التجديد، فيرى ان مكونات هذه الثقافة تشكل العائق الرئيسي امام تحديث وتنمية مجتمعات هذه المنطقة. كما يرى هذا الفريق ان نجاح أي عملية تنمية وضمان استدامتها يقتضي تحديث مكونات الثقافة السائدة من قيم ومسلمات. وهو التحديث الذي يعني إحلال "الثقافة الممانعة للتنمية"، التي تسود بلاد المنطقة، بثقافة جديدة تدعم قيمها ومسلماتها عملية التنمية، أي "الثقافة الداعمة للتنمية". أو بعبارة أخرى بدون "ثورة ثقافية" يصبح التحديث من لغو الكلام.

ويتمتع فريق قوي التقليد بمجموعة من المزايا التي ترجح كفته، ولو مؤقتا، في الصراع بينه وبين فريق قوى التجديد. واولي هذه المزايا هي امتلاكه لعدد هائل من المنافذ الإعلامية، المساجد والزوايا، التي يستخدمها في الترويج لأفكاره. هذا بالطبع بالإضافة الى استخدامه الوسائل الحديثة بدءا من القنوات الفضائية وإنتهاءا بشبكة الانترنت وشبكات المحمول. وثاني هذه المزايا هي لغة خطابه العاطفي المشحون بجرعات دينية تدغدغ مشاعر السامعين. وتكتمل عناصر قوة هذا الفريق بوعود، لا يمكن التحقق منها، عن حياة أفضل في عالم الآخرة وذلك للتابعين الطائعين. وهكذا تسود "الثقافة الممانعة للتنمية" ويصبح المجتمع رهين المحبسين: ثقافة متخلفة ونخبة عاجزة. وهو عجز يتمثل في اخفاق هذه النخبة في القيام بثورة ثقافية تطيح بمنظومة قيم بالية وبمسلمات فقدت صلاحيتها اعاقا سويا عملية تحديث المجتمع وضمان مستوى رفاه مقبول لأفراده. عجز يشي بفشلهم في تجسيد ما ينادون به من أفكار على ارض الواقع، او بعبارة أخرى فشلهم في "تحقيق المناط"!

تحقيق المناط
يقول لنا الأصوليون ان "مناط الحكم هو واقع الحكم الذي اراده الشارع" وان "تحقيق المناط هو اسقاط الحكم على الواقع وانطباقه عليه" او "تحقيق المناط اجتهاد في تنزيل النص وتطبيقه على آحاد الصور". وبصورة أكثر تبسيطا تحقيق المناط هو " إنزال النص الشرعي على الواقع". والحكم في حالتنا هذه هو الرؤية الحاكمة للثورة الثقافية المنشودة وهي "ان تسود منظومة قيم ومسلمات الثقافة الداعمة للتنمية المجتمع المصري بكافة فئاته". منظومة القيم والمسلمات الجديدة التي تفتح مسام المجتمع لاستقبال رياح التغيير، والتي تحرك الساكن وتستنهض الكامن من قدرات افراده.

وهنا قد يسأل البعض سؤالا مشروع عن إمكانية تحقيق هذه الرؤية و "هل يمكن تغيير ثقافة مجتمع تشكلت عبر مئات او الاف السنين، وأصبحت في صلب تكوينه، في مدى زمني منظور؟". والاجابة، المدعومة بشواهد من ارض الواقع (كوريا الجنوبية على سبيل المثال)، هي بنعم. فثقافة أي مجتمع لو تركت وشأنها ستتطور ولكنه سيكون تطور بطيء الإيقاع لا تتواكب سرعته مع سرعة ما يشهده العالم من تغيرات. وهنا يكون دور النخبة، بكل اصنافها ثقافية وسياسية ومهنية وعسكرية و ...، هو تسريع عملية التطور هذه وتوجيهها نحو الاتجاه المطلوب. وهنا يبرز سؤال ثاني "من أين نبدأ وكيف؟" واجابة الشق الأول هو فلتكن البداية هي تحديث ثقافة احدى فئات المجتمع الأكثر تأثيرا على أفراده كـ "المعلمين" مثلا. وللإجابة عن الشق الثاني، كيف، لم أجد أفضل من منهج الاستعارة فنعتبر أن عملية تحديث الثقافة شبيهة بعملية زراعة الأرض بمراحلها الأربع:
1. شراء متطلبات الزراعة من اسمدة وبذور،
2. حرث الأرض وتهيئتها،
3. نشر البذور،
4. الرعاية المستمرة حتى بحين موعد الحصاد.

وبالمثل تتألف عملية التحديث الثقافي عبر أربعة مراحل هي:
1. مرحلة التحضير
2. مرحلة التحريض على التغيير (التهيئة)
3. مرحلة تغيير ما يلزم تغييره (التغيير)
4. مرحلة التثبيت
وهدف المرحلة الأولى هو إعداد خطة التغيير التي تحدد كلا من شريحة المجتمع المستهدفة والتعرف على خصائصها، مجموعة القيم الممانعة للتنمية المطلوب استبدالها، عوامل تعزيز هذه القيم في المجتمع، ومجموعة القيم الداعمة للتنمية المطلوب غرسها. هذا بالإضافة توصيف الآليات والوسائل التي ستستخدم في زعزعة استقرار القيم الممانعة، وفي الترويج للقيم الداعمة. فعلى سبيل المثال تعتبر قيمة "الحفظ" من القيم الممانعة لعملية التنمية وذلك بتعطيلها لقدرات الانسان العقلية الأعلى من قبيل الفهم، التطبيق، التحليل، التقييم، والإبداع. والمطلوب الآن هو إحلال قيمة اخري محلها ولتكن قيمة "الفهم".

أما هدف المرحلة الثانية، مرحلة التحريض على التغيير، فهو ايجاد الحافز على التغيير لدى أفراد الشريحة المستهدفة. يتم بلوغ هذا الهدف عبر اقناع هؤلاء الأفراد ان "تمسكهم" بأنماط سلوكية معينة أو "حفاظهم" على مجموعة قيم بعينها (القيم الممانعة التي تم تحديدها في المرحلة الأولى) لن يساعدهم على تحقيق ما يتمنونه لأنفسهم أو للمقربين منهم. فعلى سبيل المثال يؤدي تبني شخص ما لقيمة "الحفظ" الي عجزه مواجهة المواقف الجديدة والطارئة وذلك بتعطيله أو إضعافه لقدراته العقلية المذكورة في الفقرة السابقة. هذا بالإضافة الى تدني منزلة من منزلة الإنسان "الفاهم" أو "المحلل" أو "المبدع" إلى منزلة الانسان "الحافظ" الذي يتفوق الكومبيوتر عليه في مسألة "الحفظ".

وهدف ثالث هذه المراحل، مرحلة تغيير ما يلزم تغييره، هو إحلال القيم الجديدة محل القديمة. فبإتمام المرحلة الثانية، وبعد ان نكون نجحنا في بيان الأضرار التي قد تترتب عن تبني الفرد للقيم القديمة، ليصبح الفرد المستهدف مهيأ لتقبل الجديد. ويزودنا "علم النفس الإدراكي" Cognitive Psychology بالعديد من الأساليب التي يمكن استخدامها في الترويج للقيم الجديدة التي نود دمجها في منظومة القيم التي نعمل على تحديثها. ومن هذه الأساليب أسلوب استخدام "الكلمات المحملة" Loaded Words في وصف القيم الجديدة. و"الكلمات المحملة" هي تلك التي تحرك مشاعر من يسمعها سواء كان هذا التحرك سلبي او إيجابي. فعلى سبيل المثال يمكننا كلمات محملة مثل "عبادة"، "نور"، "تهدي" و" يتحرر" في العبارات التالية: "الفهم عبادة"، "الفهم طاقة نور تهدي التائهون"، و"بالفهم يتحرر الانسان من قيود الجهل".

وأخيرا تهدف المرحلة الرابعة، "التعزيز (أو التثبيت)"، إلى ضمان اندماج القيمة (القيم) الجديدة مع منظومة القيم التي يتبناها الافراد المستهدفين. وتتنوع أساليب التعزيز وتتوقف على كل من طبيعة القيم الجديدة وعلى
طبيعة صاحب الثقافة التي تم تحديثها. فهي قد تكون على هيئة اشكال ثقافية (مسابقات، معارض، ... )، اشكال قانونية، او اشكال مؤسساتية (حوافز، ... ). فعلى سبيل المثال إقامة مسابقة ل "فهم القرآن" بدلا من تلك المتعلقة ب "حفظ القرآن"

كان هذا وصف بالغ التبسيط لعملية إحلال أحد القيم الداعمة للتنمية محل تلك الممانعة لها. وقد كان الهدف من عرضها هو بيان إمكانية تحديث الثقافة السائدة. كما كان هذا المقال محاولة أولية من الكاتب لربط الأفكار بالأفعال. محاولة أولية تشبه محاولات الطفل الصغير تعلم المشي وهو يسمع لكلمات امه مشجعة له "تاتا تاتا خطي العتبة".

المراجع

السيد, ا. ن. ا. (2013). "عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)." الحوار المتمدن 4223(22 سبتمبر): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=379127.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ماذا عن إصدار محكمة عسكرية حكما بالسجن سنة بحق المعارض


.. مشاهير أمريكا. مع أو ضد ترامب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الولايات المتحدة وإسرائيل ..الدعم العسكري| #التاسعة


.. ما هي التقنيات الجديدة لصيانة المباني الشاهقة؟




.. حماس تتهم إسرائيل بقطع الطريق على جهود الوسطاء | #غرفة_الأخب