الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالات لينين حول ماهو الوضع الثورى ؟ 2 مظاهرة الأول من مايو والبروليتاريا الثورية ف . إ . لينين

سعيد العليمى

2014 / 11 / 26
الارشيف الماركسي


مظاهرة الأول من مايو والبروليتاريا الثورية ف . إ . لينين
لقد مضى عام على وقوع أحداث اللينا ، والصعود الأول الحاسم لحركة الطبقة العاملة منذ إنقلاب الثالث من يونيو . وإحتفل المائة السود أتباع القيصر، وملاك الأرض ، ورعاع الموظفين الرسميين والبورجوازية بالذكرى الثلاثمائة للنهب ، أى بغزوات التتار ، وإلحاق العار بروسيا من قبل آل رومانوف . كما إنعقد الدوما الرابع وبدأ " أعماله " ، رغم أنه لم يعد يؤمن بها ، وقد فقد لحد بعيد حميته الأولى المناهضة للثورة . حاصر التشوش والضجر المجتمع الليبرالى ، الذى يطلق نداءات الإصلاح بفتور بينما يعترف فى نفس الآن بعدم عملية أى شئ قريب حتى من الإصلاح .
والآن تأتينا مظاهرة الأول من مايو للطبقة العاملة الروسية ، التى أجرت " بروفتها " الأولى فى ريجا ، ثم واصلت بمظاهرة حازمة فى سانت بطرسبورج فى الأول من مايو ( التقويم القديم ) ، وقد أسهمت هذه المظاهرة فى إنقشاع جو الكآبة القاتمة وكأنها صاعقة / عيد صاخب . لقد تصدرت مهام الثورة الوشيكة المقدمة مرة أخرى بكل عظمتها ، تقودها قوى الطبقة المتقدمة التى تبرز فى تصد شجاع أمام المئات من الثوريين القدامى الذين لم يهزمهم أو يكسرهم إضطهاد الجلادين ولا إرتداد الأصدقاء ، وأمام ملايين الناس من الجيل الجديد من الديموقراطيين والإشتراكيين .
لقد بدا قبل الأول من مايو بأسابيع وكأن الحكومة قد فقدت فطنتها ، بينما بدا السادة أصحاب المصانع وكأن لم يكن لديهم أبدا أية فطنة على الإطلاق . لقد تبين أن الإعتقالات وعمليات التفتيش قد قلبت أحياء العمال فى العاصمة رأسا على عقب. ولم تتخلف المقاطعات عن المركز .لقد دعا أصحاب المصانع المنزعجون لمؤتمرات وتبنوا شعارات متناقضة ، حينا يهددون العمال بالعقاب وبإغلاق المصانع ، وحينا يقدمون تنازلات مقدما ويذعنون لوقف العمل ، وحينا يحرضون الحكومة على إرتكاب الأعمال الوحشية ، وحينا يلومون الحكومة ويدعونها لإدراج أول مايو فى عداد الإجازات الرسمية .
ولكن رغم أن الشرطة قد أظهرت حمية قصوى ، ورغم أنها " طهرت " الضواحى ، ورغم أنها قامت بالإعتقالات يمينا وشمالا وفقا لآخر " قوائم المشبوهين " ، فلم يكن لذلك أى فائدة . لقد سخر العمال من الغضب العاجز لعصابة القيصر والطبقة الرأسمالية وهزأوا من " بيانات "الحاكم المتوعدة التى يرثي لها ، وكتبوا قصائد ساخرة وتداولوها باليد أو تبادلوها شفاهة ، وأصدروا وكأن ذلك من مورد مجهول دفعات طازجة من "المنشورات " الصغيرة سيئة الطباعة، موجزة وواضحة ، ومنورة للغاية ، تدعو للإضرابات والمظاهرات ، مذكرة الناس بشعارات الإشتراكيين الديموقراطيين الثورية القديمة غير المبتورة ، الذين قادوا فى عام 1905 هجوم الجماهير الأول على القيصرية والملكية .
مائة ألف قد أضربوا فى الأول من مايو ، هكذا قالت الصحف الحكومية فى اليوم التالى . أما الصحف البورجوازية فقد أفادت ، مستخدمة المعلومات المبرقة ، بأنهم مائة وخمسة وعشرون ألف ( كييفسكايا ميسل ) .أبرق مراسل لسان حال الإشتراكية الديموقراطية الألمانية من سانت بطرسبورج بأن العدد قد بلغ مائة وخمسون ألف . وفى اليوم التالى نقلت الصحف البورجوازية فى مجملها رقما يبلغ 200،000 – 220،000 . والواقع أن عدد المضربين قد بلغ 250،000 !
ولكن ، بغض النظر عن عدد المضربين ، هناك ماهو أشد تأثيرا ، وأكثر مغزى – المظاهرات الثورية فى الشوارع التى قام بها العمال . قامت جموع العمال فى / وحول العاصمة بإنشاد أغان ثورية ، داعين للثورة بصوت عال وحاملين أعلاما حمراء وقاموا لعدة ساعات بقتال قوى الشرطة والأمن التى حركتها الحكومة بسعار شديد . وجعل هؤلاء العمال أشد أتباع القيصر يشعرون أن الصراع كان جديا ، وأن الشرطة لم تواجه حفنة من الأفراد منخرطين فى أمر سلافولى تافه ( 2 ) ، وأن جماهير العاصمة من الطبقة العاملة بالفعل هى التى ثارت . لقد كانت حدثا ساطعا بالفعل ، مظاهرة علنية لتطلعات البروليتاريا الثورية ، لقواها الثورية التى تصلبت وتعززت بأجيال جديدة ، بنداءات ثورية للناس ولشعوب روسيا . كان بمقدور الحكومة ورجال الأعمال أن يستمدوا العزاء العام الماضى من حقيقة أنه لم يكن من الممكن التنبؤ بإنفجار اللينا ، حتى أنهم لم يستطيعوا القيام بإستعدادات مباشرة لمكافحة نتائجه ، على أى حال ، لقد أظهرت الملكية بصيرة حادة ، فقد كان هناك متسع من الوقت للإستعداد وكانت " الإجراءات" التى إتخذت الأشد " قوة " ، وكانت النتيجة أن الملكية القيصرية قد أظهرت عجزها الكامل حينما واجهت الصحوة الثورية للجماهير البروليتارية .
لقد أظهر عام كامل من النضال الإضرابى منذ أحداث اللينا ، أنه بالرغم من صرخات الليبراليين والمذعنين من تابعيهم ضد " الخبل الإضرابى " ، ضد الإضرابات " النقابية " ، ضد ربط الإضرابات الإقتصادية بالسياسية وبالعكس – لقد أظهر هذا العام أى سلاح عظيم لايمكن إستبداله للتحريض بين الجماهير ، لإثارتهم ، ولجذبهم لدائرة نضال البروليتاريا الإشتراكى الديموقراطى الذى إختطته لنفسها فى الحقبة الثورية . لم يسمح الإضراب الجماهيرى الثورى للعدو بالراحة ولا بالتأجيل . وقد ضرب أيضا مالية العدو وغاصت أمام أنظار العالم أجمع فى الوحل المكانة السياسية للحكومة القيصرية التى يزعمونها " قوية " . لقد مكن أقساما من العمال أكثر فأكثر من أن تستعيد على الأقل جزءا صغيرا مما تحقق فى 1905 وجذب أقساما جديدة من الشعب العامل .، حتى الأشد تخلفا ، لدائرة النضال . وهو لم يستنفد طاقة العمال ، فلطالما كان فعلا تظاهريا لفترة قصيرة ، وقد مهد الطريق فى نفس الوقت لحركة الجماهير المكشوفة الأشد وأكثر تأثيرا والأكثر ثورية فى شكل مظاهرات الشوارع .
لم يشهد أى بلد فى العالم ، خلال العام الماضى ، هذا العدد من البشر المضرب من أجل غايات سياسية مثلما فى روسيا ، أو مثل هذه المثابرة ، مثل هذا التنوع ، مثل هذه الحمية فى الإضرابات . يبين هذا الظرف وحده بشكل كامل تفاهة ، والغباوة الخسيسة للحكماء الليبراليين والتصفويين الذين حاولوا أن " يكيفوا " تاكتيكات العمال الروس فى 1912 – 13 مستخدمين مقياس الفترات " الأوروبية " الدستورية التى خصصت للعمل التحضيرى ولتربية الجماهير اشتراكيا وتنويرها .
يظهرالتفوق الهائل للإضرابات الروسية على تلك التى فى بلدان أوروبا ، البلدان الأكثر تقدما ، ليس الخصائص أو القدرات النوعية لعمال روسيا ، وإنما الأوضاع الخاصة فى روسيا اليوم ، أى وجود وضع ثورى ، نمو أزمة ثورية مباشرة . حينما تقترب لحظة نمو مشابه للثورة فى أوروبا ( سوف تكون هناك ثورة إشتراكية وليست بورجوازية ديموقراطية كما هو الحال فى بلادنا ) ، سوف تشن بروليتاريا أكثر البلدان الرأسمالية تطورا إضرابات ، ومظاهرات ، وصراعا مسلحا ، ضد حماة العبودية المأجورة أشد ثورية بكثير .
إن إضراب الأول من مايو هذا العام ، مثله مثل سلسلة الإضرابات فى روسيا خلال الثمانى عشر شهرا الأخيرة ، كان ثوريا فى طابعهه بوصفه متميزا ليس فقط عن الإضرابات الإقتصادية العادية ، وإنما عن المظاهرات الإضرابية ، وكذلك عن الإضرابات السياسية التى تطالب بإصلاحات دستورية ، ، كالإضراب البلجيكى الأخير على سبيل المثال . ( 3 ) هؤلاء الذين تستعبدهم وجهة نظر ليبرالية ولم يعد بمستطاعهم أن يقدروا الأشياء من وجهة نظر ثورية ، لا يحتمل أن يكون بمقدورهم أن يفهموا هذا الطابع المميز للإضرابات الروسية ، طابع يعود تماما للحالة الثورية فى روسيا . إن حقبة الثورة المضادة وإنطلاق مشاعر الإرتداد قد خلفت وراءها كثيرا من الناس من هذا النوع حتى بين هؤلاء الذين قد يرغبون فى أن يسموا إشتراكيين ديموقراطيين .
إن روسيا تعاين وضعا ثوريا لأن إضطهاد الأغلبية العظمى من السكان – ليس البروليتاريا فقط وإنما تسعة أعشار صغار المنتجين ، وخاصة الفلاحين – قد إشتد حتى الدرجة القصوى ، وهذا الإضطهاد المتزايد ، والمجاعة ، والفقر ، والإفتقار إلى الحقوق ، وإذلال الشعب ، وهو مايمكن أن نضيف إليه أنه لايتسق بجلاء مع حالة القوى المنتجة الروسية ، ولايتناسب مع مستوى الوعى الطبقى ومطالب الجماهير التى ثارت فى 1905 ، ولايتفق مع حالة الأوضاع فى كل البلدان المجاورة ليس الأوروبية فقط بل الأسيوية أيضا .
لكن هذا ليس كل شئ . الإضطهاد وحده ، أيا كان فادحا ، لايدفع دائما لنشوء وضع ثورى فى البلاد . لايكفى للثورة فى معظم الحالات أن لاترغب الطبقات الدنيا فى العيش بالطريقة القديمة . بل من الضرورى ألا يعد بمقدور الطبقات العليا أن تسيطر وتحكم بالطريقة القديمة . وهذا هو مانراه فى روسيا اليوم . هناك أزمة سياسية تنضج أمام أعيننا . لقد فعلت البورجوازية كل مافى وسعها لدعم الثورة المضادة وأن تكفل " تطورا سلميا " على هذا الأساس المضاد للثورة . كما أعطت البورجوازية الجلادين والأمراء الإقطاعيين كل ماأرادوه من أموال ، وسبت البورجوازية الثورة وشجبتها ، ولعقت البورجوازية أحذية بوريكيفيتش وسوط ماركوف الثانى وأصبحت من خدمهما ، ووضعت البورجوازية نظريات مؤسسة على البراهين " الأوروبية " نظريات تسب ثورة 1905 بوصفها ثورة " مثقفين " ونعتتها بأنها شريرة ، ومجرمة ، وخائنة ، وما إلى ذلك .
ومع ذلك ، وبالرغم من كل تضحياتها من حافظة نقودها ، وشرفها ووعيها فإن البورجوازية نفسها – من الكاديت وحتى الأكتوبريون - تعترف بأن الأتوقراطية وملاك الأرض لم يكونوا قادرين على تأمين " تطور سلمى " ، ولم يكن بمستطاعهم خلق الشروط الأساسية ل " القانون " و " النظام " الذى لايمكن لأى بلد رأسمالى أن يعيش بدونها بجوار ألمانيا والصين الجديدة .
يبدو للعيان أن هناك أزمة سياسية قومية شاملة فى روسيا ، أزمة تؤثر على عين أساس نظام الدولة وليس فقط جزءا منه ، تؤثر على أساس الصرح وليس المبنى الخارجى ، وليس إحدى طوابقه فحسب . بصرف النظر عن عدد الجمل السطحية التى يعرضها ليبراليونا ومصفونا والتى تنتهى بالقول بأن " لدينا ، بفضل الله ، دستور" ، وأن الإصلاحات السياسية على جدول أعمال اليوم ( عدد محدود من الناس للغاية لايرى الصلة بين هاتين القضيتين ) ، بصرف النظر عن كم تدفق هذا الحشو الإصلاحى ، تظل حقيقة أنه مامن تصفوى أو ليبرالى يمكن أن يشير لأى مخرج إصلاحى من هذا الوضع .
إن وضع جمهور السكان فى روسيا ، وتفاقم أوضاعهم بسبب السياسة الزراعية الجديدة ( التى كان على ملاك الأرض أن ينتزعوها بوصفها أداة خلاصهم الأخيرة ) ، الوضع الدولى ، وطبيعة الأزمة السياسية العامة التى تجسدت فى بلادنا – هذه هى جملة الشروط الموضوعية التى تجعل وضع روسيا وضعا ثوريا بسبب إستحالة إنجاز مهام الثورة البورجوازية بإتباع المسار الحالى وبواسطة الوسائل المتاحة للحكومة والطبقات المستغلة .
هذا هو الوضع الإجتماعى ، الإقتصادى ، السياسي ، وهذه هى العلاقات الطبقية التى سببت بزوغ هذا النموذج النوعى من الإضرابات المستحيل فى أوروبا المعاصرة ، التى يحب كل صنوف المرتدين أن يستعيروا منها أمثلتهم ، ليس من ثورات الأمس البورجوازية ( التى تبرق من خلالها ومضات ثورة الغد البروليتارية ) بل من الوضع " الدستورى " الحالى . لكن لا إضطهاد الطبقات الدنيا ولا الأزمة فى أوساط الطبقات العليا يمكن أن تسبب الثورة ، يمكنهما أن يسببا فقط تعفن / إنحلال البلاد ، مالم يكن لدى هذا البلد طبقة ثورية جديرة وقادرة على تحويل حالة الإضطهاد السلبى إلى حالة إيجابية دافعة للتمرد والإنتفاض .
إن الدور الحقيقى لطبقة متقدمة ، طبقة قادرة بالفعل على إستنهاض الجماهير وحفزها للثورة ، قادرة بالفعل على إنقاذ روسيا من التعفن ، هذا الدور تلعبه لدينا البروليتاريا الصناعية . وهذه هى المهمة التى تنجزها بواسطة الإضرابات الثورية . هذه الإضرابات التى يكرهها الليبراليون ولايفهمها التصفويون هى ( كما تم طرحها فى فبراير فى قرار ح.ع.إ.ر ) " واحدة من أشد الوسائل تأثيرا لتجاوز اللامبالاة ، واليأس ، وتشرذم البروليتاريا الزراعية والفلاحين ، ... ولجذبهم للأعمال الثورية الأشد تناغما وتزامنا وشمولا .
تجتذب الطبقة العاملة إلى العمل الثورى جمهور العاملين والمستغلين ، المحرومين من الحقوق الأساسية والمدفوعين إلى اليأس .فتعلمهم الطبقة العاملة النضال الثورى ، وتدربهم من أجل العمل الثورى ، وتشرح لهم كيف يجدون مخرجا ، وكيف يحققون الخلاص . والطبقة العاملة تعلمهم ليس بالكلمات فحسب ، وإنما بالأفعال ، بضرب المثال ، والمثال لايقدمه أبطال من المغامرين المنعزلين وإنما بالعمل الثورى الجماهيرى الذى يربط بين المطالب السياسية والإقتصادية .
كم هى واضحة ، كم هى جلية ، وكم هى قريبة تلك الأفكار من كل عامل شريف ملم حتى بأوليات نظرية الإشتراكية والديموقراطية ! وكيف هى غريبة عن خونة الإشتراكية والغادرين بالديموقراطية من أوساط الإنتلجنسيا الذين يسبون أو يسخرون من " العمل السرى " فى الصحف التصفوية مطمئنين المغفلين السذج أنهم أيضا " إشتراكيون ديموقراطيون " .
إن مظاهرة بروليتاريا بطرسبورج فى الأول من مايو ، التى ساندتها بروليتاريا كل روسيا ، قد أظهرت بوضوح مرة أخرى لمن لهم عيون ترى وأذن تسمع الأهمية التاريخية الكبرى للعمل الثورى السرى فى روسيا المعاصرة . لقد أجبرت منظمة ح .ع . إ . د . ر الوحيدة فى سانت بطرسبورج ، لجنة سانت بطرسبورج ، حتى الصحف الخاصة ، قبل مظاهرة الأول من مايو وكذلك عشية 9 يناير ، وعشية الذكرى الثلاثمائة لغزو آل رومانوف وكذلك فى 4 أبريل ( 4 ) أن تلحظ أن منشورات لجنة سانت بطرسبورج قد ظهرت مرة بعد مرة فى المصانع .
لقد تكلفت هذه المنشورات تضحيات هائلة .فأحيانا تكون غير جذابة فى مظهرها بالمرة . بعضها ، كالدعوة للتظاهر فى 4 أبريل ، على سبيل المثال تعلن ساعة ومكان المظاهرة فحسب ، فى ستة سطور، ومن الواضح أنها وضعت سرا ، وبعجلة شديدة فى محلات طباعة مختلفة وبأنماط مختلفة . لدينا أناس ( "إشتراكيون ديموقراطيون أيضا " ) حينما يلمحون لأوضاع " العمل السرى " يضحكون بخبث نصف ضحكة ويزمون شفتيهم بإحتقار ويسألون : " إذا كان كل الحزب محصورفى العمل السرى ، فكم عضو سوف يضم ؟مائتان أو ثلاثمائة ؟ ( أنظر عدد رقم 95 ( 181 ) من جريدة ليش ، لسان حال المرتدين ، فى دفاعها التحريرى للسيد سيدوف ، الذى يملك الشجاعة المحزنة لأن يكون تصفويا صريحا . ظهر مقال ليش هذا قبل مظاهرة الأول من مايو بخمسة أيام ، أى فى ذات الوقت الذى كان فيه مناضلوا العمل السرى يعدون المنشورات ! )
لابد أن يعلم السادة دان ، وبوتريسوف وأضرابهم ، الذين يصدرون هذه التصريحات الشائنة ، أن كان هناك آلاف البروليتاريين فى مراتبنا الحزبية بداية من عام 1903 ، و150 ألف عام 1907 ، وحتى الآن هناك الآلاف وعشرات الآلاف من العمال يطبعون ويتداولون المنشورات السرية ، بوصفهم أعضاء فى الخلايا السرية لحزب العمال الإشتراكى الديموقراطى الروسي . ولكن السادة التصفويون يعلمون أن " شرعية " ستوليبين تحميهم من الدحض القانونى لأكاذيبهم العفنة و" تكشيراتهم " التى هى أعفن ، على حساب العمل السرى .
أنظر إلى أى حد فقد هؤلاء الحقيرون الصلة بحركة الطبقة العاملة وبالعمل الثورى بصفة عامة ! إستخدم حتى مقياسهم الخاص الذى زيف عمدا ليناسب الليبراليين . لك أن تفترض للحظة أن " مائتان أو ثلاثمائة " عامل فى سانت بطرسبورج أسهموا فى طباعة وتوزيع هذه المنشورات السرية .
ماهى النتيجة ؟ " مائتان أو ثلاثمائة " عامل ، زهرة بروليتاريا سانت بطرسبورج ، أناس لايسمون أنفسهم فقط إشتراكيين ديموقراطيين ولكنهم يعملون كإشتراكيين ديموقراطيين ،أناس مبجلون ومقدرون لذلك من جانب الطبقة العاملة الروسية بكاملها ، أناس لايهذرون حول " الحزب العريض " وإنما ينظمون فى الواقع الحزب الإشتراكى الديموقراطى السرى الوحيد الموجود فى روسيا ، ويطبع هؤلاء الناس ويتداولون المنشورات السرية . يضحك تصفويو جريدة ريش بإزدراء ( يحميهم رقباء ستوليبين ) على " المائتين أو الثلاثمائة " ، على " العمل السرى " وعلى أهميته "المبالغ فيها " ، الخ .
وفجأة ، تحدث معجزة ! وفقا للقرار الذى إتخذه ستة أعضاء من الهيئة التنفيذية للجنة سانت بطرسبورج – طبع منشور وجرى توزيعه من " مائتان أوثلاثمائة " – فهب من الناس مائتان وخمسون ألف هبة رجل واحد فى سانت بطرسبورج .
لاتتحدث المنشورات ولا الخطب الثورية التى ألقاها العمال عن " حزب عمالى مفتوح " ، وحرية تشكيل الجمعيات ، أو إصلاحات من هذا النوع ، أو عن الأوهام التى يخدع بها الليبراليون الشعب . إنهم يتحدثون عن الثورة بوصفها المخرج الوحيد . ويتحدثون عن الجمهورية بوصفها الشعار الوحيد الذي ، على النقيض من أكاذيب الليبراليين عن الإصلاح ، يشير إلى التغيير المطلوب لتحقيق الحرية ، كما يشير للقوى الجديرة للنهوض بوعى للدفاع عنها .
إن المليونين من سكان سانت بطرسبورج يسمعون ويرون هذه النداءات للثورة التى تمس شغاف قلوب كل قطاعات السكان المضطهدة والكادحة . ترى مدينة سانت بطرسبورج كلها من نموذج واقعى على نطاق جماهيرى ماهو المخرج الحقيقى وأى كذب يمثل الحديث الليبرالى عن الإصلاحات . آلاف من صلات العمال – ومئات الصحف البورجوازية ، التى تضطر أن تتحدث عن العمل الجماهيرى فى سانت بطرسبورج وإن كان فى نتف مجتزأة – تنشر عبر روسيا بأجمعها الأنباء عن حملة الإضراب العنيدة لبروليتاريا العاصمة . يسمع كلا من الجمهور الفلاحى والفلاحين الذين يخدمون فى الجيش هذه الأنباء عن الإضرابات ، وعن المطالب الثورية للعمال ، عن نضالهم من أجل الجمهورية وعن مصادرة الأراضى لصالح الفلاحين . تحرك الإضرابات الثورية وتحرض وتنير وتنظم جماهير الشعب من أجل الثورة ، ببطء ولكن بشكل مؤكد .
يعبر " المائتان أو الثلاثمائة " من " أناس العمل السرى " عن مصالح وإحتياجات الملايين وعشرات الملايين ، إنهم يخبرونهم بالحقيقة عن وضعهم اليائس ، ويفتحون أعينهم على ضرورة النضال الثورى ، ويلهمونهم الإيمان به ، يزودونهم بالشعارات الصائبة ، ويبعدون هؤلاء الناس عن تأثير الشعارات البورجوازية الإصلاحية الطنانة الكاذبة تماما . وتحمل دزينة أو إثنتان من التصفويين المنتمين للإنتليجنسيا ، ممن يستخدمون النقود التى جمعت فى الخارج من أوساط التجار الليبراليين لخداع العمال غير المستنيرين ، هذه الشعارات لأوساط العمال .
لقد كشف إضراب الأول من مايو مثل كل الإضرابات الثورية فى 1912- 13 المعسكرات السياسية الثلاث التى تقسم روسيا المعاصرة . معسكر الجلادين وأمراء الإقطاع ، الملكيون والشرطة السرية . وقد فعل مافى وسعه من فظاعات غير أنه عاجز بالفعل أمام جماهير العمال . معسكر البورجوازية ، كل من فيه ، من الكاديت إلى الأوكتوبريين ، يصرخون ويئنون ، يطالبون بالإصلاحات ويظهرون أنفسهم بمظهر الأغبياء بظنهم أن الإصلاحات ممكنة فى روسيا . معسكر الثورة ، المعسكر الوحيد الذى يعبر عن مصالح الطبقات المضطهدة .
كل العمل الأيديولوجى ، كل العمل السياسي فى هذا المعسكر يقوم به الإشتراكيون الديموقراطيون السريون فقط ، من قبل هؤلاء الذين يعرفون كيف يستغلون كل فرصة شرعية بروح الإشتراكية الديموقراطية المرتبطان ببعضهما بشكل لاينفصم مع الطبقة المتقدمة . لايمكن لأحد أن يقطع مسبقا ماإذا كانت الطبقة المتقدمة ستنجح فى قيادة الجماهير نحو ثورة منتصرة . لكن هذه الطبقة تقوم بواجبها – تقود الجماهير نحو هذا الحل – رغم كل الترددات والخيانات من جانب الليبراليين ومن هم " أيضا إشتراكيون ديموقراطيون " . تتعلم كل العناصر الحية والحيوية فى الإشتراكية الروسية والديموقراطية الروسية من مثال النضال الثورى للبروليتاريا وحده ، وتحت قيادتها .
لقد بينت مظاهرة الأول من مايو للعالم كله أن البروليتاريا الروسية تتبع بثبات مسارها الثورى ، الذى لاخلاص لروسيا التى تختنق وتتحلل حية بمعزل عنه .
هوامش
(1 ) أنظر هذه الطبعة ، المجلد 18 ، ص 457 – المحرر
(2 ) يشير هذ لمظاهرات سلافوفيل التى نظمتها العناصرالقومية الرجعية فى سانت بطرسبورج فى 17 ، 18 ، و24 (30 ، 31 مارس ، و6 أبريل ) 1913 بمناسبة الإنتصارات الصربية البلغارية على الأتراك خلال الحرب البلقانية الأولى . لقد حاول الرجعيون إستخدام الصراع القومى التحررى لشعوب البلقان فى صالح التوسعيين ، سياسات القوى العظمى لروسيا القيصرية فى الشرق الأدنى .
(3 ) إن الإضراب الذى أشير إليه هنا حدث فى بلجيكا من 14 حتى 24 أبريل ( التقويم الجديد )1913 . لقد كان إضرابا عاما للبروليتاريا البلجيكية هدفه المطالبة بإصلاح دستورى – تقرير حق الإقتراع العام . شارك فى الإضراب من أكثر من مليون عامل بلجيكى حوالى 400،000 إلى 500،000 . لقد نشر ت أخبار تطورات الإضراب بإنتظام فى جريدة البرافدا ، كما طبعت أيضا إسهامات العمال الروس فى دعم الإضراب .
(4 ) صادف الرابع من أبريل الذكرى الأولى لإطلاق النار على عمال مناجم الذهب فى اللينا ، لقد شهد إضرابا ليوم واحد لعمال سانت بطرسبورج الذى شارك فيه أكثر من 85،000 من الشعب .
مصدر المقال : لينين ، الأعمال الكاملة ، المجلد 19 ، ص ص 218 – 227 ، دار التقدم موسكو 1977 . الطبعة الإنجليزية . ( أرشيف لينين على الإنترنت ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استفسار
عبد المطلب العلمي ( 2014 / 11 / 26 - 19:46 )
تحياتي و شكري لجهدكم في ترجمه العمل .ان مجلدات الاعمال الكامله بمختلف اللغات يختلف ترقيمها.لذلك اشارتك للمجلد التاسع عشر بالانجليزيه ،لم يسعفني بالوصول الى اصل النص الروسي .
ارجو ايراد تاريخ اول مره نشر بها المقال ،عاده يدرج اسفل النص بالاضافه الى تسميه المطبوعه التي نشر بها.

اخر الافلام

.. هزيمة ساحقة للمحافظين وتوجه لليسار.. ما الذي حدث في بريطانيا


.. ملك بريطانيا يعين رسميا زعيم حزب العمال كير ستارمر رئيسا للو




.. اكتسح حزب العمال البريطاني بزعامة كير ستارمر فمن هو وما برنا


.. فوز ساحق لحزب العمال البريطاني في االنتخابات العامة... وكير




.. الانتخابات البريطانية.. أبرز المشاهد لتولي كير ستارمر رئاسة