الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا… وداعا يا عبد الرّحيم صمادح الكبير

كمال العيادي

2005 / 8 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



خبر :

على اثر حادث مرور أليم, فقدت السّاحة الثّقافيّة التّونسيّة خلال نهاية الأسبوع الفارط أحد أهمّ علاماتها, وهو الدكتور عبد الرّحيم صمادح. شقيق الشاعر التونسي الكبير منوّر صمادح ومحقّق أعماله.
وكان المرحوم قد عرف بنشاطه الأدبي الغزير ومتابعاته النّقدية المتميّزة وخاصّة في السّنوات الأخيرة. كما كان من أبرز المرشّحين لرئاسة اتّحاد الكتّاب التونسيين خلال هذه السّنة .
وقد خيّم وجوم رصاصيّ ثقيل سحب مرارة ظلاله على كلّ من عرفه من قريب أو من بعيد.
تغمّد اللّه المرحوم بغفرانه, و ألهم ذويه وأصدقائه و تلامذته الصّبر والسّلوان.

حاشيّة 1 :

رغم أنّني لم أتّصل يوما برسالة واحدة من الأحبّة الذين غادروا فجأة دون توديع. ورغم أنّ هناك أكثر من دليل ماديّ يؤكّد بما لا يدع مجالا لتسلّل بعض الشكّ, برحيلهم فعلا, دون تهديد مسبق مدوّن أو شفاهيّ ودون إنذار معلوم, فأنا على ثقة الآن بعد سماع خبر رحيل الصّديق
عبد الرّحيم صمادح, بأنّ حدسي لا يخون. وبأنّهم يتجمّعون في مكان ما, قد يكون خلف باب
منسيّ أو عند ركن داكن مخفيّ بدهاء من تخلّص من مقاييس الدّهاء, أو بزاوية انقطع عنها الزّوّار. يحاولون بذلك أن يمارسوا علينا نوعا من الضّغط لنحبّهم أكثر قليلا ممّا أحببناهم حتّى الآن. وكأن في قلوبنا المتورمة ركنا واحد آخر, لم نفرشه لهم… وكأنّ في الكبد قطعة أخرى لم نحفظها حبس عليهم قبل وبعد ما فعلوا بنا بهذا الرّحيل المؤلم حدّ اختلاط ملح الدّمع بمرارة ما في الصدور. حدّ صرّ الأسنان بغضب مكتوم, مقلّبين عن سبب معقول, تحت الأرض و هناك, هناك, فوق كلّ كلّ الغيوم.

حاشيّة 2 :

الصّديق عبد الرّحيم صمادح فعلها البارحة ووصلني خبر اختفائه المفاجئ وأنا في مضارب غربتي, أتطهّر من رجس أمسٍ سابق, لترتيّب فراش صباح جديد.
يا قلبي الحديد.
يا قلبي الحديد.
لماذا لا أرى من وطني غير شاهدة القبر وحشرجة صديق, لم يسعفه الوقت للبكاء على صدري, فوهبني كلّ مناديله في آخر وصيّة ؟

متن وخاتمة:

لأنّني لم أعتد تأبين الأحياء, من ناحيّة, ولحرجي من إلحاح الواجب والتّعامل معه كذلك. ونزولا عند رغبة بعض الأصدقاء الأكثر خبرة في التّعامل مع جداول الحدود الفاصلة بين تفاصيل الحياة كما اتّفق عليها بشبه إجماع. وعموميّة الموت كما أكّده أكثر من خبير موثوق به. أكثر من مرّة.
فإنّني آخذ بصبر عجيب دوري في طابور المعزّين الذين لا بدّ خارجين من كلّ فجّ عميق. كما أنّني أتقدّم ساكتا عمّا ينهش صدري لتّوديع الصّديق عبد الرّحيم صمادح و إتمام ما لابدّ منه في مثل هذه المواقف والأمور.
سأشرب مرّ قهوته ساهما. ولن أنكر من الوجوه من سيبكي بحرقة و هو يهبّ لإنزال جثمانه. ولن ازجر حفّارا مأجورا يهلّ أوّل من يهلّ التراب الذي كان قد أخرجه منذ ساعات من جديد, على جثمانه. ليكن ذلك. ولكنّني
سأستغرب حتما أنّ كلّ الألوان ستلبس معطفا أسود. وأنّ كلّ الشّعراء الذين أثق بهم سيمسحون بللا لا ينكر القلب صدقه. كما لم ينكر في يوم صدقهم. ربيّ ما أفظع أن يكون كلّ ذلك صحيحا.
لعلّي نسيت في مقابر غربتي الطّويلة فعلا, أنّ منازل الأحبّة جميعا وراء البحر. واختلطت عليّ الأمور؟
في كلّ الأحوال.
وحدك يا صديقي عبد الرّحيم, ستتابع جنازتك هادئا, وأنت تمسك بكلّ الخيوط وترى كلّ الزّوايا, كعادتك.
ليلة طيّبة يا صديقي العزيز إذن. سأحتاج للكثير من الوقت للإقلاع عن عادة إنتظار مقالك القادم بفارغ الصّبر. ولوقت أطول, قبل أنّ أخطّ مرّة أخرى, بدفتري البنّيّ الصّغير: وداعا…وداعا يا عبد الرّحيم صمادح الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس