الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان العربي ضحية المكان الأصولي والسلفي

محمد بوجنال

2014 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




من المسلمات الوازنة القول باستحالة وجود الإنسان بمعزل عن المكان الذي هو التعدد والتباين؛ وعليه، فالإنسان وحدة وتعدد في نفس الآن، نحدده بإعطائه اسما هو بالكاد
"الإنسان العربي" موضوع مقاربتنا. فضبط تشكيل "الإنسان العربي" يقتضي استحضاره كمكان حيث ولادة وتربية وتوجيه وتكون الشخص العربي؛ علما بأن هذا الأخير ينتمي إلى موضوع"الإنسان العربي" الذي هو تركيب جدلي بين العديد من المكونات: البشر،الحيوان،النبات،الأرض،البحر،الجو والموارد الطبيعية وبالتالي فهو يوجد في المادة وبالمادة. هذا التركيب يدبره ويوجهه نظام سياسي، كان وما زال نظاما تسلطيا حيث تتداخل أزمنة الأصولية والسلفية؛ وهو ما يعني أن فهم التشكيل العقلي والسيكولوجي والسوسيولوجي والسياسي والثقافي للشخص العربي الراهن، يقتضي ضرورة مقاربته باعتباره كائنا فيزيائيا وبيولوجيا وإنسانيا تحكمه وتحدده المرجعية السابقة الذكر أو قل التقاليد الأصولية والسلفية المعادية للتاريخ. وإذا تموقعنا على المستوى النظري نقول أن في التركيب على المستوى العالمي، تحصل نوعية ومستوى العلاقة التي يمكن أن تتميز بالتطور أو بالتقهقر أو قل بالتعبير الدقيق ب"التغير"؛ ومن هنا يطرح السؤال ،ودائما على المستوى النظري، عن أنواع التعدد بصدد هذا التركيب والذي تتقاطع حوله مبدئيا الإنسانية ككل، لا فرق في ذلك بين الإفريقي والأروبي والأمريكي والأسيوي: فهناك نوعين عامين من التعدد: الوحدات التعددية المنظور إليها باعتبارها وحدات مؤقتة تخضع على الدوام لإمكان التحويل بفعل الإغناء بوحدة بسيطة أو أكثر؛ وهناك الوحدات التعددية التي منها يتشكل الفرد وهي وحدات موضوع مختلف الدراسات: الفيزيائية والكيميائية والإنسانية، وحدات لانهائية التعدد مثل سابقتها. ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن المناهج المتحيزة للأنظمة المتسلطة التي منها الأصولية والسلفية العربية تلغي وتنكر العلاقة الجدلية اللانهائية تلك حيث تحدد الوحدات باعتبارها جزرا منعزلة عن بعضها البعض مثلها في ذلك مثل نقط الخط الهندسي في الرياضيات. إذن نستنتج أن "الإنسان العربي"، نظريا، لا يختلف من حيث المكونات والقدرات عن وجود وقدرات أمثاله في باقي القارات. إلا أن المنظومة السياسية والتدبيرية التسلطية حرفت المعنى النظري السابق الذكر ليصبح "الإنسان العربي" قطيعا، سجين مكان أثثته وأحكمت هندسته الأنظمة العربية التسلطية لإعاقة قدراته ووعيه بفصله عن واقعه الراهن الذي تم استبداله بالواقع الماضي أو الأصولي السرمدي والمطلق. بناء على ذلك،فالشخص العربي يتشكل ويحدد ويفهم باعتباره قطيعا؛ هكذا، فسواء طرحنا الكل الذي هو "الإنسان العربي" أو طرحنا الأشخاص كمكونات، نصل إلى نفس النتيجة: كائنات بشرية قطيعية.
سبق أن قلنا أن هناك، على المستوى العام، نوعين من التعدد: تعدد على مستوى الشخص وتعدد على مستوى الكل؛ ويمكن أن نضيف، مع بقائنا على المستوى العربي، نوعين آخرين من التعدد: التعدد الموضوعي والتعدد الداخلي؛ الموضوعي المتمثل في مقاربة الشخص العربي محددا في المكان؛ والداخلي المتمثل في الوجود الشعوري واللاشعوري الذي يتميز بالغموض والكيف المقابل للوجود الكمي أو الموضوعي؛ وكلاهما يتقاطعان في كونهما يتحركان من داخل الدائرة الأصولية والسلفية. وفي كل هذا وبه تتحدد طبيعة تجمعات "الإنسان العربي"، بفعل أصوليتها، بكونها تجمعات قطيعية تستثمرها الأنظمة والقوى المسيطرة بتهييج غرائزها كلما حصل تهديد المصلحة فنصبح أمام التسلط والتقاتل والطائفية باسم المقدس الذي هو جوهر الأصولية والسلفية كما هو سائد في مختلف المناطق العربية دون استثناء وإن بدرجات متفاوتة من حيث التواجد والقوة والاقتتال؛ بمعنى أن الصراع في سوريا والعراق وليبيا واليمن لا يتم بنفس القوة والدرجة في مصر وتونس، ولا بنفس الدرجة في السعودية ودول الخليج والسودان، ولا بنفس الدرجة في المغرب والجزائر وموريتانيا فالاستعمار ،في شكله العولمي، استوعب بشكل جيد هذا المعطى المتمثل في الطاعة والاستماع إلى الغرائز المؤطرة والمؤصلة بالمقدس الذي هو الديني؛ فالأصوليات العربية اليوم ترفض غير أصوليتها لأن ذلك يعني الابتعاد عن المقدس الضامن الوحيد لربح رهان الجنة.
لذا، فالتقاطع بين التعدد الموضوعي والتعدد الداخلي سواء تعلق الأمر بالشخص أو بالكل الذي هو "الإنسان العربي" يبقى مؤطرا، في مجمله، بالمقدس والأصولية التي أخذت اليوم، وبدعم العديد من الجهات، مظهر الحروب المجيشة ضد بعضها البعض من ناحية، وضد غيرها من ناحية أخرى؛ إنها الحرب المتوحشة للجميع ضد الجميع باسم المقدس والأصولية. وعليه ، فهذا التقاتل والعدوانية بين الجماعات الأصولية ومنطق إبادة الآخر لا يختلف من حيث الجوهر عن منطق أشكال الدولة السلبية العربية المتسلطة؛ لذا، شجعت الجماعات تلك وأمدتها بالمال والعدة والتدريب لأن في استمرار تقاتل الجماعات تلك، حماية لاستمرارية تلك الأنظمة التسلطية التي حافظت على سكونية المكان وبالتالي سلبية "الإنسان العربي"؛ إنها الأرضية التي أسست لها أشكال الدولة السلبية العربية المتسلطة واستثمرتها الجماعات الأصولية والسلفية حيث يتلخص "الإنسان العربي"، في نسبة كبيرة منه في الاستماع إلى الغريزة وممارسة إبادة الآخر تلبية وتنفيذا لأوامر المقدس الذي، باسم الأصولية تلك، يرفض التاريخ والتأريخ أو قل يرفض أحد أهم مبادئ الوجود الذي هو ما يسمى ب"الحركة" داخل المجتمعات وبالتالي البقاء على مستوى الدرجة الأقرب للصفر من الوعي بهذه العلاقة؛ إنه النفي لأزمنة الحاضر والمستقبل لصالح استمرار الزمن الماضي الكامل والمطلق. وهذا يتناقض ودراسات وأبحاث سواء العلوم الدقيقة أو الإنسانية: ففيزيائيا جسم الشخص دائم الحركة ما دام الضوء، أساس الجسم ذاك، هو صراع دائم بين السلب والإيجاب؛ وبيولوجيا تتكون أعضاء الجسم وتنمو أو قل تتحرك من نقطة الولادة إلى نقطة النهاية؛ وإنسانيا جسم الشخص مجموعة خبرات وخصائص وتمسلكات يكتسبها بفعل تواجده مع غيره من الكائنات والجماعات البشرية. إذن ، فالشخص العربي أو "الإنسان العربي" يتلخص علميا كباقي البشر في بقاع العالم، في كونه الحركة والتطور والزمن وبالتالي العلاقة الجدلية بين خصائص هذه المكونات؛ ونكران ذلك يعني انعدام الحركة والتطور أو قل نكران الواقع الذي، في نظر الجماعات الأصولية والسلفية هو قدسية المقدس حيث الرهان الآمن لدخول الجنة والتمتع بأنهارها وحورياتها.
قلنا أعلاه أن الشخص العربي أو "الإنسان العربي" يتلخص علميا في كونه "حركة" تتميز بالحيوية والتنوع والتجاوز للموضوعي والذاتي وهو تركيب وتجاوز يكون مرتبطا حتما وجدليا بالمكان؛ إنه الوضع الذي يفتقر إليه الشخص أو "الإنسان العربي" الذي تغيب عنه الحركة كوجود وكوانين وكاقتصاد سياسي وكثقافة ليستمر شخصا قطيعيا ساكنا وأرضا خصبة للفكر الأصولي والسلفي، شخصا ينتظر الغيث والمعجزات الخرافية والموت. لذلك ، وعلى نفس المستوى، نكون أمام نوعين من الأنا العربي: الأنا المادي الذي يتوفر على مقومات الوجود التالية: فيزيائيا جسمه يتوفر على الطاقة الكهربائية المطلوبة طبيعيا، وكيميائيا على مخلف المواد المتحركة داخل الجسم، وبيولوجيا على توليد الخلايا وتمثلها أشكال التغذية ضمانا لتكونها واستمرارها؛ إنه الفرد الذي يتحدد في المادة وبالمادة كما سبق القول، وكلما ضعفت المادة تلك أو تحللت كلما ضعف علميا الفرد ذاك أو اختفى وهو في هذا لا يختلف عن بقية الأفراد في مختلف مناطق العالم؛ إلا أن الاختلاف يحصل عندما نصبح أمام مدى ومستوى الوعي بدلالة المادة وبأهميتها وضرورة إغنائها والرفع من قدراتها.وهنا نجد أنفسنا أمام الأنا العربي الثاني الذي هو الأنا الاجتماعي باعتباره الجزء الثاني من الوجود حيث"يكون" الجزء الأول بقوة القانون الجدلي المنطقي؛ الأنا الاجتماعي الذي به ينتقل الكائن العربي من مستوى كونه فردا إلى مستوى يصبح فيه شخصا؛ وبلغة أخرى، فالشخص يوجد مباشرة، وعلى الدوام، في المكان الذي هو بالكاد المكان العربي الذي كلما تم إفراغه، وهو الحاصل بالفعل، من حيوية وفاعلية الوجود كلما كان ساكنا وأصوليا حيث ضياع الأنا الأولى التي تم ترويضها ونقل طاقتها إلى الاقتصار على أشكال الإنتاج شبه البهيمي، وكذا ضياع الأنا الثانية التي تم تحويلها من طاقة الإبداع إلى حالة الطاعة و الخضوع وعبادة الرسل البشرية من ملوك ورؤساء ورجال دين ظنا منها أن ذاك هو الطريق الصحيح والمقدس لحل القضايا والمشاكل وبالتالي ضمان دخول "الجنة". إنه الإعاقة والتخلف السائدين في شكل ما يسمى بالأصولية والسلفية بمختلف أشكالها وهي الحمولة التي تنقل من جيل إلى آخر بفعل "الكلمة" أو "اللغة"؛ فالواقع يتغير على الدوام سواء أردنا أم كرهنا، إلا أن اللغة المعبرة عنه بقيت ثابتة وساكنة استجابة لمنطقها الداخلي الذي هو منطق فكر أشكال الدولة السلبية العربية والجماعات الأصولية التسلطيتين السائد اليوم والمعتبر فكرا مطلقا؛ في حين أن الدراسات العلمية، خاصة على مستوى اللسانيات، أثبتت تعددية الدلالة؛ فالكلمة الواحدة تعبر عن وضعيات ، في حقيقتها متباينة، إلا أنه اختلاف قد تم ويتم طمسه لصالح المعنى المقدس والجامد. فالعمل على نشر فكرة وقدسيتها باعتبارها لغة القرآن تفرض على الشخص العربي من داخل المكان سحرها وحمولة دلالتها الجامدين أو قل يصبح الشخص العربي، بفعل التقديس ذاك، مسجونا داخل كهف يعتقد فيه أن لا تصور ولا حقيقة إلا تصوره وحقيقته. إنه نفي للتاريخ الذي هو الصراع بين المكونات سواء على مستوى المادة أو المجتمع على السواء؛ فالبنية الزمنية من تاريخ وتأريخ ملغاة وأن ما يبدو كحركة في نظر أشكال الدولة السلبية العربية والجماعات الأصولية المتسلطتين ليس سوى مظهر للحقيقة السرمدية والخالدة التي هي المقدس؛ فالحقيقة كاملة، والكمال، في نظرهما، لا يحتمل الصراع والصيرورة. هذه الفكرة الخرافية هي حمولة اللغة العربية التي يتم نقلها عبرها من جيل عربي إلى آخر وعلى كافة المستويات؛ فبقي بذلك الشخص أو "الإنسان العربي" معاقا ومسجونا في المكان العربي الذي هو فعلا مكان مغلق وإطلاقي وأن كل مس أو تعديل له يعتبر زندقة وإلحادا؛ هكذا ، فالعربي لا يعيش مكانه الراهن بقدر ما أنه سجين مكان السلف الصالح باعتباره المكان الأصولي والمطلق كما سبق القول. فالشخص أو "الإنسان العربي"، بهذا وفي هذا الوضع، يعيش الألفية الثالثة في وبمكان السلف الأصولي الصالح أو قل الانفصال عن المكان العربي دفاعا عن مكان السلف الذي هو مكان الاقتتال والتعصب والإبادة ورفض كل ما هو مختلف عن السلف ذاك كما نرى اليوم في مختلف مناطق العالم العربي.
وعموما ، فلهذه الأسباب وغيرها يعتبر الشخص أو "الإنسان العربي" إنسانا سجين مكان حيث التربية الرعوية والتصورات الأصولية والسلفية التكفيرية والدموية ليبقى ،على الأقل على الأمد القريب، مصنفا في خانة "الأحياء/الأموات" التي هي بالكاد خانة القطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار