الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين زمن القهر والحرمان ، وبارقة الأمل.

جعفر المهاجر

2014 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


بين زمن القهر والحرمان وبارقة الأمل.
جعفر المهاجر
بسم الله الرحمن الرحيم:
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ-الرعد 11
حين يتصفح المرء أي دستور عراقي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 يجد جملة رئيسية تشترك فيها هذه الدساتير وهي (إن الشعب هو مصدر السلطات )، وقد عاصر كاتب هذه السطور العديد من الحكومات العراقية قبل الإحتلال الأمريكي ومنها فترة من الحكم الملكي حيث كان الشعب يقع في آخر القائمة من إهتمامات تلك الحكومات، وأستثني منها حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي أسقط النظام الملكي الذي كان يمثل قلعة الإستعمار الغربي في المنطقة. وضحى بروحه من أجل أن ينهض العراق نهضة كبرى، لكن المؤامرة الإستعمارية التي قادتها بريطانيا وأمريكا ضد ذلك الزعيم ونفذتها عصابات البعث الفاشي في الإنقلاب الدموي يوم 8 شباط عام 1963م وأدت ذلك الحلم في أعين العراقيين بقتل الزعيم الوطني الخالد الذي رحل عن الحياة ولم يملك من حطام الدنيا شيئا. وهو الذي خاطب العمال يوما قائلا: (إني واحد منكم .. أنتم عائلتي وقبيلتي ... عندما أنظر في وجوهكم تصيبني قوة ما ، وأنقاد إلى مساعدة الكادحين في كل مكان . ) المصدر : حنا بطاطو ج1 ص 150. أما الحكومات الأخرى فقد كان الشعب يسمع منها كلاما كالعسل ، أما الأفعال فكانت كرؤوس الأسل. وكانت تلك العبارة التي تصدرت الدساتير لاتساوي مساحة الورقة التي كتبت عليها . وقد جسد العديد من الشعراء مأساة الشعب العراقي ومعاناته في تلك السنين الماضية ومنهم الشاعر المرحوم معروف الرصافي ذلك في قصيدته (أنا بالحكومة والسياسة أعرف) التي كتبها على أثر ثورة العشرين الكبرى قائلا في بيتين منها:
علمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ - كلٌ عن المعنى الصحيحٍ مُحَرًفُ
أسماءُ ليسَ لها سوى ألفاظُها –أما معانيها فليست تٌعرفُ
وكتب الشاعر محمد مهدي الجواهري قصيدته المعبرة عن ذلك الواقع المزري ( تنويمة الجياع) التي مطلعها:
نامي جياعَ الشَّعْـبِ نامي حَرَسَتْكِ آلِهـةُ الطَّعـامِ
نامي فـإنْ لم تشبَعِـي مِنْ يَقْظـةٍ فمِنَ المنـامِ
نامي على زُبَدِ الوعـود يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ وتناول الشاعر علي الشرقي أيضا مأساة الشعب العراقي في العديد من قصائده وفي رباعياته (البلبل السجين) دون كل ما عاناه الشاعر تحت تلك الظروف القاهرة والتي عكس من خلال معاناته معاناة الشعب برمته تحت نير تلك الأنظمة المستبدة وما رافقها من آلام وممارسات قمعية بحق الطبقات المسحوقة حيث يقول في إثنتين منها :
أيها البلبل والمعلّق في السجن سلام لعل حالك حالي
فجناحاك مثل قلبي يا بلبل قد رفرفا لضيق المجالِ
لعب التافه الرخيص من الناس مع الدهر بالنفيس الغالي
وإذا الورد في الحوانيت والطير وراء الأبواب والأقفالِ
*****
أيها البلبل المعلّق في السجن سلام عليك في السجناءِ
ما دهتك الأعداء بالسجن يا بلبل لكن سجنت للأصدقاءِ
إنني دائماً أراك وحيداً بلبلي هل عرفت عقم الاخاءِ
لم تغرد في السجن كي تطرب القوم ولكن غرّدت للإزدراء
وكانت كلماته تلك صرخة مدوية بوجوه أولئك الحكام. وكتب الشاعر الملا عبود الكرخي الكثير من القصائد التهكمية التي كانت تنتقد النظام الملكي وأتباعه ومن أهمها قصيدة (قَيًم الركاع من ديرة عفج ) يقول في مقاطع منها: گمت ما اميز الذيب امن الحملْ
إمنين ما التفت گلبي يشتعلْ
انه ما شايف شعب يتبع خبلْ
شاب راسي وتيهت كل السچچْ
قيًم الرگاع من ديرة عفچْ!
يا حكومتنه الرشيده ام الوقار!
الفساد المالي عنوان الچ صار
ندري جابوكم ابدبابه وقطار
ليش ضليتوا سمچ ياكل سمچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
لازم انميز الزين امن الزلم
وننتخب كلمن شهم صاحب علم
ونرفض اللي يجي كل يوم ابفلم
من ايشوف المنصب اشويه إندرج
قيم الرگاع من ديرة عفچ.!
ويمكنني القول إن ذلك النظام الملكي رغم فساده وعمالته للأجنبي كان يسمح بفسحة ضيقة من الحرية التي سمحت لهؤلاء الشعراء بهذا الكلام . أما الجمهوريات التي أعقبت مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم فكانت فتراتها من أبشع الفترات المظلمة من تأريخ العراق وخاصة الفترة التي حكم بها الدكتاتور صدام العراق بالنار والحديد لثلث قرن من الزمن .كان الإنسان يسحقُ فيها سحقا.
ومرت الأعوام ثقيلة كثقل الجبال وأجيال من الشعب العراقي لاتسمع من أبواق الحاكم المستبد غير ب(الروح بالدم نفديك يافلان) و(إذا قال فلان قال العراق .) وصار الدكتاتور هو مصدر السلطات الحقيقي.فكمم الأفواه، ووضع الخطوط الحمراء على كل شيئ لمصادرة إرادته، ونشرعسسه في كل مكان ليحصوا الأنفاس ، وتلاعب بأموال الشعب لإشباع شهواته المحرمة ،وبناء القصور الفارهة له ولأولاده وأحفاده ،وسرق ثروات الوطن ليودعها في البنوك الأجنبية ، وأغرق جلاوزة البعث الفاشي البلاد في بحر متلاطم من الفساد يصولون به ويجولون وهم ينسبون الصفات العظمى لصنمهم إلى حد العبادة.ونتيجة لحالة جنون العظمة التي أصيب بها ذلك الدكتاتور أشعل الحروب العبثية وزج الشعب فيها ليبني مجده الزائف على جماجمه. وكان المواطن المغلوب على أمره يساق إلى تلك الحروب كما تساق النعجة إلى الذبح. وفقدت معظم العوائل العراقية ضحية أو أكثر من أبنائها. وآنتشرت المقابر الجماعية على مجمل مساحة الوطن. وعم الخراب في كل أرجائه وكما قال الشاعر :
إذا كان الغراب دليل قوم – أدلهمُ على أرض الخرابِ
ثم وقع الشعب العراقي بين براثن الإحتلال الذي أسقط الدكتاتور لأهدافه الإستراتيجية ،وزاد الخراب خرابا. وجعل من العراق الخط الأول للدفاع عن أمريكا ، وساحة تلعب فيها مخابرات الكثير من الدول .وفتح الحدود على مصاريعها لدخول الإرهاب إلى الساحة العراقية ، وأشعل الفتن الطائفية والعنصرية ،ودعا إلى تقسيم العراق على ذلك الأساس، ونهب حاكمه بريمر المليارات من أموال العراق ورحل . وتشكلت خمس حكومات بعده لم تكن بمستوى طموحات العراقيين،ولم تشعل بارقة أمل في طريقهم المليئ بالأوجاع والآلام لحد هذه الساعة بعد أن تأرجحت سفينة العراق في بحرفي بحر متلاطم من الأزمات. فتفشت ظاهرة النعرات الطائفية السوداء على أبشع صورها، وترعرع الإرهاب الدموي في أحضانها، وأزهق مئات الآلاف من الأرواح البريئة ، وآشتدت فيها الصراعات بين السياسيين على المصالح الخاصة ،وكاد العراق يقع في أتون حرب أهلية لاتبقي ولا تذر لولا عناية الله وحكمة رجال العراق الصالحين. ونخر الفساد في كل مفاصل الدولة ونهبت تماسيح الفساد أموالا كثيرة خارج الوطن. والكل يدافع عن كتلته وحزبه وقبيلته ،ويدعي وصلا بليلى ليقول أنا الأصلح ،والأدهى والأمر إن البعض من هؤلاء السياسيين بات يرنو إلى من يوجهه من خارج الحدود ، ويطلق التصريحات الفارغة والخطب الرنانة من شاشات الفضائيات لدغدغة مشاعر الناس وإيهامهم بأنه القادر على مداواة جراح الوطن التي تعمقت يوما بعد يوم نتيجة تصرفاتهم. وبقيت هذه الجراح تنزف وتنزف والكثير من المسؤولين والنواب ظلوا مشغولين بجني المكاسب والإمتيازات على حساب مأساة الشعب. وكأن الشعب في واد وهم في واد آخر. وظل العراقيون ينتظرون الأمل بتغيير هذه الحكومات عن طريق صندوق الإنتخاب، ويمنون أنفسهم ب عسى ولعل وربما ستلوح بارقة الأمل. واليوم يعيش العراق في وضع لايحسد عليه بعد أن إحتل الإرهاب الداعشي أجزاء واسعة من أرض العراق وعاث فيها قتلا وفسادا وتهجيرا.ونتج عنها وعن الإرهاب المستمر منذ عشرة أعوام والحروب السابقة التي أشعلها الدكتاتور جيشا من الأيتام والأرامل والمعوقين والمعدمين واللاجئين في وطنهم. وهاهي عيون العراقيين ترنوا إلى حكومتهم الخامسة ورئيسها التي ورثت هذه التركة الثقيلة من المشاكل الكبرى ولا نشك بوطنية وإخلاص رئيسها والعديد من أفرادها، لكن البعض منهم يسعى إلى إرجاع العراق لتلك المعادلة المريرة من خلال الإسطوانة المشروخة ( تهميش السنة ومحاربتهم ) والتي يركز عليها الإعلام العربي المعادي للتأليب على العراق وإضعافه وتدمير نسيجه الإجتماعي. ونحن نعلم إن تغيير النفوس هو من أصعب الأمور لإنقاذ العراق مما هو فيه بعد هذه السنوات العجاف من القهر والدماء والإحباط . وإن الإرهاب حين يرى خطوة تتحقق في طريق تقدم الوطن نحو الإستقرار يزداد شراسة ودموية ، وإن قوى في العملية السياسية تسعى إلى تسييس القضاء لصالحها. وتتلقى الأوامر من خارج الحدود. لكن من واجب المخلصين الذين يقودون سفينة العراق اليوم أن يشقوا طريقهم عبر الصخور لإقامة دولة الإنسان التي تضمن لكل مواطن عراقي أن يعيش موفور الكرامة في وطنه. لأن هذا هو واجب مقدس على عاتق كل من يتحمل مسؤولية قيادة الوطن وهي من أعظم الأمانات. ولأن لسان حال العراقيين المظلومين مازال يردد
ماأضيق العيش لولا فسحة الأمل. فهل تستطيع حكومتهم الخامسة والعام الميلادي الجديد على الأبواب إشعال بارقة الأمل لهم لتخفف عن كواهلهم تعب السنين أم تضاف أعوام أخرى إلى تلك الأعوام الثقيلة التي أرهقت العديد من الأجيال ، وجعلت من الوطن ساحة للمحن والويلات؟ لابد إن قادمات الأيام ستجيب عن هذا السؤال الكبير.
جعفر المهاجر/ السويد
25/11/2014م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزعيم والفقراء والامهم
اّيار ( 2014 / 11 / 24 - 21:44 )
يقول احد مرافقي الزعيم انه عند التقائه بمجاميع من الفلاحين والعمال الفقراء خلال زياراته الليلية كان يلاحظ فرحا كبيرا يغمره وتكاد نلاحظ ذلك من شعاع عينيه وفي امر اخر قرأن لاحد الكتاب المصريين ماساة العائلة المصري عندما يفترش الاب والام والاولاد ( بنين وبنات ) وعلى مختلف اعمارهم ويلاحظون ويسمعون ما لايمكن ان يسمع او يلاحظ بين ابويهم ويعزو الكاتب الى تزايد جريمة او مأساة ( زنا المحارم ) الى هذه الحالة المحزنة والخطيرة وهنا اريد القول على لسان احد وزراء الزعيم حيث قال انه ( اي الزعيم قاسم ) كان مهتما جدا بمشاريع الاسكان ليس فقط لمحدودي الدخل وانما للفقراء ممن ليس لهم مصدر ثابت لاي دخل فكان يقول اريد ان تعيش العائلة العراقية في مسكن لائق بها ويحفظ كرامتها لا ان يعيشو كالبهائم في صريفة او في غرفة واحدة وبقضون نهارهم وليلهم بها ..كم كان الزعيم عطوغا ورحوما وكم كان بعيد النظر في نظرته الى المجتمع وتأمين سبل العيش الكريم للعائلة العراقية المعدمة في ذلك الزمان ..تحيتي الى الكاتب المحترم ..

اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته