الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحصيل الحاصل في السياسة

حسن الصفدي

2014 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


إذا اعتبرنا دماراً حصل بعد طوفان أو خراب سد تحصيل حاصل فهذا صالح منطقياً. أما حين نعتبر تردد قائد عسكري، أو خيانة سياسي، السبب في انهيار دولة أو مجتمع، فهذا مغالاة، بل قل تعسف في استخدام المنطق (الجدلي طبعاً)، أو فلنقل إنه إرجاع الأمور إلى أهون الأسباب، ناهيك عن الإشارة إلى المؤامرة، بل الإصرار على اعتمادها، لسبب جد بسيط: هو أنها مريحة، نريح أنفسنا من عناء البحث ومحاولة الإحاطة بجوانب المسألة كافةً.
ما أكثر ما يجرى الحديث في الأوقات الصعبة عن الغباء السياسي لبعض القادة والزعماء، أو بعض الأحزاب السياسية أو الحركات الدينية؟ بحيث يبدو الأمر وكأن التحليل المقارن في مثل هذه الحالات أمر غير مرغوب فيه.
فمثلاً هناك من يرى أن سلوك «هتلر» في مشروعه يتسم بالغباء المطلق، في حين أن أياً مما جرى في أثناء حكم هتلر كان يدل على رؤيا للمستقبل وبراعة في التطبيق. إنما يفوتنا تحليل العلاقة بين حال المجتمعات وماهية الإيديولوجيات المسيطرة عليها. وعليه كيف نفسّر؟، وكثيرون فضلوا تجاهل!، تلك الحشود التي كانت تملأ الساحات المجاورة لبوابة برانديبورغ في برلين للاستماع إلى هتلر وهو يخطب وهم يهللون، والمادة الفلمية التي توثق ذلك، وسبق أن جرى عرضها في دور السينما، في حينه وفيما بعد، ما زالت موجودة.
لماذا - واقعياً- هللت حشود الألمان، ولماذا قال هتلر ما قاله وفعل ما فعله، أمر يتعذّر إرجاعه إلى الغباء....
يجري الحديث أحياناً عن دور الفرد (الزعيم) في المجتمع، غير أنه لدينا أفراد كثيرون خلّدتهم أعمالهم - سلباً وإيجاباً - نابوليون، محمد على باشا، بسمارك، لينكولن، الأمير عبد القادر الجزائري، عبد الكريم الخطابي، لينين، هتلر، تشرشل، ديغول، غاندي، جمال عبد الناصر، ...، فهل كان كل منهم يحمل أفكاره الخاصة به وحاول تطبيقها في مجتمعه، بذكاء مجّلي أو غباء مُردي؟!! أم كانوا جميعاً - ودون استثناء - نتاج مجتمعهم استبطنوا رؤاه التاريخية، وحملوا بعض أماله المستقبلية؟ فكان النجاح أو الفشل النتيجة الطبيعية لمحصلة مجمل إنجازات المجتمع المعني في المجالين الفكري والمادي...
لنعد إلى المثال الألماني ونحاول اقتراح: إنه نتيجة إسقاط العصر الحديث للأسطورة واعتماده العلم في النظر إلى الكون وحياة المجتمعات. ولأن المجتمع الصناعي قاسٍِ على الناس العاديين بما يخص تدبير شؤون حياتهم، ولأن الجماعة البشرية - في مجتمع بعينه - بحاجة إلى رؤيا مشتركة، كانت الأسطورة، التي ألغاها العلم والعصر الحديث، هي الحامل المشترك لذلك. لكل ذلك كان لابد من قيام رجل كهتلر ليقدم لهؤلاء الألمان المتشوقين أسطورة عصرية تصادف قبولها إذ سبق أن بشّر ببعض ملامحها فلاسفة معاصرون، وكان ما كان، الذي لم يكن ناجماً عن غباء هتلر، بل يكمن سرّه في تلك الأسطورة الحديثة التي حملت أبعاداً ما كان ليحتملها الكثير من الأوروبيين وغيرهم....
وإذا عرّجنا على ما يخصنا نحن العربَ، فلأن أسطورتنا الحديثة تؤكد على وراثتنا، التي لا يجادلنّ أحد فيها، للمجد والخلود، وما جرى من هزائم حلّت بنا، كان نكبة ونكسة، وغلطات قادة... وفق قياس، مشهود لنا به، من أنّ لكل جواد كبوة، بالإضافة إلى جملة المؤامرات المعتادة التي يحيكها لنا الآخرون.
ويبقى السؤال، المطلوب الإجابة عنه ويتم تحاشيه، قائماً: عندما تتعدد النكبات والنكسات حتى لتصيب الهبّات أو الانتفاضات المسماة اتفاقاً "ثورات"، نكون في أيٍ من الحالين المفترضين؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في