الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيتان السلطة

منذر خدام

2014 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


حيتان السلطة
منذر خدام
إذا سمعت بأن ناقلة نفط كبيرة قد حملت بالنفط الخام من أحد الموانئ ، وغادرت بدون أن يكون لها أي قيد لدى السلطات المعنية، أو أن مدحلة كبيرة مستوردة حديثا لأحد الجهات الرسمية "اختفت" بُعيد تنزيلها من الباخرة ، لتعود فتظهر على رصيف التنزيل في المرفأ بعد نحو شهرين من استخدامها في أشغال خاصة، أو أن ينتهي مآل سلع استهلاكية متنوعة بقيمة مئات الملايين من الليرات السورية مستوردة لصالح إحدى الجهات الرسمية، في مخازن ومحلات بيع خاصة، أو أن تباع (هدية) من بضع طائرات مدنية كانت قيد التعمير والإصلاح، قدمتها إحدى الدول العربية إلى الحكومة السورية، إلى الحكومة ذاتها، من قبل المسؤولين المعنيين فيها... وقد حدث كل ذلك وغيره كثير في ظروف "الاستقرار والأمن" فاعلم أن الحديث يجري على سورية. لقد كان السوريون، قبل الأزمة الراهنة التي تعصف ببلدهم، يتندرون في جلساتهم وأمسياتهم، عندما يجري الحديث عن الفساد والنهب والسرقة بالقول إن من يسرق باخرة نفط، أو مدحلة يهون عليه سرقة كل شيء، إنها ظاهرة حيتان السلطة وأصحاب النفوذ التي تضخمت كثيرا في ظروف الصراع المسلح الجاري اليوم على الأرض السورية.
في إحدى جلسات المناقشة لدراسة كنت قد تقدمت بها لمشروع "استشراف مسارات التنمية في سورية حتى عام 2025" بعنوان "المناخ الاستثماري في سورية" توجهت بسؤال( كنت اعلم جوابه) لأحد المسؤولين الكبار في غرفة التجارة السورية مستفسراً عن سر زيادة قيمة فواتير التصدير بنحو 25% من قيمتها وتخفيض قيمة فواتير الاستيراد بنحو 30% من قيمتها، فكان جوابه أن أشار إلى احد المسؤولين الحكوميين الكبار الذي كان يترأس جلسة المناقشة وقال: هم عودونا على ذلك، وهم شركاؤنا؟!!. وبالمناسبة في ذلك الحين (2007) كان القطاع الخاص يستورد نحو65% من حاجة السوق المحلية من السلع لكنه يساهم فقط بنحو 15% من الضرائب في تمويل ميزانية الدولة. في تلك الدراسة بينت بالأرقام أن ما يزيد عن250 مليار ليرة سورية يتم سرقتها أو "تضييعها" أو "هدرها" عبر قنوات مختلفة، في حين كان تمويل الخطة الخماسية العاشرة يعاني من عجز سنوي يقارب المبلغ المذكور.
في حديث جرى بيني وبين أحد المسؤولين الاقتصاديين اعترف المسؤول بأن هناك تقديرات لحجم الأموال التي هُربت من سورية بعد عام 1970 وحتى عام 2000 تزيد فيها عن مائة مليار دولار، وهو يأمل أن تعيد الإصلاحات التي أُعلن عنها جزءً كبيرا منها. فقلت له عليك أن تفكر أولا بقطع خطوط تهريب المزيد من الأموال، فعلق بالقول إن المسألة ليست سهلة كما تتصور، فهي تتعلق بحيتان السلطة، الذين صار واحدا منهم بعد ذلك.
ومن المعلوم أن جامعة تشرين في اللاذقية التي صدر مرسوم رئاسي بإنشائها في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وكان مخططاً أـن ينتهي العمل بها في أواخر العقد ذاته، لكنه لا يزال مستمراً حتى اليوم، وقد صرف عليها من الأموال ما يكفي لبناء عدة جامعات، علما أن قسما مهما من تمويلها جاء على شكل مساعدات من دول عربية وغير عربية، انتهى به المطاف أخيرا في حسابات خاصة.
الحديث عن حيتان السلطة يطول كثيراً ويشمل أناس على مختلف مستوياتها،صاروا يشكلون ما يسمى بالبرجوازية البيروقراطية، سمتها المميزة أنها تشغل مواقع في جهاز الدولة والسلطة تستغلها من أجل الإثراء غير المشروع. لقد شمل نطاق عمل هذه البرجوازية، قبل الأزمة السورية، جميع المجالات بدءً من المتاجرة بوظائف الدولة، وت"فييش" العاملين فيها، خصوصاً، منتسبي المؤسسة العسكرية، وحتى المتاجرة بكل أنواع الممنوعات، مرواً بفرض إتاوات على أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، أو شراكات في مشاريعهم، إلى نهب القطاع العام الاقتصادي وغيرها كثير.
في مناخ اللاقانون و انعدام الرقابة والمحاسبة، صار الفساد معمماً يمارسه الكل ضد الكل، بدءً من بائع الطوابع وصولاً إلى أعلى مسؤول حكومي في الدولة، إنه نهج رسمي للسلطة أسميته نهج "الإدارة بالفساد". لقد كان من نتيجة هذا النهج أن توقف النمو الاقتصادي في سورية، بل صار سلبياً في أواسط ثمانينات القرن الماضي، وفي مطلع القرن الحالي. فبحسب بعض المعطيات الرسمية ( انظر أيضا معطيات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي) كان نصيب الفرد الواحد من السكان من الدخل الوطني في عام 1980 يبلغ نحو 1200 دولار أمريكي، صار في مطلع عام 2011 نحو 3700 دولار أمريكي، متضمنا قيمة الخدمات التي تقدمها الدولة بلا مقابل، مما جعل سورية تشغل المرتبة الحادية عشرة في قائمة تصنيف الدول العربية. وكان من نتيجة لذلك توسع ظاهرة الفقر لتشمل نحو 34% من السكان خلال الفترة ذاتها، وانتشار البطالة لتشمل نحو 20% من القوة العاملة السورية، وتطال الشباب من خريجي الجامعات على وجه الخصوص. وللمقارنة فقط فقد كان نصيب الفرد من مواطني ماليزيا من الدخل الوطني في بلاده في عام 1980 أقل من نصيب الفرد السوري في ذلك العام، لكنه صار في عام 2011 يزيد عن 17700 ألف دولار أمريكي. هذا هو الفرق بين منطق الدولة ومنطق السلطة، ويسألون بعد ذلك عن أسباب انتفاضة السوريين ضد نظام الحكم في بلدهم؟!!
خلال الأزمة الراهنة التي تعصف بسوريا لم يتراجع دور حيتان السلطة، وإن كان العديد من شركائهم من خارجها قد غادروا البلاد مع أموالهم التي جنوها عن طريق الفساد وآلياته ومسالكه، لينموا محلهم حيتان جدد. اللافت في هذه الظاهرة اليوم هو أن البعض من ذوي النفوذ صار لديه ميليشيا مسلحة يستخدمها ليس فقط في قتال الجماعات المسلحة المعارضة، بل في الـ"متاجرة" بكل شيء بدء من مستلزمات الصراع المسلح ذاته، مرورا بكل أنواع الممنوعات، وصولا إلى لقمة عيش المواطنين..، وللحديث عن ذلك صلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا لم تتراجع شعبية ترامب رغم الإدانة؟| #أميركا_اليوم


.. 10 شهداء بينهم أطفال وعدد من الإصابات في قصف استهدف منطقة رم




.. بن غفير: الصفقة تعني التخلي عن تدمير حماس فإذا ذهب نتنياهو ب


.. تشويه لوحة فرنسية شهيرة بسبب التقاعس بمواجهة التغير المناخي




.. تظاهرة في مدينة بينغول التركية دعماً لفلسطين وغزة