الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمار الفلسطيني، وجزرة الدولة الوهمية

وليد الحلبي

2014 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


وسط غبار المعركة الدبلوماسية الجارية الآن على الساحة الدولية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أقل من عشرين بالمئة من أرض فلسطين التاريخية، وفي هذا الجو المتأزم، لا يسع المرء أن يتخذ موقفاً واضحاً من هذا الأمر، فإن هو عارض قيام هذه الدولة، وجد نفسه أمام تيار جارف لا يتردد في وصف المعارض على أنه في أقل حالاته جاهل، وفي أقصاها عميل للصهيونية والإمبريالية، وهي التهمة الجاهزة لوصف كل من يعارض حتى ولو امتلك الدليل. وإن هو وافق تيار تأييد قيام الدولة، كان كمن يخون نفسه وقضيته، إذ أن هذه الدولة الوهمية سوف تقوم – إن هي قامت – على ما لا يزيد عن عشرين بالمئة من أرض فلسطين التاريخية، بلا حدود واضحة، وبدون جيش وطني، ليست لها سيطرة على الأجواء، ولا على الحدود - والتي هي مع الأردن فقط - كما أنه ليست لها مياه إقليمية ولا موانيء بحرية ولا مطارات، تقوم على أرضها ما لا يقل عن مئة وستين مستوطنة، تلتهم 10% من أراضي الضفة الغربية، تأوي ما يزيد على الثمانمئة ألف مستوطن مسلحين حتى أسنانهم. هذه الدولة المسخ سوف يكون عليها التنازل عن حق عودة اللاجئين الذين طردوا من فلسطين عام 48، ليس ذلك فحسب، بل إن قيام هذا الكيان الوهمي المسمى "دولة" سوف يهدد مستقبل ومصير فلسطينيي الداخل، فمن ذا الذي سيضمن عدم ترحيلهم إلى دولتهم الوهمية؟، بل إن هناك مئات الأسئلة حول هذا الأمر والتي لن تستطيع سلطة رام الله الإجابة على أي منها، لأنها ببساطة لا تملك فعلاً حقيقياً، بل هي محكومة – شأنها شأن النظام العربي برمته – برد الفعل فحسب. وفي الواقع، لا يعرف المرء إلى أية شرعية تستند السلطة الفلسطينية في قبولها دولة مسخ كالتي يجري الحديث عنها هذه الأيام، ففي البلاد التي تحترم فيها الحكومات شعوبها، تُجرى استفتاءات على بناء مطار أو شق طريق دولية، أما مصير شعب عريق وأرض تاريخية، فلا أحسب أن السلطة مقدمة على إجراء أي استفتاء في هذا الشأن، إذ هي تعلم مسبقاً بأنها لن تستطيع تنفيذ رغبات الشعب الفلسطيني إن هو رفض مشروع الدولة، ثم إن توقع إجراء مثل هذا الاستفتاء هو وهم وسراب، فتوقيع اتفاق أوسلو المهزلة قد تم بليل دون أخذ رأي الشارع الفلسطيني فيه. وإذا كنا قد فقدنا الأمل منذ مدة طويلة بإنجاز محترم تقوم به حركة فتح، صلب سلطة رام الله، والتي تدعي بالقوة تمثيل الشعب الفلسطيني رغماً عن أنفه، فماذا عن اليسار الفلسطيني الذي كان سباقاً في طرح حل الدولة الديمقراطية منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، لكنه تخلى عنه الآن، أو خفت صوته، فتناغم مع القيادة الموصوفة بـ "التاريخية" للشعب الفلسطيني، والتي حل الدمار بالفلسطينيين في ركابها أينما حلت وحيثما وطأت، هذا اليسار الذي مالأ سياسات منظمة التحرير الفلسطينية، فخنع لها، إما ضعفاً لأن التيار الإسلامي قام بتجريف أنصار هذا اليسار، فأفقده شارعه الذي كان يعتمد عليه، وإما لأن المكاسب المادية والرواتب التي يتقاضاها رموزه من اللجنة الرباعية قد اشترت موقفه بأبخس ثمن.
ولعل في مقدمة محاذير الاعتراف بدولة فلسطينية بالشكل الذي يتم الحديث عنه الآن، اعتراف جميع الدول العربية بإسرائيل وفق المبادرة العربية التي أعلنت في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002، والتي نصت على اعتراف كامل بإسرائيل في حال انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية، غير أن التطورات التي حدثت في دول الجوار مع إسرائيل خلال العقد الماضي من دمار شامل، وتفتيت للدولة المركزية بأجهزتها وجيوشها، يجعل لإسرائيل اليد الطولى في قبول ما يحلو لها، ورفض ما لا يعجبها، أضف إلى ذلك أن النظام العربي المتهالك لا يملك من أمره شيئاً سوى الخلاص من عبء القضية الفلسطينية، وهو العبء الذي تخلص منه جزئياً منذ عام 1974 عندما أقر مؤتمر القمة العربية في الرباط – بدفع هائل من الملك الحسن الثاني - أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مما منح إجازة للنظام العربي من دوره في القضية الفلسطينية، ثم - وعلى يد قيادة فلسطينية منحرفة - تم توقيع اتفاق أوسلو الكارثي، والذي لا يقل في كارثيته عن اتفاق كامب ديفيد،،، "أوسلو" الذي رفع العبء بكامله عن عاتق النظام العربي تجاه ما كان يعرف بـ "قضية العرب الأولى".
أما غبار اعترافات البرلمانات الأوربية الحالية بالدولة الفلسطينية، فأحسب أنه ليس ذا قيمة تذكر، وأنه ليس أكثر من زوبعة في فنجان، ذلك أنه اعتراف من البرلمانات، وغير ملزم للحكومات، ومن جهة ثانية، لا أدري ماذا أفاد اعتراف أكثر من ثمانين دولة بالدولة الفلسطينية في نفس العام الذي أعلنتها فيه منظمة التحرير في الجزائر عام 1988، واعتراف الأربعين دولة الأخرى في الأعوام التي تلت، مما رفع عدد تلك الدول إلى حوالي المئة والثلاثين، فماذا غيَّر ذلك في موقف والولايات المتحدة وإسرائيل، وهي التي ما زالت ترفض الانصياع للقرارات الدولية التي اتخذها مجلس الأمن عبر عشرات السنين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؟، أما موقف الإسرائيليين الرافض لموجة الاعترافات الدولية الحالية والسابقة، فأحسب أنه موقف تكتيكي يضحكون به على ذقون العرب والفلسطينيين، يعرفه كل من تابع أساليب الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وغالباً ما كنت أردد بأن أقوى أسلحة إسرائيل، حتى من الجيش، هو سلاح علم النفس، إذ أن التوصية باتخاذ مواقف سياسية بناء على آراء مختصين إسرائيليين في علم النفس، خاصة علم نفس العرب، هو الذي منح إسرائيل التفوق دائماً، سواء في المجال السياسي أو العسكري، من ذلك نذكر جيداً أنه عندما أعلنت حركة حماس نيتها الترشح للانتخابات التشريعية، كان موقف شارون الرفض التام لهذا الأمر، مما دفع بالفلسطينيين إلى إعطاء حركة حماس غالبية الأصوات، فانشق الصف الفلسطيني، والآن يعيد الإسرائيليون علينا نفس التمثيلية، فهم يرفضون الاعتراف بدولة فلسطينية، بينما هم في سرهم يرغبون في رؤية الفلسطينيين أنفسهم يلهثون وراء جزرة هذه الدولة الكرتونية، وربما سوف يسمحون لهم بالتهامها في أية لحظة، لأن ذلك ببساطة سوف يكون جواز مرورهم إلى عالم عربي غني بالثروات، غبي بالقيادات.
عند الحديث عن حل الدولتين، غالباً ما كنت أطرح التساؤل التالي: ماذا كان سيتبقى من الجزائر وشعبها لو وافق الجزائريون على حل الدولتين باقتسام بلادهم مع المستوطنين الفرنسيين، بدل الاستقلال التام؟، طبعاً كانت سوف تقوم دولة فرنسية على ساحل البحر المتوسط، تتمتع بخيرات البلاد من أراضٍ خصبة، وموانيء استراتيجية، بينما سينحصر الجزائريون في الجنوب الصحراوي، ويتحولون إلى رعاة أغنام وإبل، أما ثرواتهم من المعادن والنفط والغاز، فلن يكون بإمكانهم استغلالها وتصديرها إلا عبر شركات فرنسية، وعندها كان الجزائريون سيرددون ( وكأنك يا بو زيد ما غزيت)، ولكانت تضحياتهم وتضحيات أجدادهم على مدى أقل قليلاً من القرن والنصف، ستذهب أدراج الرياح: هذا هو مصير الفلسطينيين إن هم قبلوا بحل الدولتين. ولعل هناك سائل يسأل: إذن ما هو الحل الآن؟، أقول: قيام دولة واحدة ديمقراطية للشعبين، يتمتع فيها الجميع بنفس الحقوق والواجبات، أما تسمية الدولة، فلا أعتقد أنه يشكل فرقاً على المولود العبقري إن كان اسمه عبد الله أو كان اسمه كوهين، وأحسب أن ما لاقاه الفلسطينيون من إهمال العرب لهم ولقضيتهم على مدى العقود الستة الماضية، كفيل بأن يدفعهم إلى التعايش مع الإسرائيليين، هذا إن كان لدى الإسرائيليين القدرة على اغتنام الفرصة بتحقيق مصالحة تاريخية حقيقية، لكن الواقع اليوم يؤكد عدم وجود نية لدى الإسرائيليين لتحقيق هذه المصالحة، فالمشروع الذي وافق عليه مجلس الوزراء الإسرائيلي بشأن يهودية الدولة، والذي سوف يقدم إلى الكنيست لإقراره، هدفه الأساسي ليس تأكيد يهودية الدولة، فهذا ما أكده بيان إعلان استقلال الدولة! يوم 14 مايو 1948، وأعيد تأكيده في قانون الهجرة، بل إن هدفه الرئيسي على ما يبدو هو استباق المطالبة بدولة واحدة للشعبين على غرار دولة جنوب أفريقيا، والذي هو الحل الوحيد الباقي في يد الفلسطينيين، لكن بإقرار قانون يهودية الدولة الآن، يتبخر هذا الحل، وتستقل دولة فلسطين على الورق، بدون أرضٍ فلسطينية.
كتبت ذات مرة أن لذكاء الحمير مستويات، فهنالك من الحمير من هو ذكي، ومن هو متوسط الذكاء، ومن هو غبي، وأحسب أن الحمار الفلسطيني الذي يلهث الآن وراء جزرة الدولة هو من النوع الأخير، لكنني، وحتى لا أجر عليَّ غضب أنصار ذلك الحمار، ولأنه حتى الحمار الغبي يمكن أن يدرك في لحظة ما حيلة من ضحك عليه إذا طال المسير، لذا علي أن أعتذر عن وصفه بالحمار، وأستبدله بوصفه على أنه كثور الساقية، ذاك الذي يدور في مكانه دون كلل أو ملل، في حلقة مفرغة ليس لها آخر.
23 نوفمبر 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة