الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلبُ المتهمُ

آلان كيكاني

2014 / 11 / 19
الادب والفن


للقلب في صاحبه شؤون.
هو يخفق دون إرادته معلناً الحياة، ويتوقف رغماً عنه معلناً الوفاة. وهو، إلى جانب الدماغ والرئة والكليتين والكبد، من الأعضاء النبيلة في الجسم، بل ويحتل المقعد الثاني في مرتبة النبالة بعد الدماغ، ولا يمكن للحياة أن تكون إلا به.
صحيح أنه يأخذ مكانه في مركز الجسم بين أوراب المرء إلا أنه يحب ويكره على هواه، دون وعي من حامله، ويمرض ويبرأ دون استئذان منه.
القلب، هذا المتمرد، كثيراً ما يوقع رفيقه فيما يكره، بل ويجلب له المآسي والأحزان دون أن يعير اهتماما لعمره أو صحته أو موقعه الاجتماعي والسياسي أو منزلته الدينية، فتراه يميل إلى هذا ويعرض عن هذا دون إذن من أحد، وكأنّ لا صلة بينه وبين من يضمره بين أضلاعه.
وهو الذي أوقع الشيخ الجليل فقيه تيران، الشاعر الكردي المعروف، في براثن الغرام وقاده إلى قرض الشعر ورماه في أتون الكآبة بعد أن حبب إليه فتاة صغيرة لا تبلغ الرابعة عشر من العمر وقد بلغ الرجل من العمر عتياً وشارف على أرذل العمر، فانطلق ينشد الدرر لا زال صداها يرن في آذان الكرد بعد مرور سبعة قرون من وفاة الشيخ.
وهو الذي دفع قيس بن ملوح إلى الجنون هياماً بحب ليلى العامرية، فهام المحب على وجهه في رمضاء جزيرة العرب وصحاريها الشاسعة، يبحث عن أثر لها، ويقف على أطلال بيوتها مقبلاً مواطئ أقدامها وقائلاً :
أمر على الديار، ديار ليلى .......وأقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي.... ولكن حب من سكن الدارا
وقد كان الشيخ الرئيس ابن سينا قد دُعي مرة إلى فحص مريض شاب في إحدى قرى بلاد فارس كان المرض قد أنهكه، وأقعده، وعجز الأطباء عن مداواته، فوضع ابن سينا اصبعه على موضع نبض المريض، وطلب من أهل البيت أن يعدّوا أحياء القرية، وعندما وصلوا في عدّهم إلى أحد الأحياء زاد نبض المريض، فطلب منهم الشيخ أن يعدّوا بيوت ذلك الحي، وعندما انتهى بهم الأمر إلى أحد البيوت قفز نبض الشاب، فطلب الطبيب بذكر أسماء بنات ذلك البيت وعندما لفظوا اسم إحداهن وصل النبض إلى أقصاه، فقال ابن سينا: هي ذي مرض ابنكم إنه يعشقها، آتوه بها فيبرأ، فأتوه بها فبرأ الشاب وتعافى وكأن شيئاً لم يكن.
إلا أن القلب متهم بريء مما ينسب إليه، فهو من الجانب العلمي مضخة عضلية تضخ الدم إلى أنحاء الجسم وأحشائه لا أكثر، وليس له علاقة، لا من قرب ولا من بعد، بالعواطف والمشاعر، وليس هو من يحب ويكره، وإنما كل هذا من اختصاص الدماغ، سيد الجسم المستبد والذي لا ينافسه أحد في القيادة والسيطرة، فمركز الوعي والأحاسيس والتفكير والقرار موجود على متنه، وكذلك مواطن العاطفة والحب والغرام والكراهية والامتعاض والحقد والحسد وكل ما يمت بالسلوك هو من فعل الدماغ، أما تحميل القلب كل هذه الأعباء فهو كنايةٌ توارثتها الأجيال منذ القدم ويعود إلى العهد الروماني أو ما قبله.
وعودة إلى بدء نصحح ونقول:
للدماغ في صاحبه شؤون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد