الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعيد صالح...نحن نشكر الظروف

لبنى حسن

2005 / 8 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بعد التعب و الضغط النفسي من المظاهرات و المؤتمرات و المناقشات و التفكير و كثرة اللهاث وراء الأخبار و متابعة الأحداث قررت الاستمتاع بليلة صيف و البحث عن الترفيه و الذهاب لمسرحية "قاعدين ليه" بطولة سعيد صالح و التي يوحي اسمها بأننا بصدد مشاهدة كوميديا سياسية, و بالرغم من عدم استبشاري خيرا بمسرحيات الصيف حيث اصبح حال المسرح لدينا -باستثناء مسرح محمد صبحي- كحال الاقتصاد و السياسة و المونديال إلا انه كان العرض المسرحي الوحيد المتاح فى محافظة الإسكندرية و قد شجعني كونه مقدم من وزارة الثقافة ( البيت الفنى للمسرح الحديث) و مأخوذ عن قصة "كأسك يا وطن" ولكن ليتني ما فعلت فحتى الاكتفاء باحتساء كوب مياه فاترة فى شرفة و لو مطلة على خرابه لم يكن لينجح فى استفزازي و إغاظتي بقدر ما نجح سعيد صالح.

تدور أحداث المسرحية حول معاناة المواطن"صابر الصابر المصري" الذي يعيش فى فقر مدقع و يواجه أزمات طاحنة حيث يتعرض العمل الفنى لانتقاد الفساد والرشوة و المحسوبة و المعاملة فى المصالح الحكومية و أقسام الشرطة و ضعف المرتبات و سوء حالة التأمين الصحي و تردى الأحوال المعيشية و غلاء الأسعار, و بغض النظر عن كثرة الخروج عن النص والتهريج و الاعتماد على الأفيهات و الألفاظ الخارجة للإضحاك و عدم ترابط الأحداث و ضعف الحبكة الدرامية و تواضع الملابس و الديكور إلا أن الفصل الأول يعد مقبولا و حظى باستحسان الجمهور الذي صفق بحرارة لمغزى بعض جمل الحوار مثل "كسبنا سيناء و خسرنا مصر و كرامة المصري" ," الحكام العرب كراسيهم حديد بكماشة" ,"خدنا إيه من حكم العسكر" , " أصبحنا صفر فى كل حاجة من المونديال للسياسة" ," فيه ناس كان لازم تمشى من زمان و ما حدش فاهم قاعدين ليه؟"

أما الفصل الثاني فقد استهله سعيد صالح بالخروج عن النص لمدة تزيد عن 15 دقيقة قام خلالها بتحية سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب التي كانت تحضر العرض و تجلس فى الصف الأول كما حدثنا عن حياته و ذكرياته و أحوال الفن زمان و الإنجليز و حتى الخديوي عباس حلمي ليبدوا الحديث تلقائيا ثم أختتم خروجه عن النص بإعلان تأييده و مبايعته لمبارك معتبرا إياه المرشح الوحيد الذي يستحق المنصب و معددا " مميزاته" و على رأسها الخبرة فى إدارة شؤون البلاد, كما ردد على أسماعنا أناشيد الأعلام الحكومي من عينة مبارك رجل الضربة الجوية و رجل الاستقرار الذي حافظ على وحدة البلاد مقارنا حالنا بالسودان – تصوروا؟- و اعتبر أهم إنجازات مبارك انه "منحنا" حق الانتخاب!!!!!!!!!!

بالرغم من جمال كلمات أغاني العرض التي كتبها فؤاد نجم و الأبنودى و بيرم التونسي و خاصة أغنية "بحبك يا مصر" إلا انه يبدوا أن سعيد اختار أن يحب مصر دون شعبها الذي عزم على تضليله, فوجدتني انفصل تماما عن الإحساس بالعرض و متابعة السياق الدرامي فحينما يفقد الفنان مصداقيته تتوه المعاني و تختلط الأمور, فإذا كان فى وقت الصعاب يظهر معدن الإنسان ,ففي وقت الانتخابات يظهر مدى صدق الفنان حيث لم يكن خروج سعيد عن النص لخدمة العرض و إثراء العمل الفنى بل كان يرسل رسائل مضادة للتشويش على المتفرج ليعبر عن حالة من الازدواجية أمست سمة من ابرز سمات مجتمعنا فى أزهى عصور الديمقراطية, لقد بدا أن سعيد صالح أراد أن ينافس حركة"فنانون من أجل التغيير" بحركة "فنانون من اجل الدعاية و الترويج و التثبيت"

وبعد أن سبق و استعوضنا ربنا فى عادل أمام الذي فضل أن يصبح فنان السلطة و يهاجم المتظاهرين المطالبين بالتغيير لحق به زميله و صديق عمره ورفيق رحلة كفاحه و انضم إلي طابور المطبلين و المهللين و المبايعين المغيبين لوعى المواطن و المساهمين فى تضليل الشعب و تخدير العقول , فمسرحية "قاعدين ليه" لم تكن سقطة فنية بقدر ما كان سلوك بطلها سقطة أخلاقية ليثبت لنا انه ليس الفساد وحده هو الذي وصل للركب بل النفاق أيضا, و لعلنا بالفعل و على رأى د رفعت السعيد أصبحنا فى دولة نفاقستان, فإذا لم يكن هذا نوع من النفاق و الرياء و التملق الذي أصبحنا نستنشقه مع الهواء ليل نهار و افترضنا حسن النوايا معتبرين ما صرح به مجرد رأي شخصي مخلص لمواطن فلا نستطيع أن نسلم بأحقية هذا المواطن فى استخدام أموال وزارة الثقافة و جمهور مسرح الدولة الذي أتى لمشاهدة عمل فني, لا لسماع حديث الصباح و المساء , فلم يكن يخطر ببالنا أن تتعدى دعاية مبارك مرشح الحزب الحاكم كامل الأوصاف رجل الإنجازات الأول كل الحدود لتصل إلي عروض مسرح الصيف بعد أن اصبحت تطاردنا فى التلفزيون و الإذاعة و الصحافة و الشوارع حتى بتنا نتوجس شر من فتح صنبور المياه.

و يبدوا أن سعيد صالح الذي صرح أثناء خروجه عن النص المسرحي انه عرف ربنا متأخر –على حد تعبيره- فى السجن الذي دخله 3 مرات لازال لا يعرف قيمة الفنان و الدور الحقيقي للفن, فلم يكتشف بعد أن مصر أنجبت على مر تاريخها الكثير من المبدعين و الفنانين العظام و لكن القلة ,و على رأسهم سيد درويش الذي اختار أن يكون فنان الشعب, استطاعوا أن يحفروا أسمائهم بحروف من نور فى وجدان الشعب و يعيشوا فى القلوب بالرغم من مرور الزمان لأنهم لم يسمحوا أن يستخدموا كبوق للدعاية للنظام او أن يكونوا يوما فناني السلطة يرتبط وجودهم ببقائها و يزول صيتهم و يندثر من القلوب قبل العقول بزوال حكامها, بل احبوا فنهم و قدموا رسالتهم و احترموا جمهورهم فاحبهم الشعب و ذكرهم التاريخ.

بالطبع لا نطالب سعيد صالح بالنزول للشارع او الالتحام بالجماهير والانضمام لمطالب الشعب او التضحية بمصالحه الشخصية و مكاسبه المادية و المعنوية من اللقاءات و العروض التلفزيونية و الدعاية الصحفية و الرضاء الحكومي السامي كما فعل غيره من الفنانين, من اجل عيون مصر او كرامة أبنائها او حق الشعب فى تحديد مصيره , فلسنا ملائكة او على ارض المدينة الفاضلة و كان يكفينا من فنان فى العقد السابع من عمره أن يحترم جمهوره و يراعى ضميره و يلتزم الصمت و الحياد, و لكن يبدوا أن سعيد صالح الذي تلقى مؤخرا اتصال من الرئيس (كنوع من الدعاية) فى فترة مرضه حيث أمر بعلاجه على نفقة الدولة بعد وساطة زميله زعيم الكوميديا اعتبر هذا التصرف منحه و عطية من عطايا الملك فوجب عليه رد الجميل!!!

و إن كنا نشكر الظروف التي جعلت سعيد يتحدث كي نعرفه إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة الآن, هل يستخدم مسرح الدولة يوميا فى التأثير على الجمهور و الدعاية الفجة لمرشح الحزب الوطني أم أن هذا كان مجرد حادث عرضي او "كادووه" بمناسبة موسم الانتخابات على طريقة نجاملكم فى الأفراح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال