الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصرف بدائي قديم تجاوزته المجتمعات المتحضرة

كمال بالمقدم

2014 / 11 / 30
حقوق الانسان



مــــن أهم أسباب الفرقــــة بين الأديان و المذاهب و الطوائف يعود لإختـــــلافات قد تكون جذرية أحيانا بين معتقداتها و طقوسها و رموزها المقدســـة و نجد أن كل فئة تجعل من تلكـ الخلافات سبب لا يقبل النقاش لكره الفئة الأخرى كرها غير مبرر سوى بشكل عقدي - ديني يفتقد للموضوعية تماما ... هذه الكراهية تكون مبرر لكل فئة [ و في الغالب الفئة التي تشكل الأكثرية ] من أجل المطالبة بالنيل من حقوق الفئة الأخرى و بل و ظلمها و أحيانا المطالبة بإبادتها ..فالكراهية القائمـــة على عدم تقديس نفس الأشياء هي كراهية بدائية جدا و تلغي جميع ما توصلت إليه المعارف و التجارب الإنسانية في الماضي و ليس أسوء من هذه الكراهية سوى إستغلالها من قبل المنتفعين لتبقى جميع الفئات و الطوائف في عداء مستمر يصل لحد التناحـــر .


و يحق لنا أن نتسآل .. هل هذه الكراهية تقوم علي شيء فعلا ؟! و هل يجب على كل إنسان أن يفرض على الآخر ما يؤمن به و يقدسه حتى يتقبله بدون أي مشاكل ؟!

إن هذا ضرب من المستحيل و حتى لو حاولنا تحقيقه رغم عدم عدالته و عدم منطقيته فلن يحدث ابدا ... إذن لماذا من الصعوبة أن نعي بأن هذا لا يمكن أن يحدث و أنه لا جدوى من الإستمرار على نفس النهج سوى إستمرار الكراهية و العداء و الفرقة ؟ إذا كنت تعلم أن كراهيتكـ لن تغيير أي شيء و أن المختلف لن يصبح مثلك ابدا .. أليست هذه كراهية رغم بشاعتها إلا أنها تفتقد لـلقيمة أيضا ؟ أليست كراهية لا تقدم أي حل في النهاية ؟! أليست عبارة عن فعل غير منطقي ؟!


فلنأخذ مثال بسيط :

الشيــــعة لا يقدسون نفس الشخصيات التي يقدسها السنة و لذلكـ يقوم السنة بكراهية الشيعة على هذا الأساس بلا أي أسباب حقيقية سوى الإنتقاص من الصحابة ... لكن إذا نظرنا من جهة أخرى و بنفس هذا المنطق : فيمكن أن نبرر للمسيحي أن يكره المسلم بلا سبب لأن المسلم ينتقص من شأن " الهه " و ينزله لمنزلة البشــر ... و هكذا .! هل يلوح لأي أحد حل لهذه المعضلة إذا تعاملنا بمنطق [ كراهية كل من ليس مثلي ] ...؟


لا يوجد أي حل لأن كل شخص سيبقى متمسكا بعقيدته التي ستبقى تخالف عقيدة الأخر .. فإذا كان الحل هو العداء و الكراهية فهذا يعني أنه سيكون عداء و كراهية أبدية .! إنها إعادة إنتاج و تدوير لكراهية [ غير منطقية ] عمرها مئات السنين تتكرر بشكل مستمر .. تخرب و تفرق و تقتل بدون أدنى خوف .! و في كل مرة نتبناها من جديد كما تبناها الأجداد و سيتبناها الأحفاد كما نتبناها نحن و يستمر الأمر إلى ما شاء الله !

هل الأمر غير قابل للحل لهذه الدرجـــة ؟

ألا يستطيع الإنسان المتعلم المعاصر أن يتجاوز قليلا من [ طفولية ] عقله و يؤمن بأن الآخر حر في كل ما يريد أن يعتقد به و يقدسه ؟ و هل كراهية من لا يقدس نفس رموزي كراهية مبررة ؟ لماذا يجب على الآخرين أن يقدسوا آيقوناتي المقدســـة حتى أحترمهم و أتعامل معهم بعدل و إستقامة ؟ لماذا إذن لا تكره من يفضل غير طعامكـ أو من يفضل غير لباسك .... إلخ ؟ لـــماذا ترتقي هذه الأشياء السطحية المادية عن مستنقع الكراهية و الحقد هذا و نجد أن أشياء مقدسة كالأديان و الشرائع تنغمس فيه تماما ؟

أسئلة كثيرة أعتقد أننا يجب أن نواصل طرحها على أنفسنا و التفكير بإجابات جديدة و منــــطقية ليس من أعمدتها الكراهية و الحقد و العداء كما تعودنا دائما .!

يكاد يكون من المفروغ منه أن التــــسامح و التعايش ليس مسؤولية الفرد وحده .. بل هي أيضا من مسؤوليات السلطة و النـــظام ... في دولة تعامل الطـــوائف بتفرقة و تفرض منهج ديني معين في التعليم و القضاء و يقوم رموز لهم ملايين الأتباع بالتحريض و الشحن الطائفي و الديني و مع ذلك لا يعاقبون ... في دولة كهذه فستكون فرص النــــجاح ضئيلة .!

يجب أن لا نقسوا على الفرد و أن لا نحمله كامل المسؤولية .. ففي النهاية : المجتمعات من وجهــــة نظري و في حالات كثيرة هي إنعاكس للدين و التعليم و النظام في بلد معــين .! لكن عندما نستخدم طريقة الحوار التي تخاطب عقل الشخص مباشرة فهذا لأنها الطريقة الوحيدة المتبقية للإصلاح بعد أن تم تجاهل تفعيل بقية الطرق أو [ إهمالها ] عن قصد ... فخطوات التغيير الحقيقية لا يجب أن تبدأ من الفرد بل مما يصنع فكر الفرد .. فنحن في نهاية المطاف لا يمكن أن نعول على [ إحتمال ] ان جميع الأفراد مؤهلين و قادرين و يمتلكون اللازم لشق طريقهم الشخصي نحو قيم الحضارة و التمدن بدون أي مســــاعدة .! إذا كــــانت مشكلة ما شائعة في مجتمع بأكــــمله أو أغلبه فيجب أن ننظر للمصادر التي تُقــــدم للمجتمع بأكمله و التي لا تعتمــــد على الجهد الفردي .! هذه المصادر ستكون ما نبحـــث عنه .!

التعليم .. الخطاب الديني .. القانون المتساهل و بل و الأسوء المتورط أحيانا .!

في حال لم يكن الإصلاح قائم على مصادر المشـــكلة الأساسية فإن المعالجة الفردية بالحوار ستكون الحل الوحيد رغم صعوبته و نتائجه الغير مضـــمونة ... و الإصلاح الفردي لا يعتمد على المُحاور فقط و نوعية الحوار بل على الطرف الآخر أيضا و هنا تكمن المشكلة .! لأن النجاح يعتمد عليه بقدر ما يعتمد عليكـ ... فأنت هنا تواجه شخص تم تدجيجه بكامل الأسلحة الفكرية المضادة خلال سنوات من التجييش و التحريض و الكـــراهية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق




.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟


.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع




.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد