الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلجات حقيقية

حنان علي

2014 / 11 / 17
الادب والفن


كنت لأنجب منك عشيرة يحملون جيناتك وكل صفاتك وذكائك ويملئون الأرض بك ومن حولي كلهم أنت , أنت الذي طالما انتظرته وأنت من تطلعتُ في عينيه ووجدتُ ما شدّني , صورة لذاتي لنفسي لروحي انعكست فيك , ما كنتُ واهمة يوم أحببتك ولا في حالة اضطراب ولا حاجة نفسية أو كما يقولون مجتمعنا يعاني من الجفاف العاطفي فبكل صراحة كنتُ أبعد الناس عن العاطفة وكانت بداخلي شيء لم يُذكر .
ففي لحظة وتحت وطئ كلمة تغيرتُ وانقلبت موازين أفكاري , وإذ بأحاسيسي تشط بي صوب شاطئ بعيد , وأصبح في حالة غريبة عني , واضيع بين كُثرة النداءات والحسرة وادعو الله أن يصل بي إلى الضفة الأخرى , فالزمن متوقف عندي وكل الاشارات تُلقيني بك , حين أكتب وحين أنطق يكون وقع حروفي صدى موجع , ما هذا الذي عاث بي , ما هي تلك الاسئلة التي يكتظ بها ذهني , عابرة بها إلى سؤال أصعب من سؤال في صحراء مفقرة , وأنت في أول لقاء لعيوننا قلت لي أني لا أملك القدرة على اجتياح الصحراء التي بيننا , ويومها سألتك ماذا قصدت بالصحراء وقتها لم تجبني .
الأفكار موحشة والوجع كبير وخوفي أكبر من أن يأتي يومًا لا وجود لك بحياتي , وأتلفت إلى الوراء وأصرخ بأعلى صوتي أين أنت ولا تستجيب لندائي , لحظة أموت بها مرات عدة , ويأخذنا الزمن من بعض وتختفي ملامح وجهي عنك وتنسى اسمي ,وأصبح ذكرى قديمة فلا كان ولا كنت .
وأنا بمجرد التفكير بهذا تخرّ قواي وتذبل روحي فأنت الحقيقة التي تعتمل في نفسي , فأعبر إليك كل الحواجز وأكسر النوافذ , فأنت وطني الذي منحني هويتي وأوراق ثبوتية وجودي , فوالله بلا معنى تمضي أيامي وتحت حبك أرقد بسعادة ففي رحلتي معك اكتشفتُ معالم عالمًا آخر , لا تسألني عما حلّ بي اثناء جولتي في خضم وجودك , فمن بعدك من يوقد شمعتي عند المساء ونجمة تحتفل بنا في السماء , فأعاتب نفسي على أحلامي التي لم تصافحك , رغم جحود الأيام معنا وحكمها بالبعد , فأنا الأنثى التي تسمع اسمك في أذان كل صلاة ومع الله أكبر يصدح شخصك فأتوجه لرب السماء وادعو لك , واجلس كعادتي على جرف أوراقي أكتبك وأبكيك .
فمع الفجر وعند شفقه وعند الغسق ومع النخيل ومع الطيور والهواء صباحًا وزقزقات العصافير , حاضرًا معي بروحك وعيناك وشخصك لا يغيب عن عيني , فلا تغيب الآمال في زحمة العمر , فأداري بخجلي منك حين أقول لك كلمة حنينة أو شعرًا أكتبه لأجلك , فأخط بأصابعي على الورق وجهك وأتأمله , فصار عالمي مختصر بك فأنت لست خيال ولا خلجات غفت عند بوابة السماء , فأنت من تمنيتك أب لأجيال تعقبنا , وكل ما يعتريني الآن من تسارع في نبضات قلبي والتسارع في الرجوع والمضي قدمًا حيث المستقر في ذاك البيت الصغير الذي يجمع روحينا ويضم كل أحلامنا , لا يمكن لي أن أحيا بعيدة عنك فحسرة ما أنا به تجعل دموعي تكوي وجناتي , أيّ سبيل يجمعنا وتعيد اللحظة الهاربة , الافق هو الذي يجمع الاشعة عند الغروب وانطفاء وهج الشمس , والخريف من تعرت به الشجر , والسماء من تلبدت بها غيوم موحشة وامطرت على أرضي مطرًا غزيرًا أغرق مهجتي وفاض النهر عليّ حتى صرتُ كالعصفور المبلل يرتجف خوفًا ويطالع عشه الذي هده المطر .
لا اشعر بنبضي وانزلت سفني في ميناء وحشتي لأن الريح ما عاد يجدي بي إلى بحرك , ليس سوى البرد القاسي يلامس مشاعري , وصارت حكايتي تشبه حكايات الف ليلة وليلة , فكل ليلة أروي لك قصة عني , فهل يعقل أن شهرزاد امرأة من خيال أحبها كل لقراء وبأفكارها كسبت ودّ شهريار , عاشت بلا توقف لكنها احتوت بقلبها حبًا لحكايات قصتها له , واساطير غرقت بها وسفر مع التاريخ .
الآن نبضي يسري مع النسمات الباردة التي تلامس وجهي ومسامات الودّ الذي أكنه لك يظهر بحروفي , ربما للمرة الأولى أكشف أني ابعث لك بقبلات خجولة مع كلماتي حتى تصلك مع اطياف تنهمر بلا هوادة على وجناتك وبهمسات كثيرة أقولها بالقرب منك , تحت السماء أنا ومدينتي غافية على امنياتي الحزينة لكن غيمة انفاسي ستحوم فوقك وتوصل شذى عبيرها , وتتسلل إليك حتى أشعر بك وتمنحني الهدوء وأرجع لذاتي الممزوجة بذاتك فيخضر عودي مرة أخرى تحت سقياك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان