الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زقنموت (رواية) 9

تحسين كرمياني

2014 / 11 / 20
الادب والفن


بعد شهرين من قساوة التدريبات،ضرب عشوائي،زحف على البطون،(شناو هندي)،(أبرك..أنهض)حلاقة الرؤوس(نمرة صفر)،عقوبات جماعية،تأتي بكل الطرق التي تؤدي إلى(روما)،عقوبات جرّاء عدم تلميع(البساطيل)لتلمع لمعة سحناتهم،لا فرق بين الوجه والـ(بسطال)في الجيش،تنظر عيون الضبّاط إلى الـ(بساطيل)والسحنات نظرة متوازنة،عدم تلميع السحنات بالموسى عقابه يساوي نفس عقاب عدم تلميع الـ(بساطيل)بالفرشاة،أعلنوا بمودة وبوقاحة أن العقوبات الفردية والجماعية،رياضة ترويحية،نوع قاسي من لعبة تهذيب النفس وتدريبها على الصعاب:
((أنها تقوّي عزيمة الجندي،وترفع درجات محرار صبره،ستغدو رجولتكم(جوكر)،يمكنكم أن تفضوا بكارة ماجدة لتشارككم حياتكم الثورية القادمة،لتبنوا سور الوطن بـ جيش أشبال مشاريع استشهادية قادمة.))
وجدوا أنفسهم متهيئين أمام حافلات حديثة،حيث جناب السيد الآمر يقف بجبروت،نقيب يقرأ بصوت مرتجف أسماءهم،صعدوا إلى حافلات انطلقت بهم إلى(ميدان الرمي)ليجربوا قدراتهم العسكرية ومدى صلاحيتهم ونجاحهم في تعلم فن القتل بالذخيرة الحيّة.
عاشوا لحظة فرح،كونهم تحرروا من الأوامر الروتينية،من العقوبات المتلاحقة،أظهر السيد الآمر عاديته،بدا كإنسان مختلف عما ألفوه،يلاطف ويداعب ويضحك أحياناً،ناسياً تهجماته عليهم،بالكلام البذيء.
همس(موحان)في أذن(ماهر):
ـ((الآمر خائف.!))
((مم يخاف.؟))
((قد يتغدى به أحدنا بصلية رصاص.))
((وهل يفعلها مجنون منّا))
((سمعت أن الآمر قبله قتله جندي أثناء الرمي.))
((كان مصاباً بالصرع،باغته أثناء الرمي،كما يقولون.))
((كذب..كان يسخر منه.))
((حتماً شنقوه.))
((ليس وحده فقط.))
((ماذا تعني.؟))
((عدموا صديقيه أيضاً.))
((وكيف يواجه العدو في أرض المعركة.))
((أمثاله ـ مخانيث ـ لا يغادرون أحضان نساءهم.))
((والوطن..))
((نساءهم أوطانهم.))
بعد ليلتين وثلاثة نهارات تحركوا عائدين.
في الطريق أوقفوهم قرب وادي عميق،السيد الآمر ألقى محاضرة في كيفية مجابهة العدو بالرمانات اليدوية والحراب،في الحروب فواصل ملاحم،تتشابك فيها الجموع البشرية وتتداخل،يتم التحسب لها وإعداد الجنود لغمارها،تسمى(الاشتباك بالسلاح الأبيض):
((معركتنا مفتوحة،عدونا شرس،يمتلك إمكانيات بشرية هائلة،سيندفعون كالثيران الهائجة لغزو بلادنا،فمعركة ـ السلاح الأبيض ـ احتمال وارد بين الجيشين،عليكم أن تتعلموا فن القتال بالسلاح واليد))
جلبوا صندوقاً خشبياً أخضر اللون،أخرج رمانة يدوية لامعة،أرعشت أبدانهم خشية أن تنفلق قبل أن يرميها، كانوا جالسين،عيونهم ترتجف،قلوبهم تنبض،بينما كانوا في واحة الغيبوبة والدهشة،سحب جناب السيد الآمر مسمار الأمان وأسقط الرمانة من يده بينهم،اندفعوا في صراخ وارتباك مع تواجد صوت(دبر)ضاع في الهرج الحاصل،أندفع الضبّاط يضحكون،والسيد الآمر فاقداً نفسه من سحر استنفارهم كالحمر المرعوبة..صاح:
((فقط لو أعرف من فيكم يحمل في جوفه معمل غاز.))
قال النقيب:
((سيدي..أنه ينفعنا لمحاربة عدونا.))
((يمكنه أن يسترخي على الساتر ويدير ماكنته نحو العدو ليبيدهم عن بكرة أبيهم.))
((سيتهمنا مجلس الأمن باستعمال سلاح كيمياوي في حربنا.))
((عندها سينقلب العالم على رؤوسنا.))
بعد باقة ضحكات تراخت أجسادهم وعادت إليهم أرواحهم.
عادوا لجلستهم وعيونهم على يد جناب الآمر،وهو يشهر الرمانة بوجههم..قال:
((لا تثريب عليكم،أنها رمانة تدريب فارغة من الحشوة والصاعق،أسقطتها لأختبر شجاعتكم.))
رفع واحدة أخرى،خال الجميع أنها أيضاً كاذبة،لكنه رماها إلى عمق الوادي وأحدثت دوياً،تصاعدت غمّامة دخان وانهال مطر غبار،تزاحمت فيهم الحماسة والرغبة في تجريب الرمي،وزعوا عليهم الرمانات الحقيقية، بدءوا السير رتلاً نحو ساتر ترابي يطل على وادي كبير.
بدأت عملية القذف.
قذف أوّل جندي(موحان)رمانته،مرت الدقائق ثقيلة،لم يحصل الدوي المتوقع،سادهم اضطراب واضح،وفي العيون برزت علامة استفهام:
صاح الآمر:
((رمانة فاسدة..أجلبوها.))
أندفع النقيب إلى الوادي وبعد دقائق عاد يصرخ:
((كلب،مطي،كديش،كيف ترميها ولم تنتزع مسمار الأمان.؟!))
غضب الآمر.
صاح:
((كلب..زمال..سأحلق رأسك ـ بالقندرة ـ حين نعود.))
وقف(موحان)مرتجفاً.
قال:
((سيدي سأعيد الرمي.))
((أن تفعلها ثانية،سأرميك إلى الوادي ونرمي عليك كل الصناديق،لدينا خسائر بشرية أثناء التدريب،3 في المائة..هيّا.))
تقدم(موحان)من النقيب،ألتقط رمانة،سحب مسمارها وألقاها،لم يحصل الدوي أيضاً،غضب الآمر.
صاح:
((فعلتها ثانية يا كلب،سأرميك في الوادي.))
((سيدي هذا مسمار الأمان في يدي.))
ذهل جناب الآمر،أمر النقيب أن يهبط ويعيد الرمانة الفاسدة من عمق الوادي.
صاح النقيب:
((سيدييييييي..!!))
طلّ الآمر من وراء الساتر،دفعهم الفضول لإلقاء نظرة فضول،كان النقيب واقفاً ينادي،هبطوا إليه،وجدوا عشرات الرمانات اليدوية ملقاة مع مسامير الأمان،سقط السيد الآمر في مستنقع الحيرة،سحب النقيب جانباً وراحا يتحاوران بصمت.
قال(موحان):
((على ما يبدو أن الدورة السابقة ألقوا رماناتهم بطريقة النسق خلاف طريقة رمينا كل على انفراد.))
قال(ماهر):
((أنا أيضاً كنت أتحين الفرصة كي أرميها من غير سحب مسمارها.))
((فعلت ذلك،الآمر كلب شيطان،أنتبه لذلك))
عاد الآمر يتبعه الضابط،بعدما أمرهم بلملمة الرمانات المتناثرة،وجدوا ثمانية عشرة رمانة،حشروها في صندوقي عتاد،حملوها إلى أحدى الحافلات.
بعدما نفذوا عملية قذف الرمانات اليدوية،انطلقت بهم الحافلات نحو المعسكر.
داخل المعسكر.
أمر النقيب الجندي(ماهر)بجلب الصناديق.
ما أن وضع قدمه اليمين داخل الحافلة،ارتجت لدوي رافقه صراخ وعلا دخان وألسنة نيران بدأت تلتهم مؤخرة الحافلة.
هرع(ماهر)إلى قاعة الضبّاط يولول:
((سيدي..رمانة انفجرت داخل الحافلة.))
هرول الجميع وشكلوا حلقة واسعة حول حافلة تحترق.
وقفوا مذهولين يراقبون حافلة حديثة تحترق،بعض الجنود تمكنوا من الهبوط مجروحين،لكن ثمت أجساد وجدوها متفحمة في مؤخرة الحافلة،بعدما أتت النار عليها.
التفسير الذي دونوه في المجلس التحقيقي العسكري،جاء على أن واحداً من الجنود المتفحمين قد خبأ رمانته ليس لعمل تخريبي طبعاً،البلاد سليمة والسلطة خانقة لكل منافذ(وباء)الحرية،لا معارضين لوحوا راياتهم في أفق التغيير،الطابور الخامس خمد صوته،أنفار(حزب الدعوة)شنقوا أو لاذوا بالفرار إلى دول الجوار،وما زال(الشيد الرعيس)كما قاله مسبب الفلقة الجماعية،يمشي بين الناس من غير تشديد حراسة،بغير واقيات رصاص،ولا طائرات تحوم فوق رأسه،لا داعي لفرق مخابرات سريّة تذهب إلى المكان الذي سيزوره لتفتش الناس قبل أن يتشرفوا بطلعته،واثق النفس يدخل ما يختاره مزاجه من بيوت،يفرك فروات رؤوس أطفالهم،يحتضن الرجال والنساء،يقرب يده من أفواههم كي يلثموا يد جالب الخير إلى البلاد،يقوم بجولة تفقدية داخل مطابخهم،يفحص قدورهم،يعطي تعليماته الوطنية في كيفية صناعة أكلات ذات ميزات ثورية تصنع أجيالاً مقاتلة ومضحية من أجل المبادئ الجديدة لخلود السلطة،يضحك ملئ فمه منتشياً مغروراً، (جروته)ترسل حرائق مزاجه إلى عالم يغتاظ،العدو يغتاظ أيضاً من مشهد البحبوحة التي يشيعها في البلاد،رقص الناس،عدم التذمر والخوف من الحرب،ناس تتسابق بشوق للمنازلة الكبرى،مدخلاً الروع في فكر العدو العسكري،باتراً أمامه كل الفرص المتاحة للتسلل إلى نفوس ضعاف نفوس لم تتحصن بعد بشراب الانتماء العقائدي.
الرمّانة اليدوية التي أحدثت الكارثة،كانت الغاية منها،استعمالها لاصطياد السمك،كلام شاع،أن الجندي المستجد(ماجد شبوط)المحترق مع صديقيه،من أهالي قرية(أم العاقول)التابعة أدارياً لبلدة(جلبلاء)أقدم صيّاد وبيّاع سمك(جملة ومفرد)في سوق البلدة.
ختم السيد الآمر الكلام:
((أخشى ما أخشاه أننا فقدنا أصحاب الضراط.))
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل