الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية لشهداء السيول ، ونعي الوطن ..

احمد الطالبي

2014 / 11 / 29
الادب والفن


.........رسالة إلى ا ل و ط ن ............

أيها ...

لقد قررت أن أراسلك ، و أخط اسمك هكذا- ا ل و ط ن - لأني إلى حد الآن لا أعرف معنى شيء يقال له الوطن ..

أتذكر عندما كنت صغيرا، أجلس على مقعد خشبي مهترئ ، أتقاسمه مع تلث من بؤساء بلدتي يداية السبعينيات من القرن الماضي ، و في قاعة من تراب بنيت بسواعد أهل القرية ، أتذكر حينها أنك كنت تأتي إلينا كل يوم ، و تتسلل إلى قلوبنا عبر أناشيد نحفظها عن ظهر قلب ، وحين يسألنا الكبار عن معناها نقول لهم مفتخرين إنها أغاني الوطن ، وعندما يصرون على السؤال عن معنى الوطن ،نقول لهم : يقول المعلم ، إنه يمنح الشغل و الوظائف ،و يبني المدارس ، و المستشفيات ، ويشق الطرق و يبني القناطر ، ويمنح الخبز للجياع ، وقد إعتقدنا أن ذلك كله صحيح ، كما اعتقدنا أن الخبز الأسود الذي تخبزه أمهاتنا يأتي من عندك و ليس من عرق جبين أبائنا الكدح . وحتى الملابس التي نتباهى بها صبيحة العيد إعتقدنا صغارا أنها من عندك .وذات يوم اصبت بحروق في يدي فحملوني إلى مستوصف بعيد عنا بمقدار خمس كيلومترات ، وعندما دخلت البناية ، قلت في نفسي إنه الوطن الذي سيداوي حروقي التي ما زلت أحمل بعضا من أثرها على يدي اليمنى، لكن الحروق التي أصابتني الآن أكبر مما تصورت ....

أرايت ايها ا ل و ط ن ؟ كم هي جميلة تلك الصورة التي كوناها لك في مخيلاتنا ونحن صغار ، ونحن أبرياء ، وكم هي جميلة تلك الأحلام الوردية التي ترقص كالفراشات في عقولنا الصغيرة مطمئنين أننا إذا كبرنا سيمنحها لنا الوطن بسخاء ...

لكن سيدي ، حز في نفسي أنني عندما وعيت و كبرت ، ما رأيت من كل ذلك شيئا ، بل إكتشفت أن تلك المدرسة التي اعتقدت أنها هبة من عندك ما هي إلا خدعة عطلت العديد من طاقاتي ، كبلت قدراتي و جموح خيالي و قلصت من قدرتي على الإبداع بل وحفرت بداخلي أخاديد و شروخا لم أستطع لحد الآن رغم كل محاولاتي تجاوز أعطابها .....

أرأيت حجم الضرر الذي ألحقته بكياني ايها ال و ط ن ؟
أرايت كيف قتلت الإنسان بداخلي بإصرار و ترصد ؟

ورغم أني أقرر كل مرة في قرارة نفسي أن أغفر لك خطاياك في حقي و في حق غيري ، إلا أنني أصطدم بعنادك و إصرارك ، وتنكرك لكل هذا الحب الذي أحمله لك في قلبي الذي أنهكته ، ولم يعد به متسع لأي شيء ..

إصرارك هذا الذي ينزل علينا مرة إهمالا كما الآن ،ومرة هراوات و زراويط ، ومرة غلاء وربما اعتقالا و محاكمة ، مع أنك إدعيت يوما أنك غفور رحيم ، لكن للأسف ليس بابنائك البررة ، إنما بمن خانوك ، وطعنوك و نهبوك ،..

قد تقول أنني أبالغ في قساوة الحكم عليك ، و انني جاحد و ناكر للجميل ، لكن ما من شك أيها ا ل و ط ن أنني صادق في ما اقول ، وليس في كلامي مبالغة ، بعد lن سمعت إعلامك الكاذب يتحدث عن المروحيات التي أنقدت ضحايا السيول ، بينما شهدت بأمي عيني شابا إسمه فؤاد بمعية آخرين ، يصارعون الموت تحت جبروت المياه المتدفقة بلا رحمة ، ولم أر أيها ا ل و ط ن مروحياتك ،و لا طرقك ،و لا قناطرك إلا على شاشات كاذبة ، فقط رايت فؤاد يصارع الموت ، رايت صراخه و رايت قلبه ينبض خوفا ، وسمعت تضرعه إلى ربه -مختلطا بهدير المياه - طالبا النجاة ، متمسكا بما تبقى له من عزم بآخر رمق في الحياة . ...

ظل كذلك مصرا على الحياة ربما حبا فيك حيث عز عليه فراقك ، وربما فعل ذلك خجلا من دموع أمه ، أو اعتقادا منه انك في آخر لحظة ستمد له يدك القوية و تنتشله من بين مخالب موت محقق . ظل كذلك إلى أن اقتلعت المياه التمدفقة بلا رحمة ما تبقى من شجرة تمسك بها ، فراح و في حلقه غصة ندم على وهم إسمه ا ل و ط ن ، راح وفي مخيلته بقايا صور عن أبيه الذي حمل البندقية يوما للدفاع عنك، وها أنت تتنكر لكل ذلك ..رأيته يختفي و ربما ارتطم راسه بصخرة في قاع الوادي ،ولم أراك ايها ا ل و ط ن ، و لم أر مروحياتك ..

لم أراك ايها الوطن بعد أن رأيت الحاضرين الذين شهدوا على هذا الجرم ، يشيحون بوجوههم ، ويكتمون بداخلهم غيضا و يحملون في قلوبهم أسى ،و ربما تاه بعضهم كفرا بك إلى الأبد .....

لم أراك بقدرما رأيت إصرارك على إدلالنا ، عندما حملت جتث شهدائنا على شاحنات حمل الأزبال ...

أ لا يكفيك هذا ، ألم تستحي بعد مما فعلته و تفعله بنا ؟

كلمة أخيرة ، أقولها لك مضطرا و أنت الذي أكرهتني على قولها ، لقد نفذ صبري ، ولم أعد اطيق كل هذا الظلم وهذا العبث ..

- لا تلمني بعد اليوم إن كفرت بك ايها الوثن ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل