الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعدي يوسف ... سبقني وأشتكى!

آکو کرکوکي

2014 / 11 / 24
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


لا أعتقد إنَّ النص الأخير لِسعدي يوسف (مصرُ العروبةِ ... عراقُ العجَم ) ، قد حمل معهُ الكثير من الجدة ، وخاصةً حينما أستخدام تسمية قِردستان بدل كوردستان ، ووصف شيعة العراق بالعجم !

فهذه التسميات ، ومعها تلك الفكرة المُشككة في إنسانية الشعب الكوردي ، وعروبة المكون الشيعي ، واردة وشائعة في الأوساط الشعبية العراقية ، والأعلامية العربية وحتى في الأروقة الدينية الإسلامية السُّنية . وتحديداً مِنذُ سقوط نظام صدام في 2003 . بعد أنْ أصبح الكورد والشيعة في واجهة الحكم في بغداد ، وأُعتُرِفتْ بِكوردستان كأقليم فيدرالي ضمن العراق الإتحادي . فلطالما تبجح النكرات على تلك الفضائية ، وذاك الموقع الألكتروني ، وفي شوارع تلك المدينة أو ذاك الحي بوصف كوردستان بِقردستان ، والشيعة بالإيرانين ، والعجم . ولاننسى الفتاوى القديمة التي اعتبرت الكورد أولاداً للجنِ والشياطين وأخرجهم من ملة الأنس!

اما الجديد الوحيد الذي أضافهُ سعدي يوسف ههنا ، هو رفعهِ لتلك التسميات والأوصاف من مستواها الشعبي المجهول الى مستوى علني مشهور ، وبذلك يكون قد أدخلها التأريخ من أوسع أبوابهِ . وأضفى عليها صفة الشرعية ((الثقافية)) – بين مزدوجين طبعاً!

القامة الثقافية ... هو الوصف الذي نالهُ سعدي يوسف ، مِن قِبل أغلب مَنْ نشر مدافعاً عن ظلمهِ للآخرين بدعوى ((حرية التعبير))- بين مزدوجين آخرين . سواءاً مِمن نزلت كلمات سعدي يوسف على قلوبهم كماءٍ بارد في صيفٍ حارقْ ، فعبر عما يجول بخواطرهم خير تعبيرْ . أو مِمنْ أعتاد على رؤية الأمور من زاوية واحدة ، فصار يكتب مُجتهداً ومُستبقاً لِتجنب أن يلحق بسعدي يوسف أي ظلم ، مُتناسياً ظلم وتعسف سعدي نفسهُ مع الآخرين . فصدق عليهم قول القائل : ضربني وبكى ، وسبقنى فأشتكى !

ولا نجد بُداً إلا أن نوافق السادة هؤلاء وصفهم لسعدي بالقامة الثقافية ، وبإن ماقالهُ يدخل بشكلٍ أو آخر ضمن حرية التعبير طبعاً ، مُتذكرين في الوقت نفسه التعقيد والتلبس الذي يلف هذين المفهومين المطاطيين ، أعني : الثقافة ، وحرية التعبير ، والهامش الواسع لإساءة أستخدامهما وتوظيفهما لما هو خاطئ وقبيح ، لنكون حذرين ومتحفظين دائماً ، ونضعهما بين مزدوجين!

أما لماذا نوافقهم ههنا على وصفهِ بالقامة الثقافية ، وندافع عن حرية التعبير لهُ ، ولو بشكلٍ جزئي ، فلنا أن نبدأ مما أنتهينا أليه ، أي من الحديث عن حرية التعبير نفسها!

قطعاً الأيديولجيات التي ينتمي لها سعدي يوسف ، سواءاً مايدعيهِ من يسارية وشيوعية سابقة أو مايكتنه دواخلهُ من عروبية متشددة حسب نصهِ الأخير ، سوف لن تساعدنا كثيراً في فهم معنى حرية التعبير ، فهو في النهاية مفهومٌ – ليبرالي - ومن بنات أفكار الليبرالية حصراً . وأيدولوجيات سعدي لم تعرف أو تهتم لهذا الجانب أو وقفت ضدهُ موقف العداء من حيث الفكر ، والممارسة وكسائر التيارات العروبية التي ظهرت عبر التأريخ .

القوانين في معظم الدول الديمقراطية ، تكفل حرية التعبير عن الرئي ، ومنها قوانين لندن عاصمة أعتى الديمقراطيات في العالم حيث يعيش السيد سعدي يوسف ، ولكن تلك القوانين تحدد الحُرية بقيود تستند الى مبدأ الحُرية المتساوية ، فحرية الفرد تنتهي عندما يبدأ حريات الآخرين . فهاهو جون ستيورات ميل وهو من أوائل من نادوا بحرية الرئي ، يعود ليُحدد حرية الرئي بعدم الإضرار بالآخرين .

وذاك هو إمانوئيل كانت يقول عن حرية الكِتابة : إنها هي الضمان الوحيد لحقوق الناس ، مع إنها يجب ألا تتجاوز حدود الإحترام والولاء للدستور القائم . أما دساتير الدول المُتقدمة فتحُرم الكتابات التي تؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية ودينية . هذا ناهيك عن الإساءات الشخصية . الدستور العراقي بدورهِ يعترف بكوردستان – وليس قردستان - ، ويمنح الشرعية للأغلبية السياسية – وهم الكورد والشيعة - كيما يكونوا شركاء فعليين في حكم البلاد منذ 2003 .

فكيف نفهم تسمية قِردستان والعجم إذن ؟

وقبل أن نُراعي مشاعر الآخرين ، وعواطفهم ألا يجب أن نُدافع عن السلم الأهلي ، فلا نكون سبباً لِفتنة أو نصبح وقوداً لنارٍ قد تفتك أرواح الآخرين ؟

دعنا نصيغ ونُكرر السؤال من جديد: كيف يجب أن نفهم ، ونتعامل مع تسميتي قِردستان ، والعجم ، بعد أن ضمها أهم شعراء العراق المعاصرين الى شعرهِ ، وأصبحت جُزءاً من التأريخ ، ولم يعد الأهمال ، والتجاهل ينفع معهما ؟

ليبرالياً لم أجد مايُبرر هذه المثلبة لسعدي يوسف سِوى حُجة روجر بيلون ، الذي يوردهُ في مقالهِ بعنوان (الحق في إرتكاب الخطأ) ، والذي يقول فيه: إنَّ الدفاع عن الحرية الفردية يتضمن الدفاع عن سلوكيات مُثيرة للإشمئزاز ولا أخلاقية أيضاً . على أساس إنَّ للكل الحق في أختيار نوعية سلوكهِ ولو كان خاطئاً . ومع هذا يضيف قائلاً : إن الوسيلة السلمية والوحيدة للتعامل من يختارون السلوك الخاطئ ، كالعنصرية والتمييز مثلاً هو الحق في الرد بواسطة قوة الإقناع الأخلاقي ، والتجريح العلني ، بدل اللجوء الى المحاكم . ولربما هذا هو السبب الوحيد ، الذي يجعلنا نوافق ضمناً على كفالة الحق في حرية التعبير ليوسف سعدي ، حتى لو كان سلوكهُ لاأخلاقياً ، ومثيراً للإشمئزاز ، وخاطئاً في نظرنا ، ودون أن ننسى حقنا المكفول في الرد أيضاً !

وزارة التربية في حكومة أقليم كوردستان ، لمْ تتوان للحظة ، عن شطب أشعار سعدي يوسف مِنْ المناهج الدراسية . وذلك مِن باب الحق المكفول للرد من جهة ، ومِن منطلق أنهُ :كيف يتسنى لِقرودٍ مُتخلفة أنْ يفهموا أشعار شخصٍ عربيٌ عظيم ومتطور كسعدي يوسف ، من جهةٍ أُخرى . أو حتى من باب الإجابة على السؤال الذي يقول : كيف لِقردستان ، وهي تمنع اللغة العربية حسب - إدعاء سعدي – أنْ تُدرس أشعارهُ لطلبة المدارس ، وبالعربية الفصحى أيضاً ...إنه هذا هو التناقض ، والخطأ بعينهِ!

وفيما إذا كان الفعل نفسهُ خاطئاً بصورة كُلية أو جزئية فذاك يعتمد على وجهة نظرنا أليه ، أعني الزاوية التي ننظر بها الى المسألة . وليس من زواية كوننا -ككورد أو كشيعة - معنيون بالقذف مباشرة وحسب . بل لربما من زاوية أكثر موضوعية ، وعمومية ، حينما نحاول أن نخضعها الى التقييم من وجهة النظر العلمية أو الثقافية وما ألى ذلك . فلو تناولنا إدعاءات يوسف سعدي بخصوص الأصول القردية لِمجموعة بشرية معينة أو التشكيك بالأصول العرقية العربية لِمجموعة أخرى تعيش في الشرق الأوسط ، من وجهة نظر علمية بحتة ، فإننا لانجد الكثير من الخطأ في كلام الرجل ، وإنما بعض الإختزال فقط!

النظريات العلمية السائدة تعترف بوجود أصولٍ مُشتركة للبشرية مع القرود ، وحينما نتحدث عن صلة للبشرية بإجمعها مع القرود فإننا لايمكن أن نستثني سعدي يوسف وقومه من هكذا صلة . أما علمي الإجتماع والتأريخ فتتحدثان دون كللٍ وملل عن كيفية إنتشار العرب من الجزيرة العربية الى شرق آسيا ، وشمال أفريقيا عن طريق الغزوات الإسلامية قبل أربعة عشر قرناً ، وكيف إنَّ الشعوب والبلدان في المنطقة ، وبمجملهم قد أستعربوا وأسلموا تحت وطأة وبطش السيوف ، وبما في ذلك شعوب واديي النيل والرافدين أو العراق ومصر الحاليين ، فحتى أجداد سعدي يوسف نفسهُ لربما قد كانوا أحد ضحايا ذاك التعريب القسري ، فلمْ يكونوا بالضرورة عربٌ أقحاح . أي مِنْ صُلب عدنان ، وقحطان ، والقريش واليمن . غير إن الذي يؤاخذ عليه شاعرنا الصنديد ههنا هو أختزالهُ لتلك الصفات على مجموعة دون أخرى !

طبعاً النظرة العلمية لمْ تخطر على بال سعدي يوسف حينما كتب تلك السطور مُنفعلاً ، ولربما لم يعرف هكذا نظرة طوال حياتهِ أيضاً . فما معنى ذاك الإختزال الفاقع في رؤاهُ إذنْ ، ولماذا صار شاعراً تتقاذفهُ الأهواء ، ويغيب عنهُ المنطق ، والعقل ، فيمدح فلاناً أو جهةً ويتقبل منهم التكريم والثناء ، ولكنهُ يعود ليهجوهم غداً ؟ وكما كرر ذاك الفعل الشاذ في حياته الثقافية لأكثر من مرة . هيَّ بالتأكيد فورانٌ عاطفي ، وشعري أستحوذ على تفكيرهِ في تلك اللحظة ، وما مرجعُ كُلِ عواطفنا وأشعارنا – إنْ كُنا شعراء – سوى لثقافاتنا وما تمليهِ علينا !

وهنا نعود للنقطة التي بدأنا بها حديثنا ، وكدنا أنْ ننساه بسبب كلامنا عن حرية التعبير . أعني المفهوم الواسع ، والشائك للثقافة .

لاريب في إنَّ الإسلام يُشكل الجوهر أو الجزء الأهم مِنْ الثقافة العربية ، ولربما يصح القول أيضاً لو قُلنا إن العربية – لغةً ومنطقاً وسلوكاً – أصبحت بدورها الجوهر للثقافة الإسلامية أيضاً . فهناك ثمة تبادل وتماهي شديدين بين الأثنين لايمكن تجاهلهما. ونظرة الإسلام للقرد هي نظرة حقيرة ( أنظر الآيات 65 من سورة البقرة ، و 60 من المائدة ، و166 من سورة الأعراف) ، و أقرأ قصة مسخ اللة لِبعضٍ من بني أسرائيل الى قِردة وخنازير خاسئين . أما في الثقافة العربية العامة فالقرد يشير الى الدمامة والحقارة . ومن باب الفضول والتجريب يمكن أن يوقف المرء أيُ عربي في الشارع ويصفه بإنه قرد ، غير إنهُ لايمكن إلا أن يلوم فضولهُ على نتائج تلك الفعلة الخطرة!

إذن الثقافة العربية التي ينتمي أليها السيد سعدي يوسف تحتقر القِرد ، ومَنْ يُوصَّف مِنْ بني البشر بالقردِ مِنْ قِبلهم ، فهو كمن تلقى شتيمةٌ كُبرى . وهذا ما كان يقصدهُ تحديداً . أي الشتم والإحتقار للآخر ، فهي إذن خطيئة . وحينما خرجت الصفة مِنْ وصف فردٍ بعينيه الى وصف جماعة أثنية وشعبٍ بأكملهِ ، أصبحت عُنصرية ، وشوفينية ، وليست مُجرد شتيمة عابرة.

في الواقع ، فإن الثقافة العربية ، لاتحتقر القرد فقط بل في مناسبات عدة تحتقر الأعجمي ، والمجوسي ، واليهودي ، وتقريباً كل ما هو غير عربي . فتراهُ حين يصر على إنْ يُذكر فضائل أحدهم قيل: إن فلان أبن فلان كان عربياً قريشياً قُُحاً . أي مِن نسلٍ عربي يدعو للفخر والأعتزاز ، وليس من نسلٍ آخر غير عربي ، لربما هو في تفكيرهم أقلُ مِن العربي شأناً في الترتيب . وهي ظاهرة واكبت حتى لِشروط أختيار خليفة للمسلمين الى فترة طويلة .فكان يجب أن يكون الخليفة عربياً لا بل قريشياً أيضاً ، حتى جاءت خلافة بني عثمان التُركية وغيرت هذا عن طريق القوة ، وحتى إنْ أول ملكٍ للعراق أُستورد من الحجاز ، لأنه يُنحدر من أصولٍ عربية وقُريشية خالصة . من هنا نفهم أيضاً لماذا وصف سعدي حكام العراق الحاليين مِن الشيعة بالعجم ، ولماذا أستشاط الشيعةُ غضباً من وصفة العجم . فهو يدخل في باب الأحتقار ، والعنصرية أيضاً !

يوسف سعدي الذي ملأت أشعارهُ الكُتب على مر العقود الماضية ، وتلقى جوائز كثيرة من هنا وهناك ، عن أبداعٍ أدبي قدمهُ في الكثير من المرات أو عن طريق علاقاتٍ شخصية وسياسية في مراتٍ أخرى . يُعبرُ في النهاية عن وجدان أُمتهِ خيرما تعبير . كأي شاعرٍ مُخلص ، وصادق ينطق بلسان الكثيرين ، فيعبر عما يجول بخواطرهم كما أشرنا لهُ في بداية المقال . وهو ينهل من ثقافتهم ، ويفكر مثلهم ، ويقيم المسائل في إطار تلك الثقافة بأحسن الصور . هو فعلاً - قامة ثقافية - عراقية أو عربية ، وفق هذا المعيار ، وذاك المفهوم المحُدد للثقافة .

وإن كان لنا معهُ مُشكلة ، فهي في النهاية مشكلة مع ثقافتهِ العربية الأسلامية التي لمْ يفعل فيها الزمن فعلتهُ ، ولمْ تستطع أن تغيرهُ لتِتأقلم مع تطور الثقافة الإنسانية عامةً ، لِتصبح أكثرُ إعتدالاً ، وتسامحاً ، وتقبلاً للآخر . ومشكلتنا أيضاً مع رؤية سعدي يوسف الإجتماعية والسياسية ، الذي لمْ تستطع سنين الغُربة في أوروبا أنْ تضيف عليه القليل من المنطق ، والعلمية . وهي غدت للأسف ثقافة الكثير من العراقيين !

فلو تجاوزنا كلمتي – قردستان والعجم – من نصهِ الأخير ، فإن البقية الباقية من نصهِ أكثرُ كارثية ، ولا تصمد أمام أبسط تقيمٍ علمي ومنطقي لها!

أعني حينما يَنسُبْ العراق الحديث الى العروبة مرّة ، ومن ثم الى أوروك مرةً أُخرى . تلك المدينة السومرية الصغيرة التي لمْ تزدْ مساحتها عن 6 كلم مربع فقط .فما دخل العرب بالسومريين والبابليين ، وما وجه المُقارنة بين مدينة صغيرةٍ لاتزيد مساحتها عن 6 كلم مربع مع دولةٍ مُستحدثة من قبل البريطانيين ، تمتد حدودها من الزاخو الى الفاو ، لِمساحةٍ تصل الى 438317 كلم مربع !

وتتفاقم الكارثية في تناقض سعدي يوسف حين يتكلم في نصهِ عن المصر والعراق كأصلي العروبة مثلاً . فحين يعلم الجميع إنَّ غزوات الإسلام هي التي ساهمت في تعربت تلك البلدان ، فلماذا إذن لم يقم أحدٌ بإخبار السيد سعدي إن العجم ( ومنهم الميديون ، الأخمينيون ، الفُرث والساسانيون) قد حكموا بلاد الرافدين طوال الأعوام الممتدة بين سنة 612 قبل الميلاد الى 637 بعد الميلاد ، أي تقريباً 1250 عام ، وهو مساوي تقريباً لِحُكم العرب لها أي 1400 عام. والطرفان جاؤوا لها غازيين ، ومحتلين !

ولماذا لم يخبرهُ أحداً بإنْ الكثير مِن المصريين ، وحتى العراقيين اليوم ، يفتخرون بإنتمائهم الى ثقافات وحضارات واديي النيل ، والرافدين القديمتين وليس الى بداوة الصحراء ، وماجلبه لهم الإسلام . فهم يتفقون بشكل أو آخر مع رئي مؤسس علم الإجتماع أبن خلدون عن الغزوات العربية ، وذلك حينما يقول في مقدمتهِ المشهورة : العرب أمة وحشية ، أهل نهب وعَبَث ، وإذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ، يهدمون الصروح و المباني ليأخذوا حجارتها أثافيَّ للقدور ، ويخربون السقوف ليعمّروا بها خيامهم ، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد، وأنهم أبعد الناس عن العلوم و الصناعات !

ويضيف أبن خلدون في موقعٍ آخر : الواقع إنَّ حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم مِن العجم ، لا في العلوم الشرعية ولا في العلوم العقلية ، إلا في القليل النادر ، وان كان منهم العربي في نسبه فهو أعجمي في لغته ، ومرباه ، ومشيخته ، مع العلم أن الملة عربية ، وصاحب شريعتها عربي .والسبب في ذلك إنَّ الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة . وأما العلوم العقلية أيضاً . فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز العلم ، ومؤلفوه وأستقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم ، وتركتها العرب وأنصرفوا عن إنتحالها . فلم يحمله إلا المعربون من العجم شان الصنائع كما قلنا أولاً.

أأدركت الآن ياسيد سعدي يوسف شأن العرب الى العجم عبر التأريخ ؟

فلايغرنك حُكم القوة ، والسيف ، والغزو ، والأحتلال الذي نشرت بموجبهِ العربية في سائر بلدان شرق آسيا ، وشمال أفريقيا ، لِتُسميها أنت اليوم وطناً عربياً ، وتتحسر على فقدانك الحكم على ذاك أو تلك الجُزئية فيها فتلعن الآخرين وتمسخهم قروداً أو عجماً عبيدا. فحتى تلك القوة والوحدة لم تأتيان ألا بعد أنْ صنع محمد لكم الاسلام ، فلقد عرف بِفطنته إنَّ الأعراب لايمكن أن يتوحدوا ، ويكون لهم شأنٌ بين الروم ، والعجم إلا ضمن نظرية دينية كما يشهد بذلك أبن خلدون قائلاً : إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية مِن نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة ، والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم إنقياداً بعضهم لبعض ، للغلظة ، والأنفة ، وبعد الهمة ، والمنافسة في الرئاسة ، فقلما تجتمع أهواؤهم ، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم ، وذهب خلق الكبر ، والمنافسة منهم ، فسهل إنقيادهم ، وإجتماعهم . وهو مانفع مع بدو الجزيرة فأنطلقوا يحتلون البلدان واحدة تلو الأخرى بدعوى الجهاد ، كما نفعت اليوم مع داعش وغير داعش .

عسى أن تعيد النظر بما كتبت لئن تُضيف الى إبداعك الشعري والعاطفي ، القليل مِنْ المنطق ، والعلمية ، والتسامح !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ اكو كركوكلي
فريد جلَو ( 2014 / 11 / 24 - 01:00 )
اني احد الذين ادلو بدلوهم بهذا الخصوص لقد رفضت فكرة حرق كتبه ففي المرحله السبقه كان نتاجه في خدمه الجماهير وقضاياها لذا اصبح ملك تلك الجماهير وهو كاي انسان ممكن ان يغادر الى الضفه الاخرى وها هو قد فعل فاصبح نتاجه لهذه المرحله ملكه ويجب ان تحاسبه الجماهير بطربقه حضاريه لرد الصاع صاعين


2 - الى الأستاذ فريد جلو
آكو كركوكي ( 2014 / 11 / 24 - 07:41 )

أولاً تقبل تحياتي وشكراً لمرورك وتعليقك .

للأسف لم يتسن لي أن أقرأ مقالكم بهذا الشأن .

أوافقك الرئي تماماً إن حرق كتبه ليس بالأسلوب الأمثل للرد عليهِ بل لربما سيكون له نتائج عكسية وتخدم شهرتهُ أكثر وهو حر في إرتكاب الخطأ كما وضحت في المقال أعلاه وكما علقت بذلك على مقالة الأستاذ عماد علي.

غير أنهُ لايمكن ترك مثلبتهِ أن يمر مرور الكرام ولابد من الرد وكما تفضلتم الصاعة صاعين وبنفس سلاحه أي الكلمة ...مضافاً أليها المنطق الذي لايعرفهُ سعدي يوسف!


3 - سعدي يوسف وطلقة الرحمة
الحكيم البابلي ( 2014 / 11 / 24 - 08:28 )
الزميل المحترم أكو كركوكي
لا أعتقد أن سعدي يوسف يستحق أن تُحرق كتبه، بل هو يستحق الرثاء والرحمة، والرحمة للأموات والأحياء معاً
كذلك برأيي أن سعدي يوسف كان يحتضر بين الموت والحياة في فكر الناس التقدميين وأحرار الفكر، ولهذا فقد أطلق على نفسه (طلقة الرحمة) حين كتب وصرح وقال ما قاله من هذيان وهو يُصارع سكرات الموت
إتركوه لينتهي بسلام
الحكيم البابلي - طلعت ميشو


4 - أهلا بك أستاذ حكيم البابلي
آكو كركوكي ( 2014 / 11 / 24 - 10:17 )


أنا على قناعة إن الناس ذوي العقول الحرة والتقدمية لاتُعير لكلمات سعدي يوسف أدنى أهمية .

المشكلة في من لايملكون هكذا عقول وهم كثيرون .

شئنا أم أبينا فسعدي يوسف يعبر عن وجدان مجموعة ليست بالقليلة ولا يمكن تجاهلها وللرجل تأريخ لايمكن محوهُ .

الأهم من هذا هو كم الأصوات المدافعة عنهُ والحريصة على عدم الإساءة أليه دون الإلتفات الى حق المقابل في الدفاع عن أنفسهم فسبقوهم الى الشكوى وصوروا سعدي على إنهُ الضحية ...

طبعاً رد الكلمة هو الكلمة ورد الإساءة يكون بالحكمة أم حرق الكتب فهو مجرد عجز وإفلاسٌ !
ودمتم.


5 - فنره حرجه
د.قاسم الجلبي ( 2014 / 12 / 10 - 11:20 )
سيدي العزيز, ان الشاعر سعدي يوسف يمر بمرحله عمريه في غايه الصعوبه والآحراج , وحيدا لاو جود لعائلته , غريبا عن الوطن , يسترجع ذكرياته في البصره , كل هذه العوامل وغيرها جعلته يتمرد على وطنه العراق واصفا له اقسى التعابير, قواجب المثقفين والمقربين اليه الاتصال به بالوقوف الى جانبه وتشجيعه الى اعاده الثقه لنفسه حمايه لتاريخه الشعري والنضالي, وعدم السماح للآنحدار الى مصاف الآعداء , وهذه مهمه صعبه علينا ان نتداركها قبل فواه الآوان , , استمتع كثيرا بقراءتي لبعض من مواضيعكم الجاده , مع الود والتقدير

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية