الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَأْسَاةٌ وَقَضِيّة

علم الدين بدرية

2014 / 11 / 18
الادب والفن



يطرح بعض النقّاد والكتّاب ، بين الفينة والأخرى ، قضيّة الأدب المحلي ، والإسهال الشعري المتدفّق بلا حدود ، وتحوّل هذا الشعر إلى ثرثرة وطنطنة واجترار للموروث الشعري ، ولبعض الأحلام المريضة . ونجد البعض الآخر يُنصّب نفسه حاكماً وجلاّداً ، يضع ويقيّم الأعمال الأدبيّة والإبداعيّة ، فيرفع من يروق له ، ويتجاهل عن عمدٍ مقصودٍ أصواتاً لها التأثير الفعلي على الحركة الأدبيّة المعاصرة في بلادنا ، ويقلّل من أهميّتها وشأنها ، مع العلم أن بصماتها الإبداعيّة واضحة في أواسط الكتّاب والشعراء . وقد يُطالبنا أحدهم ، ونحن نعيش هذا الليل الطويل ، ليل العدميّة والصمت المتواصل ، ونحن نحيا القضيّة بكلّ أبعادها التاريخيّة والإنسانيّة . أن نعانق الشمس ، ونغازل القمر ونبثّ الحبيبة لواعج الغرام ، ونكتب مطوّلات العشق المفرط في زمنٍ تحولت فيه الكلمة إلى أداةٍ عاجزةٍ في تاريخ العروبة المأفون !!
هؤلاء هم الأُمناء على الكلمة كما يدّعون !! في عهدٍ أصبح للكلمة مقاولون وتجار ، وأضحى الكمّ يفوق الكيف في أسواق النخاسة والكذب والانتهازيّة الحمقاء ، فضاعت الكلمة وامتهنت وتشرّدت وتيتّمت في أيدي الصّناع .. لا في أيدي المبدعين !!
كان من الأفضل لهؤلاء المدّعين ، تشجيع ودعم المسيرة الأدبيّة ، بكافة تيّاراتها ومبدعيها . فالكتابة الإبداعيّة ، والشعر الحديث وأصوات الأدباء الرائدة الأصيلة ، هي النور الوحيد الباقي في ظلام حياتنا الثقافيّة المعاصرة ، في هذا الزمن الرديء الذي تتداعى فيه القيم والنظم والشعارات . وهي التي حملت وتحمل العبء وتعاني الآم السقوط العربي ، وهي التي يرتفع ويتردّد صداها بالاحتجاج والثورة والكرامة والحريّة والعدل ، بينما يقف الأُمناء عاجزين .. إلاّ عن رفع العلم المشلول ، والنقد السطحي الثرثار .
علينا أن نتجاوز أحقادنا القبليّة ، فإما أن تشرئبّ الأعناق عالية أو أن تتخبط في القاع !! علينا أن ننصف المبدعين وأصحاب الموهبة ، أو أن نتركهم في حالهم بدلاً من التهجّم الشخصي الحاقد ، فلكل عصر كتّابه وشعراؤه وأصدقهم تعبيراً من يُكتب لأعماله البقاء ( النسبي ) ولا أقول الخالد ... فالتاريخ هو الذي سيحكم !! الأديب الحقيقي لا يُطلق الأصوات الفارغة من المضمون والمعنى ، ومن قابليّة ترجمتها إلى أعمال ، ولا يحمل سيفاً يناطح به طواحين الهواء ، فما زالت للكتابة ماهيتها ، وللشعر قوته وثقافته وتأثيره ، فلا انفصام بين الكلمة والفعل ، فالأديب الحقيقي ملتزم بكلمته يحمل عبئها مهما كان الثمن !!
في هذه الأيام الموبوءة والتاريخ المهزوم المقلوب الذي يشوه إنسانيّتنا ، في زمن أصبحنا نألف فيه الكوارث والمحن ، والمعاناة والآلام التي لا تنتهي .. لا نعرف إذا كانت آلام الاحتضار !! أم مخاض الولادة لأمل جديد ؟! علينا أن ندعم ونحتضن الإشراق ، لا أن نعانق الشمس فنحترق ، وأن نحبّ فلا نكره مُبدعينا وشعراءنا الصادقين ، الذين يصوّرون الواقع المحسوس ، والحياة اليوميّة بآلامها ، وأفراحها إذا وجدت ،فتكتبُ النفسُ وتثور على ذاتها وواقعها المرير ، وتسقط في بعض الأحيان في متاهات التفاهة والسذاجة ، مستدرجة همومها وأشواقها ، فيسيل اليراع تحت وطأة الحمل الثقيل ، ليخطّ الشعور شعراً ، والأحاسيس تعابير مكنونة من خيال الوجدان ...
هذه اللحظات تمرّ بلا عودة ، والكلمة تبقى التزاماً يُقيّد الكاتب ، ويحثّه على البوح والكلام والعطاء والإنصاف ، فيحوّل الحالة الوجدانيّة إلى أثر مكتوب بلغة الإبداع ... يطرّز المأساة والقضيّة ، كي تبقى عالقة في أذهان الجيل القادم .. ولعلّنا نتعلم من مآسينا وقضايانا .. فيشرق غدنا بواقع أفضل ، يكون فيه للمبدع وللناقد دور إيجابي فعّال ، لا ينعى الأطلال ، ويبكي على بقاياها ، بل يُعيد بناء البيت المتداعي بزخمٍ متوازٍ من تفاعل الأفكار والكلمات والأعمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي