الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زقنموت (رواية) 14

تحسين كرمياني

2014 / 11 / 27
الادب والفن


بمواجهة ظلام الليل،يحتضنان بندقيتيهما،يحاولان اصطياد أشباح ترتسم في حدقتيهما،ليل طال،برد الجبهة لعين،برد مشبع برطوبة الماء وندى النخيل،عصيباً يواصل خلخلة معنوياتيهما.
من بعيد ترسل القنابل وميضها،يشعران برجات خفيفة تحتهما،تطرد النعاس المتشكل من رطوبة الجو، (موحان)يصمت طويلاً قبل أن يخرج سؤالاً أو رغبة في التعبير عن فكرة تشغله،كم دقيقة مضت،سؤال صعب جوابه،كوّر(موحان)كفه اليمين حول ساعته اليدوية،ضغط زر الساعة،توهج ضوء كابياً تمكن من خلاله معرفة الوقت.
قال:
((ساعتي متوقفة.!))
((كيف عرفت.؟))
((ساعتي تقول أننا قضينا من فترة حراستنا نصف ساعة.))
((هرااااااااااااااااااء.!))
((لم تصرخ.؟))
((آه انفعلت،كنت واضعاً في ذهني أننا على وشك ترك النقطة لمن يلينا.))
((يجب أن نعرف الساعة بالضبط.؟))
سمع(ماهر)وقع أقدام شبه بشرية تتحرك على أرض الواقع،أمسك معصم(موحان)،سحبه هامساً في أذنه:
((ربما تسللوا.!))
((أكاد أصرخ أنك على حق.))
تمددا.
كانت العيون تخترق الظلمة المتحركة،قلب(ماهر)بدأ يدوي بضرباته،واصلت الأقدام تعذيبه،تتضخم في رأسه كصدى طبول قادمة.
همس(موحان):
((لنخبر آمر السرية.))
((ليس قبل أن نتأكد أولاً..ربما قطيع خنازير مذعورة.))
((ولكن لم الخنازير بدأت تغادر الشط وتتجه نحو الصحاري الرملية،لابد من سبب واقعي.))
((قل لي هل توجد تماسيح في الشط.؟))
((كلا..توجد ـ سلابيح ـ ))
((ليس هذا وقت مزاح.))
((أي تماسيح يا ـ ماهر ـ شطنا يكاد يختفي،هذه الهجرة وراءها أسباب حربية.))
((ربما رحيل قسري جراء تفخيخ جرف الشط بالألغام.))
((وما أدرى الحيوانات بالألغام.؟))
((آه..تذكرت،ربما بدأ جنودنا باصطيادها وأكلها بعدما تعذر وصول أرزاقهم.))
((ومن أفتى بتناول لحم الخنازير.؟))
((قيادتنا الحكيمة.!))
((الجوع يلغي الشرع أحياناً.))
((جواب غير مقنع.))
((ألم يدربونا على أكل الضفادع والفئران والخنافس وتمزيق الكلاب الحيّة بأسناننا أيام التدريب.!))
((لقتل الرحمة فينا.))
((كلا يا عزيزي تحسباً للطوارئ.))
((لنترك هذا الجدل لما بعد التأكد من القضية.))
وسط الظلمة ظهر رهط خنازير تولي الأدبار،مرت بالقرب منهما..همس(موحان):
((كما توقعت،على ما يبدو أن عقلك تم تبديل ـ كويلاته ـ بعد تجربتيك العاطفيتين المتواضعتين.))
((موحان..أكاد أشم رائحة خطر غير متوقع.))
((في علمي ـ اليمامية زرقاء ـ عرفت بحدة بصرها لا بقوة شمها.))
((قوة البصيرة أنفذ من قوة البصر.))
((لكن حاستك الـ سادسة معطلة.))
((أليس الشعر نتاج قوة الحاسة الـ سادسة))
((أنسيت قول جناب السيد الآمر.!))
((كلامه كثير وما أدراني ما تريد.))
((كلامه بخصوص الشعر.))
((نسيت كل شيء بعدما اخترقني الوميض.))
((ألم يقل الشعر ـ ضراط ـ الرؤوس الغازية.))
((نعم هناك رؤوس فارغة من الثقافة،ما يخرج منها لا تعدو سوى غازات خانقة))
((وشعرك من أي الفضلات هو.؟))
((دعنا من هذا،لعنه الله،ربط كل شيء بالضراط.))
((حسناً سأشيع بولادة ـ أزرق جلبلاء ـ يشم الخطر على بعد دهر.))
((موحان..قلبي يشعرني بهاجس غير مريح.))
((قلبك عاطفي جداً يا ماهر.))
((لكنه صادق بما يتوقعه،الم ينطق شعراً،الشعر شعور.))
((وما جدوى الشعر في حياتنا القادمة.؟))
((الشعر صوت الحقيقة الضائعة.))
((لكن صوت الرصاص دائماً أعلى من صوت الشعر في شرقنا الذبيح.))
((مهما يكن،ثمت أمر جلل يحيق بنا.))
((سادر في شططك يا أخي،ليلة أمس صلبتني في قلب القلق،واليوم تروم نحتي(فزّاعة)من توقعاتك الفارغة،لن أرتئي برأيك من اليوم فصاعداً.))
صمت.
ليل مدلهم،يتعذر فيه كشف خبايا الحروب اللعينة،لا مفك من الشك في ليل الجبهات،تنعدم الرؤية،والمكان مؤهل لخلط الأوراق الحربية،عدو وجد الليل ساحة مؤهلة لتحقيق انتصاراته،بعد سلسلة مناوشات خائبة،لم تتعد ضرب أطراف المدن ثم أحشائها بصواريخ بعيدة المدى،ترويع الناس خيار سياسي ضاغط ومفتوح، طريقة شنيعة لكنها مثلى لزعزعة بنيان الخصم،الحرب خدعة،الحرب سلة الانحطاط الأخلاقي للبشرية الملتهبة بجراثيم الطمع وفحولة الحيوان،جنس متواجد يشعر أن ذاته متفوقاً على ذوات الآخرين،غالباً ما يأتي من خلف الكواليس البشرية،صبيان يولدون في أحياء مستهلكة،غير صالحة للمعيشة،أولاد زنا،يكبرون على جمرات الفزع والسرقة،مثخنون بأوبئة،يتأهلون ذاتياً لكسب أوراق المستقبل،يتمردون على كل شيء، تختارهم الظروف للوصول إلى مناصب سيادية،يصبحون رؤساء،يبدءون باحتفالات تمجيدية على رقاب شعوبهم،يتصورون أنفسهم فلاسفة،حكماء،صانعو حياة،يراهنون على قولبة الحسابات التليدة،تاركين مساوئ الصفات تترجل علناً بين طبقات كل مجتمع(غشيم).
ما بين الظن واليقين.
تناهى لسمع(ماهر)حركة غير طبيعية في ماء الجدول،خال الأمر لا يعدو سوى مرور خنازير خائفة.
عمود شرخ الظلام،فرك عينيه،هيكل بشري أسود،أحدث فزعاً في الطيور اللابدة.
تهيأ لقنصه،(موحان)شدّ معصمه بعنف.
مرعوباً همس:
((طنطل.!))
تجمدت أوصاله،تحرك العمود داخل الجدول المائي،حتى ذاب في الحلكة المتخثرة.
قال:
((أكاد أزمع أنه غوّاص متسلل.))
((أوقعتني في الوهم مرة أخرى.))
((أي وهم،ألم تره كيف كان يشق مسارب الجدول.؟))
((نعم..لكنه كان مجرد تهيؤ.))
((أتقول تهيؤ وأنت تعترف أنك رأيته.))
((لأنك زرعت الوهم مذ شعرت بوجود وقع خطوات وهمية تضرب صفحات مخك.))
((ظنّي لم يخب،ثمة واقعة تنتظرنا.!))
وضع(موحان)كفه على فم(ماهر)،لم يرغب بإضافة كلام،بدأت العيون تجتهد لشق مسارب الظلام،فكر (ماهر)مشغول بما رأى،وما سمع،وما فرضه عقله من فرضيات متوقعة،أشياء كثيرة تتوالد لحظات الصمت، حين يكون المرء مبرمجاً لوقائع دموية مفتوحة،أمام عدو قريب يفصلهما شط هادئ متواضع الماء،بعدما كان عارماً بموجه والبواخر التي كانت تمخر عبابه،لا شك الحرب تسببت تباينات غير طبيعية في بنى الثوابت،المطر سنوات الحروب يرفض الهطول،تهطل بدل الماء رفوف التعاسة،المناخ يتبدل،مناخ الخوف يتسيد،تتجرد المواسم من صفاتها،تتداخل في أنتاج توليفة مناخية هادمة،يتخلى الشتاء عن قسوته،قسوة الحكومة تطغي،يستغل الصيف الموقف،فيطيل من جلبابه،يبقى الربيع في حالة لملمة أطرافه،خشية المعركة المتواصلة ما بين شتاء يموت وصيف يتشدق.
تموت الأشجار واقفة،وهي تنتظر دموع المعركة الحياتية،كذلك الخريف ينام كونه كسول يائس من قدره،لم تعد الحروب تترك شيئاً نافعاً،حتى أوراق الأشجار تقتلعها باكراً،حياة مجردة من الرغبات،هكذا البشر أيضاً أيام الحروب،يلقون أرديتهم الحقيقية،كل فرد يرتدي الحلّة التي تقيم حياته.
تحرك(موحان)،ذهب إلى الجدول وعاد.
قال:
((أردت أن أنسف الظن فيّ وفيك.))
((لم فعلت هذا.؟أرجو أنك لم تسقط في حساباتك السريعة بخصوص القضيّة.))
((كلا..فقط أردت أن أسحبك إلى أرض الواقع،أنت حائر،مشغول بوهم ركب رأسك.))
((عقلي في مكانه،عيناي رأت كل شيء بوضوح.))
((الإنسان مجبول بالسقوط في دائرة الوهم،كثيرون أمثالك يتجولون في الأسواق والأزقة،تراهم يحاورون الهواء،يقومون بحركات جنونية،حين تستطلع أفكارهم يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم كانوا يرافقون الـ جن في حوار مشحون عن حقيقة البعث والنشور.))
((لكن الذي رأيناه كان جسداً آدمياً.))
((عدنا للوهم..))
((حسناً..لنحترس.؟))
((دعنا من هذا الأمر،حدثني عنها.!))
((لم يعد الحديث عنها يشكل شيئاً أمام هذا الهاجس الذي يشغلني.))
((سأتركك لبعض الوقت لتبلور أفكارك على رحى اليقين،لكن أيّاك أن تطيل علي الجواب.))
تحرك(موحان)بعيداً عنه،ذهب وجلس على مبعدة ستين متراً،في نقطة حراسة أخرى.
ربما كان على حق،قد يكون الذي رأيته مجرد(طنطل).(قال لسانه)
كائن خرافي يقبع في أغواره،جدّته لأبيه زرعته في ذهنه،أيام طفولته.
صمت يعيد حساباته،مرهفاً السمع،يحدق في شبح جدول الماء.
متأرجحاً،ما بين قدرين قاتلين،شك يلح ويقين يتذبذب.
فزع على يد لامسته،أحد الجنود جاء يستلم نوبته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل