الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرخة مظلوم

طوني سماحة

2014 / 11 / 26
حقوق الانسان


عندما أطلت السيدة إنصاف حيدر ضيفة على برنامج سؤال جريء في قناة الحياة المسيحية بتاريخ 20/11/2014 لتخبر عن معاناة زوجها السيد رائف بدوي في سجون السعودية ومعاناتها مع أولادها الثلاثة في منفاهم الاختياري في الغرب، وجدت نفسي أغرق في بحر من التأمل في واقع الشعوب العربية والإسلامية. جريمة السيد بدوي انه يسبح ضد التيار. فهو ليبرالي ملحد قام بمهاجمة الهيئة والمؤسسة الدينية في السعودية، وبالتالي تم الحكم عليه بالسجن عشر سنوات وبالجلد عشرة آلاف جلدة.

عندما كتب السيد عبدالله مطلق القحطاني بتاريخ 24/11/2014 رسالة على صفحات الحوار المتمدن الى سيادة وزير الداخلية يرجوه فيها السماح له باستخراج جواز سفر هو محروم منه منذ عشرين عاما كيما يسمح له بالسفر والزواج، شعرت اننا امام ثقافة تشبه المحدلة التي لا تتوانى عن سحق من يعترض طريقها.

السيد بدوي كما ذكرت سابقا ليبرالي ملحد، وأنا ضد الالحاد لكنني لست ضد الانسان. أنا ضد الفكر الالحادي، لكنني لست ضد الانسان الملحد. لا بل لا مانع لدي أن يكون لي أصدقاء ملحدين. ففي واقع الامر، بعض زملائي في العمل ملحدون ومتطرفون في الالحاد وبعضهم ينتمي الى ديانات متعددة والجميع يعيش معا بسلام. فلا الملحد يشعر انه تم اقصاؤه، ولا المتدين يشعر ان دينه مهدد، والجميع يشعر انه مواطن يتساوى امام القانون المدني في الحقوق والواجبات بغض النظر عن معتقده. كذلك الامر بالنسبة لبعض أقربائي، فهم ملحدون لا يعنيهم الله مطلقا ولا يؤمنون لا بالسماء ولا بالأرض، والبعض منهم تزوج من مسلم أو مسلمة وآخرون اقتادهم الحب ليرتبطوا بشركاء من جنسيات قريبة وبعيدة مثل الأفريقية والامريكية والاسيوية، لكنهم ما زالوا أهل قربة لي تجمعنا الافراح والاتراح وتربطنا العلاقات الانسانية والعائلية قبل ان تربطنا العلاقات الدينية. أما في الكثير من بلداننا العربية والاسلامية، فالانسان في الكثير من الحالات يفقد إنسانيته إن تجرأ على الإلحاد أو على الزواج من شريك من غير دينه. والقانون عندنا يقف الى جانب الدين والثقافة ضد الفرد الذي يتجرأ أحيانا أن يفكر بشكل مختلف عن الأكثرية. والنتيجة قانون يدافع عن إله يعجز عن الدفاع عن نفسه، وفرد صغير يحمل وطأة المجتمع تمييزا وعنصرية وسجنا وقمعا.

آن الأوان أن نستيقظ من سبات الجاهلية التي تحكم مجتمعاتنا. آن الأوان أن نخرج من أدغال التخلف التي التفت بأعشابها وأغصانها على أدمغتنا، فحرمتنا مما تبقى لدينا من إنسانية وحرمت الشمس من الشروق في حياتنا. الدين، العادات، الفكر المتحجر، التقاليد كثيرا ما تجعل منا سفاحين. تحولنا الى أفاعي لا تتوانى عن بث سمومها على الآخرين. الدين، العادات، التقاليد والتحجر الفكري جعلت من السيد بدوي مجرما يستحق الجلد والإهانة، كما جعلت من زوجته وأطفاله متشردين يبحثون في الغربة عن مأوى وأمان حرمتهم منهما بلادهم. الدين، العادات،والتقاليد جعلت من الزوجة أرملة ومن الاطفال أيتاما وزوجها وأبوهم حي يرزق. ترى من هو المجرم في هذه الحالة؟ أهو السيد بدوي الذي إن كان قد أساء الى ربه، فربّه كفيل به، أم القضاء الذي حرم طفلا من أبيه؟

لماذا يحرم السيد عبدالله مطلق القحطاني من السفر؟ لماذا تنتهك إنسانيته بعد أن قضى ما قضاه في السجن؟ لماذا توصد في وجهه الأبواب بعد قمعه وإعاقته؟ لماذا يضيق القضاء إن كان الله قد أعطاه حق الحياة؟ إن كان قد أساء الى الله فليتكفل الله به.

خاض الغرب معركة التضييق على الحريات ولم يزدهر فكريا وثقافيا واقتصاديا إلا بعد أن ضمن حرية الفكر والمعتقد لجميع أفراد شعبه دون استثناء. متى يتوقف الشرق عن خوض معركة التضييق على الحريات؟ متى يرد الشرق الكرامة للإنسان، أي إنسان بغض النظر عن دينه أو ثقافته أو...

ليس المطلوب من القضاء والمجتمع تبني فكر السيد رائف البدوي أو عبدالله القحطاني. إن كان فكر هذين الرجلين قد أساء للقيم الاجتماعية السائدة، فليأت الرد على قياس الهجوم. فليكن الرد على الفكر بالفكر، ولتقارع الحجة الحجة. أما إن كنا نصر على تقييد الفكر بسلاسل الحديد، نكون قد أخطأنا الهدف. فالحديد يقيّد اليدين والرجلين وقد يشوّه الجسد، لكنه يعجز عن تقييد الفكر، أو ربما قد يزيده صلابة ومتانة.

حضرات القضاة،
قد تنعمون بالدفء بجانب أطفالكم، لكن ثمة طفل في مكان ما يشتاق لوالده، وحكمكم هو الذي باعد بينهما. أنتم تتنشقون هواء الحرية، لكن ثمة رجل أخرجتموه من السجن الصغير لتحكموا عليه بالسجن الكبير. عودوا لضمائركم، أحكموا بالعدل وردوا الطفل لأحضان أبيه وردوا الانسانية للإنسان، وحق الحياة لمن من عليه الله بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي


.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن




.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك