الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة النثر بين العرض والنقض

علم الدين بدرية

2014 / 11 / 18
الادب والفن


أثير في السنوات الأخيرة الكثير من الجدل وصدرت الكثير من الأبحاث والمقالات النقديّة حول ماهيّة قصيدة النثر وموقعها في الأدب العربي الحديث وأُؤكد أهميّة طرح مثل هذه المواضيع والأبحاث رغم التجنّي والتحجّر اللغوي الذي ينضح في السواد الأعظم منها ، بحيث كان البعض منها معاديا مناوئًا للتجديد في الحركة الشعريّة لا يقبل التغيير والتحوّل في الإبداع الفنّي بمختلف أشكاله وأساليبه الذي لا يتم بعيدًا عن جدل الحياة ومتطلباتها .
في معرض ردّي أستطيع القول أنني على يقين من أن المعادين والمناوئين للحركة الشعريّة الحديثة لن يتخلوا عن أية طريقة للنيل منها ومهاجمتها كلما أتيحت لهم فرصة ذلك ، وقد يؤدي موقفهم المتحجّر والمتعصّب والمغالي هذا إلى انتكاسة لغوية وانحرافٍ يعزّز القصيدة العاميّة بأشكالها المتطورة ، ويدفع بها إلى التبوء بسبب عجز الفصحى عن إيصال المفهوم الأدبي والتعبير اللغوي إلى العامة ، بسبب التحجر اللغوي وحماية القوالب التي سجنت المضامين والمواهب في أطر لا فكاك منها ، وأدت إلى نوع من التقوقع الأدبي الذي لا يلائم معطيات الثقافة العربية المتطّورة والمعاصرة ، فثراء الواقع المعاصر وتنوعه والتقدم السريع ، يجعل من المستحيل أن تبقى أشكال التعبير الأدبي والفني محافظة على سماتها التقليديّة ، لأن ذلك منافٍ لطبيعة الحياة ، وهنا يأتي السؤال المتجدد حول طبيعة العلاقة الجدليّة بين الشكل والمضمون وأيهما يخلق الآخر ...وتبقى الإجابة على ذلك طبعًا .. أن المضمون هو الذي يخلق الشكل ، والشكل هو الذي يجد المضمون .. وتغيّر المضمون الشعري كان سببًا كافيًا في تغيير الشكل من خلال تغيير عناصره الإيقاعيّة واللغويّة .
إن هذه المماحكات الفكريّة وشجب كلّ تجديد والاكتفاء في القوالب الشعريّة الجاهزة والموروثة ، واعتبارها الأوعيّة السرمديّة القادرة على الانتقال عبر الأزمان ، سيؤدي حتماً إلى مزيد من الانتكاسات اللغويّة الجديدة ، والانحراف بها عن مسارها الصحيح وفق مبدأ التطور ، حيث يولد الجديد ولادة طبيعية في إطار قابل لاستيعاب كلّ التحولات الثقافيّة والاجتماعية .
إن قصيدة النثر الحديثة ، هي كفكر الإنسان المعاصر ووجدانه مفتوحة كلّ يوم على الجديد ، وخالية من القيود والحواجز التي تحوّلت إلى نظريات ثابتة وملزمة تسجن الإبداع وتخنق حرية طلاقة النتاج الأدبي ..
نحن نعيش بلبلة نقديّة مهّدت وساعدت على نكوص وتراجع الشعر العربي ، وعلى تغذية وتأجيج نار الصراع القائم بين الجديد والقديم ، فهذا العجز عن تصور الشعر في إطاره التاريخي ، وعدم إدراك حركة التغيير المرافقة له ، أدّت وتؤدي إلى الانفصام والتباعد في فهم مضامين التجديد ، فالشعر الحقيقي لم يخضع للتقاليد الموروثة خضوعاً تاماً وشاملاً ، وإذا بحثنا بجديّة نجد شعر كل قرن يتميّز عن شعر القرن الذي سبقه إن لم يكن في الإيقاع ففي الصور والمكوّنات الدلاليّة ، وإن لم يكن في المستوى الوظيفي ففي المستوى اللغوي ، لقد تصدّع القالب الشعري منذ وقت طويل واستطاعت حركة الشعر الحديث أن تهزّ جمود الثبات والاجترار الشعري الموروث فنيًّا وموضوعيًّا ، فقدمت عطاءها التطوري وتصورها العصري ، من حيث الرؤية الفرديّة والجماعيّة ، لقد تجاوزت القالب الشعري التقليدي بجموده واستقراريّته المطلقة ، لتخلق واقعًا جديدًا متطورًا في القصيدة العربيّة ، دون أن يفقدها ذلك جماليّة التعبير وقيمة الأداء العالية ... ورغم كل هذا أعود وأؤكد أن نزعة التجديد في الشعر العربي الحديث لا تتناقض مع الشعر العربي القديم بنماذجه وأصوله الكلاسيكيّة ضمن قوالبها التقليديّة .. وهي موجودة بحركة تطور مستمرّة وشاملة ، تستكمل عملية بنائها الاجتماعي ،وتشكّل جزءًا هامًا من موقف ثقافي عام ، وإن الافتتان غير الواعي بالماضي وميزاته وقوالبه الثابتة ، والدعوة المستمرّة إلى تكريس الماضي في مواجهة الإبداع هو الإثم الأكبر الذي يرتكبه دعاة التحجّر الفكري في حق المثقف العربي وعصره ، ومن هنا تسقط الحيثيات المرتدية أثواب العلميّة حينًا وأثواب التفلسف والمغالاة حينًا آخر والتي ترفض واقع الحداثة الشعريّة ، وترى به تناقضًا مع التعبير التقليدي للإبداع الفنّي والأدبي في المجتمع العربي .
قصيدة الشعر الحديث تقوم أساسًا على بنية إيقاعيّة خاصة ، ترتبط بحالة شعوريّة معيّنة لشاعر بذاته ، فتعكس صورة جديدة منسّقة تنسيقًا خاصًا بها ، وهذا الأساس مغاير تمام المغايرة للأساس الجمالي المتعارف عليه قديمًا ، وهو لا يعني بالضرورة أي عداء اتجاه الشعر التقليدي الذي له أسلوبه وروعته الخاصة . فالشعر الحديث يعبّر عن وجهة نظر جماليّة أخرى وله أيضًا روعته الخاصة به ، يخوض تجربة جماليّة شاملة عصريّة تتمثل في حركة التّجدد الأخيرة ، وهو بفلسفته هذه يختلف جوهريًا عن الفلسفة القديمة بحيث لا يختار نماذج ومبادئ خارجيّة مفروضة ، بل يصنع لنفسه جماليات خاصة تنبع من صميم العمل الفني ، سواء ما يتعلق بالشكل والمضمون متأثرًا بحساسيّة العصر وذوقه ونبضه ... لقد قالوا الكثير عن هذا الشعر بين الإيجابي والسلبي ، واختلطت أصوات الإدعاء بأصوات الأصالة ، وأصبح من واجب الناقد المعاصر أن يطّور أساليبه النقديّة في مواجهة العصر ، وأن يلتمس المعايير الملائمة لكل جديد ، لا أن يُعيد اجترار مناهج تحليليّة أكل عليها الدهر وشرب ..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس