الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرشيف فرجينا وولف وجماعة بلومزبري

فيء ناصر

2014 / 11 / 20
الادب والفن


لم أكن أتخيل إن قامة فرجينيا وولف الفارعة تحتاج إلى عصا تستند عليها في مشوارها الأخير نحو نهر أوز(Ouse) لإسكات جنونها غير المحتمل، لكن هذه العصا هي التي دلّت ليونارد زوجها إلى المكان الذي غرقت فيه. توقفت كثيراً أمام العارضة الزجاجية التي ضَمتْ هذه العصا ورسالتيها الأخيرتين الى ليونارد وأختها فينيسا.
العصا وغيرها الكثير من المواد الأرشيفية من صور فوتغرافية ولوحات ومذكرات ورسائل وطبعات أولى من الكتب التي صدرت عن دار نشر هوكارث الذي أسسته فرجينيا مع زوجها هو فحوى معرض (فرجينيا وولف، الفن والحياة والرؤية) في الناشونال بورتريت كالري لموسم الخريف الجاري.
يركز المعرض أيضاً على أرشيف جماعة بلومزبري الأدبية الشهيرة الإنكليزية بداية القرن العشرين والتي ضمتْ أكاديميين وفنانين وكتاب ومفكرين وسُميت بإسم المكان الذي كانوا يلتقون به (بلومزبري) في مركز لندن حيث يتناقشون بالأمور السياسية والأدبية والفنية.
فيرجينا وولف أحد أشهر أعضاء هذه الجمعية الأدبية برواياتها الحداثوية مثل (أمواج/ 1931) و(السيدة دالاوي/1925)، الأرشيف المعروض يتناول حياتها وأدبها، صداقاتها الكثيرة هي التي كانت تلحّ: (يجب أن أكون ذات خصوصية، مجهولة كما كل المجهولين، مغمورة كي أكتب ما أريد). يتناول المعرض أيضا معاناتها الطويلة مع الإكتئاب والإنهيارات العصبية البعيدة عن الرومانسية، وتُستعرض بوفرة تفاصيل حياتها الشخصية بشكل محايد وبعيد عن نزعة تمجيد المشاهير.
صورٌ ولوحات لفرجينيا عبر مراحل حياتها، هناك عدد من اللوحات رسمها أعضاء جماعة بلومزبري لفيرجينا منها اللوحات المشهورة التي رسمتها أختها فينيسا بل ((Vanessa Bell و دونكان كراند (Duncan Grant) وروجر فري (Roger Fry). صور فوتغرافية وهي في أشد حالاتها ضعفًا أوفي أوج شبابها، صورٌ وهي في قمة تألقها الأدبي، وجهها الذي يَنمُ عن قلق وإبداع وشرود، قوامها الممشوق، عظام خديها، عيناها المدورتان الغائرتان كأنهما عينيّ مارد كتوم، ترحب بالزائر وتتهكم منه بنفس الوقت.
المثير بهذا المعرض أيضاً هو الربط بين إبداع فيرجينا الأدبي والفنون البصرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. تجاربها اللونية في الوصف التي تأثرت بألوان سيزان المركزة والمعقدة رغم إنها لم تكن معجبة بعالم الفن وتجارته فقد كتبت في مذكراتها عام 1912 (الفنانون هم متنافسون مقيتون تثيرهم المتعة البغيضة).
يستقبلك المعرض بصورة فوتغرافية كبيرة لفرجينيا بنظرة حانية ساخرة ويدٌ على الخد وبجانبها صورة فوتغرافية بذات الحجم لحطام بيتها في دافيستوك سكوير (Tavistock Square) بعد أن دُمرَ بغارة جوية عام 1940. إنشطرتْ البناية من المنتصف، بقي الموقد واللوحة التي فوقه وغرفة الجلوس في الطابق الأعلى مرئية من الشارع، كتبتْ في مذكراتها: (الأنقاض تغطي المكان الذي كتبتُ فيه روايات كثيرة، الغرفة التي سهرنا بها مع أصدقاء كثر مكشوفة للهواء).
ولدت فرجينيا لعائلة عريقة مثقفة عام 1882. العائلة ضمت سبع أخوة وأخوات حيث كان والداها أرملين قبل زواجهما. أبوها الكاتب ليزلي ستيفنس لذلك كان بيتهم مزاراً للعديد من مشاهير الأدب في ذلك الوقت الذين لم يغفلهم هذا المعرض فهناك صوراً فوتغرافية بكاميرا خالة فرجينيا (جوليا ماركريت كامرون) لتشارلز دارون وروبرت برواننغ وألفريد تينسون كلهم بلحى ويبدو عليهم تقشف ما كأنهم ينوؤن بحمل عبقرياتهم، كتبت فرجينيا في صورة من الماضي 1939 (العظمة تبدو لي ملكة إيجابية غريبة الأطوار تزدهر بالعزلة، شئ ما أُقادُ له بإخلاص من قبل والديّ، بل العظمة وجود مجسد، كائن حي موجود في بعض الأشخاص).
ستسير فرجينيا نحو إبداعها دائما، خاصة إختيارها لموتها بطريقة عظيمة منقطعة النظير. إختلافها الوحيد عن عظماء وقتها إنها كانت إمرأة في وقت كانت العبقرية والإبداع والتعليم إمتيازات رجولية. كَتبتْ في غرفة تخص المرء وحده وهي من مقالاتها التي تدافع بها عن حقوق المرأة الكاتبة ( إقفلْ مكتبتك لو شئتْ، لكن لا يمكنك أن تضع باباً أو قفلاً أو مزلاجاً على عقلي الحر).
صورة فوتغرافية بكاميرا فينيسا أختها، تُظهرْ الأبوين جالسين يقرآن في منزل عطلتهما عام 1893 في سانت أيفز خلفهما في الجهة اليمنى تظهر فرجينيا ذات الأحد عشر عاماً تحدق بعينين دائرتين مستسلمتين كأنها شبح تسترق النظر وذقنها مقعر بيدها. سوف تموت أمها بعد هذه الصورة بسنتين، هذا الفقدان المبكر أصابها بإول إنهيار عصبي وهي بعمر الثالثة عشر، وستختبر إنهياراً أكثر حدة بعد وفاة والدها عام 1904. بعد ذلك ستسكن العائلة منطقة بلومزبري وستتكون الجماعة الأدبية التي تحمل ذات الإسم عام1906.
عُرضتْ أيضاً عدد من الرسائل العاطفية مثل رسالة الكاتب الإنكليزي ليتون ستارَجي( Lytton Strachey ) أحد مؤسسي جماعة بلومزبري لأخيه جيمس 1909 ( تقدمتُ لخطبة فيرجينيا، كما تتخيل كانت لحظة حرجة خصوصاً إدراكي إن الأمر مقزز بمجمله، فيرجينا كانت مذهلة بحدسها ولحسن الحظ إنها رفضت طلبي)، كتب ستارجي بعد ذلك إلى صديقه ليونارد وولف (أنت من يستحقها، تزوجها أنت).
كان ستارجي مثليّ الجنس رغم إنه إرتبط بالرسامة دورا كارنكتون (Dora Carrington)، كتبت فرجينيا عنهما في مذكراتها بعد وفاة ستارجي ( أعتقد إن تأثير ستارجي عليها سحبها لدوامة الجنون )، وصدقت نبوءة فرجينيا فقد إنتحرت كارنكتون بعد شهرين من وفاته.
فوتغراف لزواج فيرجينيا وليونارد 1912. وصورة فوتغرافية أخرى للكاتبة الأرستقراطية فيتا ساكفل- ويست (Vita Sackville-West) تزين عنقها قلادة لؤلؤ وترتدي قبعة بنية وسيكارة بين أصبعيها، فيتا صديقة فرجينيا وعشيقتها فيما بعد، كتبت لها فرجينيا أثناء رحلتها الى ايران عام 1926(أنظري فيتا، إتركي الرجل الذي معك وتعالي نذهب الى هامبتون كورت، نتناول غدائنا معا على ضفة النهر ونسير في الحديقة ليلاً في ضوء القمر ونعود الى المنزل في وقت متاخر، نشرب النبيذ ونثمل وسوف أقول لك ملايين الأشياء في رأسي، لا أبوح بها في النهار، في الليل فقط وعلى ضفة النهر أبوح بها، فكري بهذا، أقول لك أتركي رجلك وتعالي).
رسالتها الأخيرة إلى أختها فينيسا التي كتبت فيها(أشعر انني قد ذهبتُ بعيداً جداً هذه المرة ويصعب عليّ العودة)، ورغم إنها حاولت الإنتحار قبل ذلك في شبابها مما إضطرها للعيش في المصحات والتشبث بمخالب عقلها لتحقيق إبداع أدبي متميز، إنتحرتْ فيرجينيا عام 1941عن عمر 59 عاماً وكتبت فينيسا بعد إنتحارها(على الاقل يمكننا أن نشعر بالسعادة لأنها لم تمت من المحاولة الإولى، كانت مواهبها ستتبدد نهائياً).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??